ثم ظهر لى أن سورة النساء فصل فيها ذكر البنين أيضا؛ لأنه لما أخبر بحب الناس لهم، وكان من ذلك: إيثارهم على البنات في الميراث، وتخصيصهم به دونهن، تولى قسمة المواريث بنفسه، فقال: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} "11"، وقال: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب} "7". فرد على ما كانوا يصنعون من تخصيص البنين بالميراث؛ لحبهم إياهم1، فكان ذلك تفصيلا لما يحل ويحرم من إيثار البنين، اللازم عن الحب، وفي ضمن ذلك تفصيل لما يحل للذكر أخذه من الذهب والفضة وما يحرم.
ومن الوجوه المناسبة لتقدم آل عمران على النساء: اشتراكها مع البقرة في الافتتاح بإنزال الكتاب، وفي الافتتاح ب {الم} وسائر السور المفتتحة بالحروف المقطعة كلها مقترنة؛ كيونس وتواليها، ومريم وطه، والطواسين، و {الم} العنكبوت وتواليها، والحواميم، وفي ذلك أول دليل على اعتبار المناسبة في الترتيب بأوائل السور.
ولم يفرق بين السورتين من ذلك بما ليس مبدوءا به سوى بين الأعراف ويونس اجتهادا لا توقيفا [كما سيأتي] 2، والفصل بالزمر بين {حم} غافر و {ص} وسيأتي.
ومن الوجوه في ذلك أيضا: اشتراكهما في التسمية بالزهراوين في حديث: "اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران" 3، فكان افتتاح القرآن بهما نظير اختتامه بسورتي الفلق والناس، المشتركتين في التسمية بالمعوذتين.
Bogga 74