تعرض الفترات الإنسانية، فينقطع طيب الكلام ورونقه، فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه؛ بل توجد في تفاريق وأجزاء منه.
وأي عظمة تعدل عظمة العجز عن معارضة نظم القرآن وأسلوبه على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ حتى أصبح الكلام في هذا الموضوع في عصرنا ضربا من صرف الناس عن عظمة التشريعات القرآنية، ولعبة لئيمة يمارسها الأعداء من جبابرة اللؤم والخداع.
وقد فطن المرحوم الأستاذ الدكتور محمد أحمد الغمراوي في الكتاب الأول من كتابه "الإسلام في عصر العلم" إلى دلالة نص من القرآن على عظمة القرآن وإعجازه الذي لن يزال ماضيا في الأمم من وجهة نظر العلم؛ ذلك النص هو قول الله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} 1، وقد لفت -رحمه الله- النظر إلى كلمات "الفطرة" و"الناس" و"لا تبديل لخلق الله"، فالفطرة هي السنن الإلهية الثابتة التي تقوم عليها الخلقة في أصلها، والناس لفظ شامل لمن عاش ومن سيعيش على ظهر الأرض من كل الشعوب والأمم، وعدم التبديل يدحض زيف العلماء التجريبيين الذين يحلو لهم مهاجمة الإسلام وغيره من الأديان بالتعارض مع العلم؛ وإنما التعارض وقع في تجاربهم لا في السنن الثابتة التي لما يصلوا إليها بعد، فظنوا القصور في أصل القوانين، بينما القصور ما زال في عقولهم وتجاربهم.
ويقول رحمه الله: "ومن أعجب عجائب تلك الآية الكريمة وصف الإسلام -دين القرآن- بأنه نفس الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهذا شيء فوق العقل البشري أن يتصوره فضلا عن أن يسبق إليه في القديم
Bogga 23