183

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Noocyada

مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- المَسْأَلَةُ الأُوْلَى) مَا الجَوَابُ عَنِ التَّعَارُضِ حَوْلَ مَا نُقِلَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ ﵀ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِقْبَالِ القَبْرِ أَوِ القِبْلَةِ فِي الدُّعَاءِ؛ فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ البَاجِيُّ ﵀ (١) فِي كِتَابِهِ (المُنْتَقَى) شَرْحُ المُوَطَّأِ (٢): «مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الدُّعَاءُ عِنْدَ القَبْرِ؛ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي المَبْسُوطِ: (لَا أَرَى أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ يَدْعُو؛ وَلَكِنْ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَمْضِي)، وَلَكِنْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ - فِي غَيْرِ المَبْسُوطِ - أَنَّهُ يَدْعُو مُسْتَقْبِلَ القَبْرِ؛ وَلَا يَدْعُو وَهُوَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ وَظَهْرَهُ إِلَى القَبْرِ)؟
الجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ القِصَّةَ الأَخِيْرَةَ - مِمَّا لَهَجَ بِهَا كَثِيْرٌ مِنَ المُتَصَوِّفَةِ - وَهِيَ أَنَّ الخَلِيْفَةَ المَنْصُوْرَ العَبَّاسِيَّ سَأَلَ مَالِكًا عَنِ اسْتِقْبَالِ الحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي الدُّعَاءِ، فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ: (هُوَ وَسِيْلَتُكَ وَوَسِيْلَةُ أَبِيْكَ آدَمَ)! هِيَ حِكَايَةٌ بَاطِلَةٌ مَكْذُوْبَةٌ عَلَى مَالِكٍ؛ مُخَالِفَةٌ لِلثَّابِتِ المَنْقُوْلِ عَنْهُ بِأَسَانِيْدِ الثِّقَاتِ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ، وَرَاوِيْهَا عَنْ مَالِكٍ ﵀ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ؛ وَقَدْ كَذَّبَهُ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ (٣)، عَدَا عَنِ الانْقِطَاعِ فِي السَّنَدِ؛ فَإِنَّه لَمْ يُدْرِكْ أَبَا جَعْفَرٍ المنْصُوْرَ أَصْلًا. (٤) (٥)

(١) هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ؛ سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفِ بنِ سَعْدٍ الأَنْدَلُسِيُّ؛ القُرْطُبِيُّ؛ البَاجِيُّ؛ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، (ت ٤٧٤ هـ). اُنْظُرِ السِّيَر لِلذَّهَبِيِّ (٥٣٥/ ١٨).
(٢) المُنْتَقَى (٢٩٦/ ١).
وَقَدْ رَوَاهَا القَاضِي عِيَاضُ ﵀ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِهِ (الشِّفَا) (ص٥٩٥)، وَفِيْهَا (وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؛ أَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ وَأَدْعُو؛ أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ؟ فَقَالَ: وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ؛ وَهُوَ وَسِيْلَتُكَ وَوَسِيْلَةُ أَبِيْكَ آدَمَ ﵇ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ؟! بَلِ اسْتَقْبِلْهُ، وَاسْتَشْفِعْ بِهِ، فَيُشَفِّعْهُ اللهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوْكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُوْلُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيْمًا﴾ (النِّسَاء:٦٤).
(٣) رُغْمَ كَوْنِهِ حَافِظًا، وَقَدْ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِهِ بَعْضُهُم.
وَفِي السِّيَرِ (٥٠٤/ ١١) لِلحَافِظِ الذَّهَبِيِّ ﵀ (قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: قُلْتُ لابْنِ خُزَيْمَةَ: لَوْ حَدَّثَ الأُسْتَاذُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ - فَإِنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ قَدْ أَحسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ! - قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَلَوْ عَرَفَه كَمَا عَرَفْنَاهُ، لَمَا أَثْنَى عَلَيْهِ أَصْلًا).
قُلْتُ: وَقَدْ عُلِمَ فِي مُصْطَلَحِ الحَدِيْثِ أَنَّ الجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيْلِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مُفَسَّرًا.
(٤) أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ وفاتُهُ (١٥٨ هـ) كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (تَهْذِيْبُ الأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ) (٢٠٣/ ٢)، أَمَّا مُحَمَّدِ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ فَقَد قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبَيُّ ﵀ عَنْهُ فِي السِّيَرِ (٥٠٣/ ١١): (مَوْلِدُهُ فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ).
(٥) قَالَ الشَّيْخُ الدُّكْتُورُ وَهْبَةُ الزُّحَيليُّ حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ فِي كِتَابِهِ (الفِقْهُ الإِسْلَامِيُّ وَأَدِلَّتُهُ) (ص١٤٥٣) - فِي حَاشِيَةِ أَبْوَابِ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ -: (اتَّفَقَ الأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَ قَبْرٍ رَجَاءَ الإِجَابَةِ بِدْعَةٌ، لَا قُرْبَةٌ).

1 / 183