قالت: «اعتاد آرثر زيارة المكتبة والمكوث فيها. في البداية، استفزني جدا؛ كنت أتطلع إلى مؤخرة عنقه، وأتساءل ماذا لو تلقى ضربة ها هنا! لن تجد منطقا في كلامي مطلقا، لن تراه منطقيا. واتضح لي أن لدي رغبة مختلفة تماما، أردت أن أتزوجه وأن أحيا حياة عادية.»
كررت عبارة «حياة عادية»، وبدا أن ثمة دوارا خفيفا يتمكن منها، غفران كامل للحماقة، يثير بشرة يدها التي يغطيها النمش، وأصابعها الجافة السميكة التي لا تبعد كثيرا عن أصابعه على المقعد الفاصل بينهما. فوران غرامي للخلايا، ولنوايا قديمة. «أوه، لا يموت أبدا.»
جاء جمع من الناس يرتدون ثيابا غريبة عبر الساحة المغطاة بالحصب، وكانوا يتحركون معا ككتلة واحدة متشحة بالسواد. ولم تظهر النساء شعرهن، كن يرتدين أوشحة سوداء أو قلنسوات تغطي رءوسهن، أما الرجال فكانوا يعتمرون قبعات عريضة وحمالات بناطيل سوداء، والأطفال كانوا يحاكون الكبار في ملبسهم، بل حتى في قلنسواتهم وقبعاتهم. كم بدوا مثيرين جميعا في حلاتهم هذه، كم بدوا مثيرين ومغبرين ومنهكين وخجولين!
قال بشيء من السخرية وبنبرة مستكينة وحنونة: «شهداء تولبادل. حسن، أعتقد أنه من الأفضل أن أذهب إليهم، وأتبادل أطراف الحديث معهم.»
هذه النبرة التي تنطوي على شيء من السخرية، وهذا الحنان المتململ، جعلاها تفكر في شخص آخر. من هو؟ عندما رأت منكبيه العريضين من ظهره، ومؤخرته العريضة المستوية، عرفته على الفور.
إنه جيم فراري.
أوه، أي خدعة كانت تتعرض لها؟ أو أي حيلة كانت تمارسها على نفسها؟! لم يكن ليتحقق لها مرادها. استجمعت قواها، وتراءى لها أن كل هذه الثياب السوداء تذوب متحولة إلى بركة صغيرة. كانت تشعر بالدوار والخزي، لن يتحقق لها مرادها.
لكن السواد لم يكن طاغيا على المشهد، هكذا أدركت وهم يدنون منها. استطاعت أن تميز اللون الأزرق الداكن ممثلا في قمصان الرجال، والأزرق الداكن والأرجواني في ثياب بعض النسوة. استطاعت أن تميز الوجوه؛ رجال يستترون وراء لحاهم، ونساء يعتمرن قلنسوات تغطي نصف رءوسهن. الآن عرفتهم، إنهم من طائفة المينونايت.
تعيش هذه الطائفة في هذا الجزء من البلدة على غير عادتهم مطلقا. كان بعضهم يعيش حول قرية بوندي شمالي كارستيرز. سيعودون أدراجهم في الحافلة نفسها التي ستعود هي فيها.
أما هو فلم يكن معهم، بل لم يكن على مرأى منهم.
Bog aan la aqoon