يقابلها على نفس الطريق عنف المقاومة لهذا السلطان من جانب الكفار، وجبروت التعذيب الذي تسلطوا به على المؤمنين في مطلع الدعوة، فما لبثوا أن فجروا جديدا من ينابيع الإيمان بما ابتكروا من وسائل التعذيب، ووحدوا شتات الدعاة الأوائل تحت راية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما نفثوا من سموم الحقد والعداء، فكان القرآن هو محور هذا الصراع الرهيب العجيب الذي دارت رحاه على رمال جزيرة العرب، والذي طاشت في نهايته أحلام المعارضين على وفرة المال والرجال والسلاح حينما ذلت رقابهم أمام قلة من الرجال، وقلة من المال، وإعواز في السلاح يحدوها طوفان غامر من اليقين، وإيمان راسخ بالقرآن، وانطباع كامل بأخلاقه، فتحطمت إلى الأبد شوكة الكفر، وشمخ إلى الأبد صرح القرآن.
وثانية الدلائل على عظمة القرآن: صموده أمام دعوات الهدم على مدى التاريخ الطويل، وتصديه لهجمات الإلحاد الضارية في ميدان الحرب وفي ميدان الفكر ، فلم تزده تلك الهجمات إلا انطلاقا إلى آفاق جديدة من الأرض، وانبلاجا لنوره على صدر الزمان، وأعماقا بعيدة لجذوره في القلوب، ولئن ذبلت في بعض أحقاب التاريخ همم أهل الحضارة القرآنية تحت تأثير الصدمات المتوالية واستجابة المؤمنين إلى أهواء النفوس، فما كان هذا الذبول إلا غفوة أعقبها استجماع للقوة، ورؤية مضيئة لحركة التاريخ كما حددها القرآن، فعاد الذبول نضارة، وكان من الضعف قوة، ومن آمال أهل الإلحاد تمزق وخيبة وانحلال، وكان من هذا التمزق دفع لمجتمع المؤمنين إلى ذروة التاريخ.
لقد عانت حضارة القرآن تسلط قريش، وجبروت الروم، وجدل الفرس، وسلاح الصليبية، ولؤم اليهودية العالمية، وأخيرا عانت بريق المذاهب السياسية والاقتصادية وأخصها الشيوعية اليهودية، وكان من أبناء الإسلام أعوان لهؤلاء المتآمرين حاولوا قهر الأعزة على أوهام الشيوعية، فأعزوا في سبيل ذلك أهل الأهواء؛ ولكن أولئك جميعا ذلوا
Bogga 15