Sirta Qasriyada
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Noocyada
هانم أفندي المحترمة
أنا الآن بمعية السلطانة مهرى تعاملني كصديقة لا كجارية، وقد سافر حسن بك إلى كريت متغيبا بمهمة إلى مدة، وقد وعدتني جلالتها بالاقتران من ابنك المحبوب بعد برهة يسيرة، ريثما تتغلب على جميع الموانع؛ إذ لا يزال يظهر عوائق كما لا يخفاك، وقد أرتني جلالتها أن أدعوك للمجيء إلى جراغان لمشاهدتك وتقبيل يدك.
عائشة
ولنترك الآن صلاح الدين يبني قصور آماله، ولنعد إلى حديث جرى بين خصيين: الأول: خاص بالسلطان عبد العزيز، والثاني: بالسلطانة علية، وكانا يتنزهان صباح يوم في ظل أشجار البستان، فقال الخصي علي سائلا زميله: وهكذا قد حجزت كتاب السلطانة مهرى إلى شقيقتها، وتظن أنك قد أحسنت سياسة. - لا شك عندي بذلك؛ إذ لو كان يجب إطاعة هوى كل جارية تصير سلطانة أو غيرتها لتعذرت علينا المعيشة في هذا المكان. - أما سمو السلطانة علية فقد سرت كثيرا من هدية جلالة السلطانة مهرى، وأدركت السبب، وهو أن تتنازل لها عن جاريتها عائشة. - نعم، ولكن يدهشني في هذه المسألة طلب السلطانة مهرى أخذ عائشة إلى جراغان مع معرفتها بإعجاب السلطان بها. - إذا كنت كتوما للأسرار بحت لك بأمر هام، وهو أنه يجب عليك مراقبة السلطانة مهرى، فقد سمعتها تتحدث همسا مع مولاتي السلطانة علية، وكنت مختفيا وراء ستار الباب، فسمعت مهرى تقول: وهل أنت واثقة من أن هذا السم يشوه الوجه بدون أن يفتك بالحياة؟ فأجابتها: أنا واثقة من الأول، ولكن لا أكفل الحياة، فقالت لها حينئذ السلطانة مهرى: لا بأس هذا يكفيني، وإذا بعائشة دخلت فانقطع الحديث. فقال الخصي: أشكرك جدا لهذا الخبر، ولكني لا أصدق أن السلطانة مهرى تريد الموت لصديقتها. - ولكن قد أصبحت الآن خصيمتها. - أنت تسيء الظن كثيرا بالنساء. - لأني قضيت حياتي معهن. - عيشة رغيدة. - وقد رأيت أعمالهن وحيلهن بعيني. - ولكن يتراءى لي أنك كنت تكره عائشة قديما، والآن تريد مني حمايتها من غدر السلطانة. - أنا لست بكاره ولا بمحب لها، بل ككلب الصياد عليه متابعة طريدته، فلما كانت مولاتي مطاردة لها أفرغت جهدي حتى وجدتها. - أصبت، هكذا يجب أن يكون الخادم الأمين، وافترق الخصيان عند هذا الكلام. •••
وجاءت نعمت هانم إلى جراغان، فقابلتها عائشة مترحبة، ولكن وجهها كان قد تورم، فشوه جمالها، فضمتها نعمت هانم إلى صدرها وعانقتها طويلا، ثم جاءت السلطانة مهرى متلطفة، وقالت لها: يجب أن تستعدي لعرس صلاح الدين، فقد زالت كل الموانع ...
ولكن لم يمض الأسبوع الأول حتى عيل صبر صلاح الدين، وأخذ يلح على والدته بالزواج والعود إلى السراي لاستصحاب حبيبته. فسارت ووجدتها لسوء حظها بأسوأ حال لما تقاسي من ألم عينيها، وقد تنفخت وملئ وجهها ورما، وكانت عائشة حزينة حتى الموت من جراء ما أصاب وجهها من التشويه، ولم ترغب في مشاهدة حبيبها على تلك الحالة، ولكن طمأنتها نعمت هانم كثيرا، وأقنعتها بأن تلك بثور الصبا فلا تلبث حتى تزول تماما. فقالت عائشة: ولكن لا أريد أن يشاهدني صلاح الدين على هذه الحالة خشية أن يصيبه ما أصاب السلطان. فقالت نعمت هانم: وما أصابه؟ قالت: تنازل جلالته فدعاني لخدمته ذات يوم، فلما شاهدني أدار وجهه عني اشمئزازا، ولا تسألي عما أصابني من الغم والخجل؛ وضحكت السلطانة مهرى من ذلك، ولكن لو كان صلاح الدين عوضا عن السلطان لمت في الحال حزنا وغما. فأخذت نعمت هانم تطيب خاطرها، وتخفف عنها استياءها ، وقالت: إننا ننتظر إبلالك وشفاءك حتى يعود جمالك، وهو عائد قريبا إن شاء الله.
ومنذ أظهر السلطان اشمئزازه من عائشة أخذت مهرى تضاعف اعتناءها بها، وسعت بتعيين صلاح الدين متصرفا، فسمي على سالونيك وأعطى ألف جنيه مهرا لامرأته.
ولم ينتشر هذا الخبر بين أصحاب صلاح الدين ومعارفه حتى جاءوا يهنئونه من كل صوب على تلك الحظوة؛ لأن التزوج من إحدى سراري السراي يعد التفاتا عاليا كما لا يخفى، ولكن المرض كان يزداد على عائشة، وهي تزداد رفضا للزواج. أما صلاح الدين فقد ذابت الروح منه اشتياقا، ونفدت جعبة صبره من الانتظار، وظن أن تمنع عائشة هو غنج ودلال على حد قول الشاعر: «عرف الحبيب مقامه فتدللا.» فأنفذ والدته تطلب عائشة لاصطحابها معها إلى حرمها تتمرض فيها ريثما تنال الشفاء التام، فسارت إلى السراي، وتمكنت من إقناع عائشة بأن مناخ مدينة سالونيك يعجل شفاءها، فرضيت وقد اشترطت ألا يشاهدها صلاح الدين إلا بعد شفائها.
وأذنت السلطانة مهرى بذلك فشكرتها عائشة كثيرا، ودعت لها طويلا قائلة: جازاك الله عني جزاء عملك معي ... وأفضالك علي ... فارتعشت مهرى من هذا الدعاء ... وخافت سوء العاقبة وإجابة الطلب.
وسر صلاح الدين من وجود حبيبته تحت سقف بيته، وإنما ساءه تحجبها الشديد عنه طول مدة إقامتها، فدخل ذات يوم على والدته غاضبا، وألقى طربوشه على الديوان، وقال: أأنت مؤكدة يا أماه من أن عائشة تحبني بعد الآن؟ - ما هذا السؤال يا صلاح الدين، وهل أنت في ريبة من ذلك؟ - نعم فقد بدأت أشك بحبها؛ إذ ما معنى ذلك التأجيل، فإن العرس كان منتهى آمالها، وقد حالت دونه الموانع الكثيرة، فماذا تريد من هذا الانتظار الآن سوى رجوع حسن بك حتى نعود إلى ما كنا عليه، ناهيك عن أني لا يسعني بعد احتمال هذه المعيشة، أأراها تحت سقف بيتي، وأسمع كل يوم صوتها، ولا أقدر أن أمتع نظري بمحياها؟ لقد عيل صبري! فبلغيها أنه لا يبعد إذا كلمتني مرة من وراء الباب كعادتها أن أحطمه، وأدخل عليها ناسيا حقوق الضيافة وقداسة الشرائع والعوائد. - ولكن قد تغيرت المسكينة كثيرا. - وماذا يهمني؟ ذلك نفاط يزول قريبا كما أكد لي جميع الأطباء، وهل يجوز تأجيل هذا العرس من أجل غنج فتاة معجبة بجمالها؟ فإني أحبها وتحبني، وكفى تأجيل، فأكدي لها ذلك، وأقنعيها أن هذا الامتناع من قلبها يخفف حبي لها، وأني لست بغر لأعلق كبير أهمية على مثل تلك المسائل التافهة.
Bog aan la aqoon