والمستمع الصاد لغلبة صدقه ، وظهور أحكام القلب فيه يخفى عليه ذلك الوقت أثر الكدر ولا يشعر به سيما مع سكر الروح به ، وغيبتها عن سوى مطلوبه ، فلما أفاق من سكره ، وفارق لذة السماع وطيبه ، وجد اللوث والكدر الذي هو حظ النفس ، والشيطان ، وأثر جثوم الشيطان على قلبه فأثر فيه ذلك الأثر قبضا ، ووحشة ، وأحس به بعدا وكلما كان أصدق وأتم طلبا كان وجوده لهذا أتم وأظهر فإن استعداده هو بحياة قلبه يوجب له الاحساس بهذا ، ولا يدري من أين أتى ، وهذا له في الشاهد نظائر وأشباه منها :
إن الرجل إذا اشتغل قلبه اشتغالا تاما بمشاهدة محبوب أو رؤية مخوف ، أو لذة ملكت عليه حسه وقلبه ، إذا أصابه في تلك الحالة ضرب ، أو لسع أو سبب مؤلم ، فأنه لا يكاد يشعر به ، فإذا فارقته تلك الحالة وجد منه ألم حتى كأنه أصابه تلك الساعة ، فإنه كان في مانع يمنعه من الإحساس بالألم فلما زال المانع أحس بالألم.
أهل الصدق إذا دخلوا في السماع الباطل
ولهذا كان بعض الصادقين إذا فارق السماع بادر إلى تجديد التوبة والاستغفار ، وأخذ في أسباب التداوي التي يدفع بها موجب أسباب القبض والوحشة والبعد.
وهذا القدر إنما يعرفه أولوا الفقه في الطريق أصحاب الفطن ، المعتنون بتكميل نفوسهم ، ومعرفة أدوائها وأدويتها والله المستعان.
ولا ريب أن الصادق في سماع الأبيات قد يجد ذوقا صحيحا إيمانيا ، ولكن ذلك بمنزلة من شرب عسلا في إناء نجس.
والنفوس الصادقة ذوات الهمم العالية رفعت أنفسها عن الشراب في ذلك الإناء تقذرا له ، ففرت منه لاستقامتها وطهارتها ، وعلو همتها فهي لا تشرب ذلك الشراب إلا في إناء يناسبه ، فإذا لم يجد إناء يناسبه صانت الشراب عن وضعه في ذلك الإناء ، وانتظرت أن يليق به.
Bogga 38