164

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Noocyada

- الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: صَلَاةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ (١) مَعَ أنَّ فِيْهِ قَبْرَ سَبْعِيْنَ نَبِيًّا!! (٢)
وَالجَوَابُ:
أَنَّنَا لَا نَشُكُّ فِي صَلَاتِهِ ﷺ فِي هَذَا المَسْجِدِ؛ وَلَكِنَّنَا نَقُوْلُ: إِنَّ مَا ذُكِرَ فِي الشُّبْهَةِ مِنْ أَنَّهُ دُفِنَ فِيْهِ سَبْعُوْنَ نَبِيًّا!! لَا حُجَّةَ فِيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
١) مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ: لَا يَصِحُّ. فَإِنَّ فِيْهِ عِيْسَى بْنَ شَاذَان؛ قَالَ فِيْهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ (الثِّقَاتُ): (يُغَرِّبُ) (٣)، وَفِيْهِ أَيْضًا إِبْرَاهِيْمُ بْنُ طَهْمَانَ؛ قَالَ فِيْهِ ابْنُ حَجَرٍ: (ثِقَةٌ يُغَرِّبُ).
قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀: (وَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَكُوْنَ الحَدِيْثُ تَحَرَّفَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَالَ: (قَبْرُ) بَدَلَ (صَلَّى) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الثَّانِيَ هُوَ المَشْهُوْرُ فِي الحَدِيْثِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي (الكَبِيْرِ) (٤) بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا (صَلَّى فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ سَبْعُوْنَ نَبِيًّا)، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ (٥)، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
٢) مِنْ جِهَةِ المَعْنَى: لَيْسَ فِي الحَدِيْثِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ القُبُوْرَ ظَاهِرْةٌ فِي المَسْجِدِ، وَقَدْ عَقَدَ الأَزْرَقِيُّ (٦) فِي تَارِيْخِ مَكَّةَ عِدَّةَ فُصُوْلٍ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ؛ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ فِيْهِ قُبُوْرًا بَارِزَةً، وَمِنَ المَعْلُوْمِ أَنَّ الشَّرِيْعَةَ إِنَّمَا تُبْنَى أَحْكَامُهَا عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي المَسْجِدِ المَذْكُوْرِ قُبُوْرٌ ظَاهِرَةٌ فَلَا مَحْظُوْرَ فِي الصَّلَاةِ فِيْهِ البَتَّةَ، لِأَنَّ القُبُوْرَ مُنْدَرِسَةٌ وَلَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ، بَلْ لَوْلَا هَذَا الخَبَرِ - الَّذِيْ عَرَفْتَ ضَعْفَهُ - لَمْ يَخْطرْ فِي بَالِ أَحَدٍ أَنَّ فِي أَرْضِهِ سَبْعِيْنَ قَبْرًا، وَلِذَلِكَ لَا تَقَعُ فِيْهِ تِلْكَ المَفْسَدَةُ الَّتِيْ تَقَعُ عَادَةً فِي المَسَاجِدِ المَبْنِيَّةِ عَلَى القُبُوْرِ الظَّاهِرَةِ وَالمُشْرِفَةِ. (٧)

(١) قَالَ الجَوْهَرِيُّ فِي كِتَابِهِ (الصِّحَاحُ) (١٣٥٩/ ٤): (الخَيْفُ: مَا انْحَدَرَ عَنْ غِلَظِ الجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيْلِ المَاءِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ مَسْجِدُ الخَيْفِ بِمِنَى).
(٢) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيْرِ (٤١٤/ ١٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعًا (فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ قَبْرُ سَبْعِيْنَ نَبِيًّا). وَسَيَأْتِي بَيَانُ كَوْنِهِ ضَعِيْفًا.
(٣) (الثِّقَاتُ) (٤٩٤/ ٨).
وَمَعْنَى (يُغَرِّبُ): أَيْ: يَأْتِي بِالغَرَائِبِ عَلَى أقْرَانِهِ فِي الحَدِيْثِ. انْظُرْ كِتَابَ (تَوْضِيْحُ الأَفْكَارِ) (١٦٧/ ٢) لِلصَّنْعَانيِّ ﵀.
(٤) المُعْجَمُ الكَبِيْرُ (٤٥٢/ ١١).
(٥) المُعْجَمُ الأَوْسَطُ (٥٤٠٧).
(٦) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الوَلِيْدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ الأَزْرَقِ؛ أَبُو الوَلِيْدِ الأَزْرَقِيُّ: مُؤرِّخٌ يَمَانِيُّ الأَصْلِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَهُ الزِّرِكْلِيُّ فِي الأَعْلَامِ (٢٢٢/ ٦).
(٧) وَمِثْلُهَا فِي الشُّبْهَةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ ﵇ مَدْفُوْنٌ فِي الحِجْرِ مِنَ البَيْتِ، وَعُلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الحِجْرِ مُسْتَحَبَّةٌ!!
وَالجَوَابُ عَنْهَا هُوَ كَمَا سَبَقَ آنِفًا: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا الكَلَامُ مِنْ جِهَةِ الإِسْنَادِ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِه فَإِنَّ هَذَا القَبْرَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ فَزَالَتِ العِلَّةُ. وَالحَمْدُ للهِ.

1 / 164