بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
قال الشيخ الإمام العالم العلامة تاج القراء أبو القاسم محمود بن حمزة ابن نصر الكرماني رضي الله عنه ورحمه الحمد لله الذي أنزل الفرقان على محمد ليكون للعالمين نذيرا معجزا للإنس والجن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا نحمده على تفضله علينا بكتابه فضلا كبيرا ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا
ونصلي ونسلم على المبعوث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلاة دائمة تتصل ولا تنقطع بكرة وهجيرا وبعد
فإن هذا كتاب أذكر فيه الآيات المتشابهات التي تكررت في القرآن وألفاظها متفقة ولكن وقع في بعضها زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير أو إبدال حرف مكان حرف أو غير ذلك مما يوجب اختلافا بين
الآيتين أو الآيات التي تكررت من غير زيادة ولا نقصان وأبين ما
Bogga 63
السبب في تكرارها والفائدة في إعادتها وما الموجب للزيادة والنقصان والتقديم والتأخير والإبدال وما الحكمة في تخصيص الآية بذلك دون الآية الأخرى وهل كان يصلح ما في هذه السورة مكان ما في السورة التي تشاكلها أم لا ليجري ذلك مجرى علامات تزيل إشكالها وتمتاز بها عن أشكالها من غير أن أشتغل بتفسيرها وتأويلها فإني بحمد الله قد بينت ذلك كله بشرائطه في كتاب لباب التفسير وعجائب التأويل مشتملا على أكثر ما نحن بصدده ولكني أفردت هذا الكتاب لبيان المتشابه فإن الأئمة رحمهم الله تعالى قد شرعوا في تصنيفه واقتصروا على ذكر الآية ونظيرتها ولم يشتغلوا بذكر وجوهها وعللها والفرق بين الآية ومثلها وهو المشكل الذي لا يقوم بأعبائه إلا من وفقه الله لأدائه
وقد قال أبو مسلم في تفسيره عن أبي عبد الله الخطيب في تفسيره كلمات معدودات منها وأنا أحكي لك كلامه فيها إذا بلغت إليها مستعينا بالله ومتوكلا عليه وسميت هذا الكتاب البرهان في متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان وبالله وعليه التكلان
Bogga 64
سورة الفاتحة
1 -
أول المتشابهات قوله {الرحمن الرحيم مالك} فيمن جعل {بسم الله الرحمن الرحيم} آية من الفاتحة وفي تكراره قولان قال علي بن عيسى إنما كرر للتوكيد وأنشد قول الشاعر
... هلا سألت جموع كندة يوم ولوا أين أينا ...
وقال قاسم بن حبيب إنما كرر لأن المعنى وجب الحمد لله لأنه الرحمن الرحيم قلت إنما كرر لأن الرحمة هي الإنعام على المحتاج وذكر في الآية الأولى المنعم ولم يذكر المنعم عليهم فأعادها مع ذكرهم وقال {رب العالمين الرحمن} لهم جميعا ينعم عليهم ويرزقهم {الرحيم} بالمؤمنين خاصة يوم الدين ينعم عليهم ويغفر لهم
2 -
قوله تعالى {إياك نعبد وإياك نستعين} كرر {إياك} وقدمه ولم يقتصر على ذكره مرة كما اقتصر على ذكر أحد المفعولين في آيات كثيرة منها {ما ودعك ربك وما قلى} أي ما قلاك وكذلك الآيات التي بعدها معناها فآواك فهداك فأغناك لأن في التقديم فائدة وهي قطع الاشتراك ولو حذف لم يدل على
Bogga 65
التقديم لأنك لو قلت إياك نعبد ونستعين لم يظهر أن التقدير إياك نعبد وإياك نستعين أم إياك نعبد ونستعينك فكرر
3 -
قوله تعالى {صراط الذين أنعمت عليهم} كرر {الصراط} لعلة تقرب مما ذكرت في {الرحمن الرحيم} وذلك أن الصراط هو المكان
المهيأ للسلوك فذكر في الأول المكان ولم يذكر السالكين فأعاده مع ذكرهم فقال {صراط الذين أنعمت عليهم} أي الذي يسلكه النبيون والمؤمنون ولهذا كرر أيضا في قوله {إلى صراط مستقيم} {صراط الله} لأنه ذكر المكان المهيأ ولم يذكر المهيئ فأعاده مع ذكره فقال {صراط الله} أي الذي هيأه للسالكين
4 -
قوله {عليهم} ليس بتكرار لأن كل واحد منهما متصل بفعل غير الآخر وهو الإنعام والغضب وكل واحد منهما يقتضيه اللفظ وما كان هذا سبيله فليس بتكرار ولا من المتشابه
سورة البقرة
5 -
قوله تعالى {الم} هذه الآية تتكرر في أوائل ست سور فهي من المتشابه لفظا وذهب جماعة من المفسرين إلى أن قوله {وأخر متشابهات} هي هذه الحروف الواقعة في أوائل السور فهي أيضا من المتشابه لفظا ومعنى والموجب لذكره أول البقرة من
Bogga 66
القسم وغيره هو بعينه الموجب لذكره في أوائل سائر السور المبدوءة به وزاد في الأعراف صادا لما جاء بعده {فلا يكن في صدرك حرج منه} ولهذا قال بعض المفسرين معنى
{المص} ألم نشرح لك صدرك وقيل معناه المصور وزاد في الرعد راء لقوله بعده {الله الذي رفع السماوات}
6 -
قوله {سواء عليهم} وفي يس {وسواء} بزيادة واو لأن ما في البقرة جملة هي خبر عن اسم إن وما في يس جملة عطفت بالواو على جملة
7 -
قوله {آمنا بالله وباليوم الآخر} ليس في القرآن غيره تكرار العامل مع حرف العطف لا يكون إلا للتأكيد وهذه حكاية كلام المنافقين وهم أكدوا كلامهم نفيا للريبة وإبعادا للتهمة فكانوا في ذلك كما قيل يكاد المريب يقول خذوني فنفى الله الإيمان عنهم بأوكد الألفاظ فقال {وما هم بمؤمنين} ويكثر ذلك مع النفي وقد جاء في القرآن في موضعين في النساء {ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} وفي التوبة {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}
8 -
قوله {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} ليس في القرآن غيره ليس لأن العبادة في الآية التوحيد
Bogga 67
والتوحيد أول ما يلزم العبد من المعارف فكان هذا أول خطاب خاطب الله به الناس في القرآن فخاطبهم بما ألزمهم أولا ثم ذكر سائر المعارف وبنى عليها العبادات فيما بعدها من السور والآيات
فإن قيل سورة البقرة ليست من أول القرآن نزولا فلا يحسن فيها ما ذكرت
قلت أول القرآن سورة الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران على هذا الترتيب إلى سورة الناس وهكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ وهو على هذا الترتيب كان يعرضه عليه الصلاة والسلام على جبريل عليه السلام كل سنة
أي ما كان يجتمع عنده منه وعرضه عليه الصلاة والسلام في السنة التي توفى فيها مرتين وكان آخر الآيات نزولا {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين
وذهب جماعة من المفسرين إلى أن قوله في هود {فأتوا بعشر سور مثله} معناه مثل البقرة إلى هود وهي العاشرة ومعلوم أن سورة هود مكية وأن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة مدنيات نزلن بعدها
Bogga 68
وفسر بعضهم قوله {ورتل القرآن ترتيلا} : 4 أي اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم وتأخير وجاء النكير على من قرأه معكوسا
ولو حلف إنسان أن يقرأ القرآن على الترتيب لم يلزمه إلا على هذا الترتيب ولو نزل جملة كما اقترحوا عليه بقولهم {لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} : 32 لنزل على هذا الترتيب وإنما تفرقت سوره وآياته نزولا لحاجة الناس حالة بعد حالة ولأن فيه الناسخ والمنسوخ ولم يكونا ليجتمعا نزولا
وأبلغ الحكم في تفرقه ما قاله سبحانه {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} وهذا أصل تنبني عليه مسائل والله أعلم
9 -
قوله تعالى {فأتوا بسورة من مثله} بزيادة {من} في هذه السورة وفي غيرها {بسورة مثله} لأن {من} تدل على التبعيض ولما كانت هذه السورة سنام القرآن وأوله بعد الفاتحة حسن دخول {من} فيها ليعلم أن التحدي واقع على جميع سور القرآن من أوله إلى آخره وغيرها من السور لو دخلها من لكان التحدي واقعا على بعض السور دون بعض ولم يكن ذلك بالسهل والهاء في قوله {من مثله} تعود إلى {ما} وهو القرآن وذهب بعضهم إلى أنه يعود على محمد عليه السلام أي
Bogga 69
فأتوا بسورة من إنسان
مثله وقيل يعود إلى الأنداد وهو ضعيف لأن الأنداد جماعة والهاء للفرد وقيل مثله التوراة والهاء تعود إلى القرآن والمعنى فأتو بسورة من التوراة التي هي مثل القرآن ليعلموا وفاقهما {وهو} خطاب لليهود
10 -
قوله {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر} ذكر هذه الخلال في هذه السورة جملة ثم ذكرها في سائر السور مفصلا فقال في الأعراف {إلا إبليس لم يكن من الساجدين} وفي الحجر {إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين} وفي سبحان {إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا} وفي الكهف {إلا إبليس كان من الجن} وفي طه {إلا إبليس أبى} وفي ص {إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين}
11 -
قوله {اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا} بالواو وفي الأعراف {فكلا} بالفاء {اسكن} في الآيتين ليس بأمر بالسكون الذي هو ضد الحركة وإنما الذي في البقرة من السكون الذي معناه الإقامة وذلك يستدعي زمانا ممتدا فلم يصلح إلا بالواو لأن المعنى اجمع بين الإقامة فيها والأكل من ثمارها ولو كان الفاء مكان الواو لوجب تأخير
الأكل إلى الفراغ من الإقامة لأن الفاء للتعقيب والترتيب والذي في الأعراف من السكنى الذي معناها اتخاذ الموضع مسكنا لأن الله تعالى أخرج إبليس من الجنة بقوله {
Bogga 70
اخرج منها مذؤوما} وخاطب آدم فقال {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} أي اتخذاها لأنفسكما مسكنا {فكلا من حيث شئتما} فكانت الفاء أولى لأن اتخاذ المسكن لا يستدعي زمانا ممتدا ولا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه بل يقع الأكل عقيبه
وزاد في البقرة {رغدا} لما زاد في الخبر تعظيما بقوله {وقلنا} بخلاف سورة الأعراف فإن فيها (قال) والخطيب ذهب إلى أن ما في الأعراف
12 -
قوله {اهبطوا منها} كرر الأمر بالهبوط لأن الأول من الجنة والثاني من السماء
13 -
قوله {فمن تبع} وفي طه {فمن اتبع} تبع واتبع بمعنى وإنما اختار في طه {اتبع} موافقة لقوله تعالى {يتبعون الداعي}
14 -
قوله {ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل} قدم الشفاعة في هذه الآية وأخر العدل وقدم العدل في الآية الأخرى من هذه السورة وأخر الشفاعة وإنما قدم الشفاعة قطعا
Bogga 71
لطمع من زعم أن آباءهم تشفع لهم وأن الأصنام شفعاؤهم عند الله وأخرها في الآية الأخرى لأن التقدير في الآيتين معا لا يقبل منها شفاعة فتنفعها تلك الشفاعة لأن النفع بعد القبول وقدم العدل في الآية الأخرى ليكون لفظ القبول مقدما فيها
15 -
قوله {يذبحون} بغير واو هنا على البدل من {يسومونكم} وفي الأعراف {يقتلون} وفي إبراهيم {ويذبحون} بالواو لأن ما في هذه السورة والأعراف من كلام الله تعالى فلم يرد تعداد المحن عليهم والذي في إبراهيم من كلام موسى فعدد المحن عليهم وكان مأمورا بذلك في قوله {وذكرهم بأيام الله}
16 -
قوله {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} ههنا وفي الأعراف 160 وقال في آل عمران {ولكن أنفسهم يظلمون}
لأن ما في السورتين إخبار عن قوم ماتوا وانقرضوا وما في آل عمران مثل
17 -
قوله {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا} بالفاء وفي الأعراف 161 بالواو لأن الدخول سريع الانقضاء فيتبعه الأكل وفي الأعراف {وإذ قيل لهم اسكنوا}
Bogga 72
المعنى أقيموا فيها وذلك ممتد فذكر بالواو أي اجمعوا بين الأكل والسكون وزاد في البقرة {رغدا} لأنه سبحانه أسنده إلى ذاته بلفظ التعظيم وهو قوله {وإذ قلنا} خلاف ما في الأعراف فإن فيه {وإذ قيل}
وقدم {وادخلوا الباب سجدا} على قوله {وقولوا حطة} في هذه السورة وأخرها في الأعراف لأن السابق في هذه السورة {ادخلوا} فبين كيفية الدخول وفي هذه السورة {خطاياكم} بالإجماع وفي الأعراف
{خطيئاتكم} مختلف لأن خطايا صيغة الجمع الكثير ومغفرتها أليق في الآية بإسناد الفعل إلى نفسه سبحانه
وفي هذه السورة {وسنزيد} وفي الأعراف {سنزيد} بغير واو لأن اتصالها في هذه السورة أشد لاتفاق اللفظين واختلفا في الإعراب لأن اللائق {سنزيد} محذوف الواو ليكون استئنافا لكلام
Bogga 73
وفي هذه السورة {فبدل الذين ظلموا قولا} وفي الأعراف 62 {ظلموا منهم} لأن في الأعراف {ومن قوم موسى} ولقوله {منهم الصالحون ومنهم دون ذلك} وفي هذه السورة {فأنزلنا على الذين ظلموا} وفي الأعراف {فأرسلنا} لأن لفظ الرسول والرسالة كثرت في الأعراف فجاء ذلك وفقا لما قبله وليس كذلك في سورة البقرة
18 -
قوله {فانفجرت} وفي الأعراف {فانبجست} لأن الانفجار انصباب الماء بكثرة والانبجاس ظهور الماء وكان في هذه السورة {كلوا واشربوا} فذكر بلفظ بليغ وفي الأعراف {كلوا من طيبات ما رزقناكم} وليس فيه واشربوا فلم يبالغ فيه
19 -
قوله {ويقتلون النبيين بغير الحق} في هذه السورة وفي آل عمران {ويقتلون النبيين بغير حق} وفيها وفي النساء {وقتلهم الأنبياء بغير حق} لأن ما في البقرة إشارة إلى الحق الذي أذن الله أن تقتل النفس به وهو قوله {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} فكان الأولى أن يذكر
Bogga 74
معرفا لأنه من الله تعالى وما في آل عمران والنساء نكرة أي بغير حق في معتقدهم
ودينهم فكان هذا بالتنكير أولى وجمع النبيين جمع السلامة في البقرة لموافقة ما بعده من جمعى السلامة وهو {النبيين} {الصابئين} وكذلك في آل عمران {إن الذين} وناصرين ومعرضون بخلاف الأنبياء في السورتين
20 -
قوله {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين} وقال في الحج {والصابئين والنصارى} وقال في المائدة {والصابئون والنصارى} لأن النصارى مقدمون على الصابئين في الرتبة لأنهم أهل كتاب فقدمهم في البقرة والصابئون مقدمون على النصارى في الزمان لأنهم كانوا قبلهم فقدمهم في الحج وداعى في المائدة بين المعنين وقدمهم في اللفظ وأخرهم في التقدير لأن تقديره والصابئون في كذلك
قال الشاعر
فإن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب
Bogga 75
أراد إني لغريب وقيار كذلك فتأمل فيها وفي أمثالها يظهر لك إعجاز القرآن
21 -
قوله {أياما معدودة} وفي آل عمران {أياما معدودات} لأن الأصل في الجمع إذا كان واحده مذكرا أن يقتصر في الوصف على التأنيث نحو قوله {سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة} : 13 16 وقد يأتي سرر مرفوعات على تقدير ثلاث سرر مرفوعة وتسع سرر مرفوعات إلا أنه ليس بالأصل فجاء في البقرة على الأصل وفي آل عمران على الفرع وقوله {في أيام معدودات} أي في ساعات أيام معدودات وكذلك {في أيام معلومات}
22 -
قوله {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} {ولن يتمنوه} وفي الجمعة {ولا يتمنونه} لأن دعواهم في هذه السورة بالغة قاطعة وهي كون الجنة {لهم} بصفة الخلوص فبالغ في الرد عليهم بلن وهو أبلغ ألفاظ النفي ودعواهم في الجمعة قاصرة مترددة وهي زعمهم
أنهم أولياء الله فاقتصر على {لا}
23 -
قوله {بل أكثرهم لا يؤمنون} وفي غيرها {لا يعقلون} {لا يعلمون} لأنهم بين ناقض عهد وجاحد حق إلا القليل منهم عبد الله بن سلام وأصحابه ولم يأت هذان المعنيان معا في غير هذه السورة
Bogga 76
24 -
قوله {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم} وفيها أيضا {من بعد ما جاءك من العلم} فجعل مكان قول {الذي} {ما} وزاد في أوله {من} لأن العلم في الآية الأولى علم بالكمال وليس وراءه علم لأن معناه بعد الذي جاءك من العلم بالله وصفاته وبأن الهدى هدى الله ومعناه بأن دين الله الإسلام وأن القرآن كلام الله فكان لفظ {الذي} أليق به من لفظ {ما} لأنه في التعريف أبلغ وفي الوصف أقعد لأن {الذي} تعرفه صلته فلا يتنكر قط وتتقدمه أسماء الإشارة نحو قوله {أم من هذا الذي هو جند لكم} {أم من هذا الذي يرزقكم} فيكتنف {الذي} بيانان هما الإشارة قبلها والصلة بعدها ويلزمه الألف واللام ويثنى ويجمع وليس لما شيء من ذلك لأنه يتنكر مرة ويتعرف أخرى ولا يقع وصفا
لأسماء الإشارة ولا تدخله الألف واللام ولا يثنى ولا يجمع
وخص الثاني {بما} لأن المعنى من بعد ما جاءك من العلم بأن قبلة الله هي الكعبة وذلك قليل من كثير من العلم وزيدت معه {من} التي لابتداء الغاية لأن تقديره من الوقت الذي جاءك فيه العلم بالقبلة لأن القبلة الأولى نسخت بهذه الآية وليست الأولى مؤقتة بوقت
وقال في سورة الرعد {بعد ما جاءك} فعبر بلفظ {ما} ولم يزد {من} لأن العلم هنا هو الحكم العربي أي
Bogga 77
القرآن فكان بعضا من الأول ولم يزد فيه {من} لأنه غير مؤقت وقريب من معنى القبلة ما في آل عمران {من بعد ما جاءك من العلم} فهذا جاء بلفظ {ما} وزيدت فيه {من}
25 -
قوله {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} هذه الآية والتي قبلها متكررتان وإنما كررت لأن كل واحدة منهما صادفت معصية تقتضي تنبيها ووعظا لأن كل واحدة وقعت في غير
وقت الأخرى والمعصية الأول {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} والثانية {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}
26 -
قوله {رب اجعل هذا بلدا آمنا} وفي إبراهيم {هذا البلد آمنا} لأن {هذا} هنا إشارة إلى المذكور في قوله {بواد غير ذي زرع} قبل بناء الكعبة وفي إبراهيم إشارة إلى البلد بعد الكعبة فيكون {بلدا} في هذه السورة المفعول الثاني و {آمنا} صفته {وهذا البلد} في إبراهيم المفعول الأول و {آمنا} المفعول الثاني
Bogga 78
وقيل لأن النكرة إذا تكررت صارت معرفة وقيل تقديره في البقرة البلدا بلدا آمنا فحذف اكتفاء بالإشارة فتكون الآيتان سواء
27 -
قوله {وما أنزل إلينا} في هذه السورة وفي آل عمران {علينا} لأن {إلى} للانتهاء إلى الشيء من أي جهة كانت والكتب منتهية
إلى الأنبياء وإلى أممهم جميعا والخطاب في هذه السورة لهذه الأمة لقوله تعالى {قولوا} فلم يصح إلى {إلى} و {على} مختص بجانب الفوق وهو مختص بالأنبياء لأن الكتب منزلة عليهم لا شركة للأمة فيها وفي آل عمران {قل} وهو مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته فكان الذي يليق به {على} وزاد في هذه السورة {وما أوتي} وحذف من آل عمران لأن في آل عمران قد تقدم ذكر الأنبياء حيث قال {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة}
28 -
قوله {ومن حيث خرجت} هذه الآية مكررة ثلاث مرات قيل إن الأولى لنسخ القبلة والثانية للسبب وهو قوله {وإنه للحق من ربك} والثالثة للعلة وهو قوله {لئلا يكون للناس عليكم حجة} وقيل الأولى في مسجد المدينة والثانية خارج المسجد والثالثة خارج البلد
Bogga 79
وقيل في الآيات خروجان خروج إلى مكان ترى فيه القبلة وخروج إلى مكان لا ترى أي الحالتان فيه سواء
قلت إنما كرر لأن المراد بذلك الحال والمكان والزمان وقلت في الآية الأولى {ومن حيث خرجت} وليس فيها {وحيث ما كنتم} فجمع في الآية الثالثة بين قوله {حيث خرجت} {وحيث ما كنتم} ليعلم أن للنبي والمؤمنين في ذلك سواء
29 -
قوله {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} ليس في هذه {من بعد ذلك} وفي غيرها {من بعد ذلك} لأن قبله هنا {من بعد ما بيناه} فلو أعاد التبس
30 -
قوله {لآيات لقوم يعقلون} خص العقل بالذكر لأن به يتوصل إلى معرفة الآيات ومثله في الرعد 4 والنحل 12 والنور 61 والروم 24
31 -
قوله {ما ألفينا عليه آباءنا} في هذه السورة وفي المائدة 4 7 ولقمان 21 {ما وجدنا} لأن ألفيت يتعدى إلى مفعولين تقول ألفيت زيدا قائما وألفيت عمرا على كذا ووجدت يتعدى مرة إلى مفعول واحد تقول وجدت الضالة ومرة إلى مفعولين تقول وجدت زيدا جالسا فهو مشترك فكان الموضع الأول باللفظ الأخص
أولى لأن غيره إذا وقع موقعه في الثاني والثالث علم أنه بمعناه
Bogga 80
32 -
قوله {أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا} وفي المائدة {لا يعلمون} لأن العلم أبلغ درجة من العقل ولهذا جاز وصف الله به ولم يجز وصفه بالعقل فكانت دعواهم في المائدة أبلغ لقولهم {حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} فادعوا النهاية بلفظ {حسبنا} فنفى ذلك بالعلم وهو النهاية وقال في البقرة {بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} ولم تكن النهاية فنفى بما هو دون العلم لتكون كل دعوى منفية بما يلائمها والله أعلم
33 -
قوله {وما أهل به لغير الله} قدم {به} في هذه السورة وأخرها في المائدة 3 والأنعام 145 والنحل 115 لأن تقديم الباء الأصل فإنها تجري مجرى الهمزة والتشديد في التعدي فكانت كحرف من الفعل فكان الموضع الأول أولى بما هو الأصل ليعلم ما يقتضيه اللفظ ثم قدم فيما سواها ما هو المستنكر وهو الذبح لغير
الله وتقديم ما هو الغرض أولى ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل والحال على ذي الحال والظرف على العامل فيه إذا كان ذلك أكثر للغرض في الإخبار
34 -
قوله في هذه السورة {فلا إثم عليه} وفي السور الثلاث بحذفها لأنه لما قال في الموضع الأول {فلا إثم عليه} صريحا كان نفي الإثم في غيره تضمينا لأن قوله {
Bogga 81
غفور رحيم} يدل على أنه لا إثم عليه
35 -
قوله {إن الله غفور رحيم} في هذه السورة خلاف سورة الأنعام فإن فيها {فإن ربك غفور رحيم} لأن لفظ الرب تكرر في الأنعام مرات ولأن في الأنعام قوله {وهو الذي أنشأ جنات معروشات} الآية وفيها ذكر الحبوب والثمار وأتبعها بذكر الحيوان من الضأن والمعز والإبل وبها تربية الأجسام فكان ذكر الرب فيها أليق
36 -
قوله {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} الآية في السورة على هذا النسق وفي آل عمران {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} لأن المنكر في هذه السورة أكثر فالمتوعد فيها أكثر وإن شئت قلت زاد في آل عمران {ولا ينظر إليهم}
Bogga 82