101

Asraar Macluumaad

أسرار معلنة

Noocyada

هكذا تعتقد. إنه مضطرب وتعيس، ويحاول قدر إمكانه التعرف على شخص آخر. لقد فكرض في الأواصر العائلية هنا في هذا البلد الذي يشهد ازدهارا مستمرا، وفي خضم حياة المرح والانطلاق الماجنة، والأيام الشديدة القيظ والليالي التي تمسي خانقة على حين غرة.

عزيزي السيد ثورنابي

هل كنت تتوقع لمجرد أن لنا اسم العائلة نفسه أن أفتح باب بيتي على مصراعيه وأستقبلك عندي؛ كما تقولون في أمريكا، على حد علمي، وفي كندا أيضا؟ لعلك تبحث عن أم أخرى لك هنا، لكن هذا لا يفرض علي أن أكون هي. بالمناسبة، أنت مخطئ تماما بشأن عمري؛ فأنا أصغر منك بعدة سنوات، فلا تتخيلني عجوزا عانسا تعتمر شبكة فوق رأسها، وترتدي جوارب رمادية قطنية في قدميها. إن درايتي بالعالم لا تقل عن درايتك به، على الأرجح؛ فأنا كثيرا ما أسافر؛ لأنني أشتري أحدث الصيحات لمحل ضخم؛ ولذا فإن أفكاري ليست عتيقة كما قد يتراءى لك.

لم تذكر ما إذا كانت زوجتك الشابة المفعمة بالنشاط ستكون جزءا من هذه الصداقة العائلية. يدهشني أنك في حاجة إلى التعرف على أشخاص جدد. يبدو لي أنني أقرأ أو أسمع دوما في وسائل الإعلام عن تلك العلاقات التي تنشأ بين طرفين بينهما فجوة عمرية، وكم هي ممتعة تلك العلاقات، وكيف يرضى الرجال في سعادة بحياة الاستقرار في أسرة والقيام بدورهم كآباء (فضلا عن «التجارب» التي تعيشها النساء الأقرب إليهم سنا، أو كيف أن هؤلاء النساء يركن إلى حياة الوحدة التي يعشنها)؛ لذا فلعلك تريد أن تصبح أبا كي تعيش «الإحساس الأسري».

ذهلت جيل من براعتها في الكتابة؛ فجيل كانت تجد دوما صعوبة في كتابة الخطابات، وتمخضت محاولاتها عن رسائل مملة لا ملامح لها يتخللها الكثير من الخطوط الفاصلة والعبارات غير المكتملة، ومزاعم الوقت غير الكافي. من أين أتت بهذا الأسلوب الرائع؟ ربما اكتسبته من أحد كتبها! شأنه شأن الهراء المتعلق بشعار النبالة. تخرج في جنح الظلام لترسل خطابها شاعرة بالجرأة والرضا، لكنها تستيقظ في صباح اليوم التالي مبكرا، ويباغتها شعور بأنها شطحت أكثر من اللازم. لن يرد على هذا الخطاب أبدا، ولن تسمع أخباره مجددا.

تنهض وتغادر البناية وتخرج في نزهة صباحية. ما زالت المحلات مغلقة، وما برحت الستائر الفينيسية مسدلة على منافذ مكتبة الغرفة الأمامية. تمشي إلى أن تصل إلى النهر حيث يوجد متنزه صغير إلى جوار الفندق. لم تكن تستطيع المشي أو الجلوس هناك في وقت لاحق من النهار؛ لأن شرفات الفندق عادة ما تحتشد بالسكيرين الصاخبين، وكان المتنزه في مجال أصواتهم أو حتى في نطاق إلقاء زجاجات خمرهم؛ أما الآن، فالشرفات خاوية والأبواب موصدة. ها هي تمشي مستظلة بظل الأشجار. تمتد مياه النهر البنية اللون على مهل بين جذوع أشجار المانجروف، والطيور تحلق فوق المياه، والإنارة تضيء سطح الفندق. إنها ليست طيور النورس، كما حسبت لأول وهلة؛ فهي أصغر حجما، وأجنحتها وصدورها البيضاء اللامعة مخضبة بمسحة من اللون الوردي.

ثمة رجلان جالسان في المتنزه؛ أحدهما على المقعد، والآخر على كرسي متحرك إلى جوار المقعد. إنها تعرفهما؛ فهما يعيشان في البناية نفسها التي تقطنها، ويخرجان للتنزه كل يوم. ذات مرة، فتحت لهما البوابة الحديدية ليتمكنا من المرور، وصادفتهما في المحلات، ورأتهما جالسين إلى الطاولة من نافذة المقهى.

يبدو القعيد عجوزا وسقيما جدا؛ فتجاعيد وجهه أشبه بطلاء قديم مهترئ، يرتدي نظارة قاتمة، وشعرا مستعارا أسود متفحما، ويعتمر قلنسوة سوداء، يلف جسمه كله في بطانية، وحتى في وقت لاحق من النهار عندما تزداد حرارة الشمس - كلما صادفتهما - كانت تراه متشحا ببطانيته المنقوشة. أما الرجل الذي يدفع الكرسي المتحرك والجالس الآن على المقعد، فهو شاب يافع بالقدر الذي يجعله يبدو كصبي شب عن الطوق مبكرا؛ فهو طويل القامة ضخم الأطراف، لكنه يفتقر إلى الطابع الرجولي. هو شاب عملاق مرتبك بفعل حجمه، قوي البنية لكنه ليس رياضيا، يعاني من تيبس - ربما ناجم عن خجله - في ذراعيه ورجليه السميكتين وعنقه الثخين، ويكتسي بالشعر الأحمر، لا على رأسه فحسب، بل على ذراعيه العاريتين وأعلى أزرار قميصه أيضا.

تتوقف جيل بعد أن تتجاوزهما وتلقي عليهما تحية الصباح. يرد عليها الشاب التحية بنبرة تكاد لا تسمع. يبدو أن من عادته أن يتطلع إلى العالم بنوع مهيب من اللامبالاة، لكنها تعتقد أن تحيتها جعلته يشعر بالإحراج أو الرهبة للحظة. ومع ذلك، فقد تابعت حديثها قائلة: «ما هذه الطيور التي أراها في كل مكان؟»

أجابها الشاب: «طيور الجالا.» وهو ما جعل اسم الطيور أشبه باسمها في فترة الطفولة. كانت على وشك أن تطلب منه أن يعيد على مسامعها اسم الطيور، وإذ فجأة تثور ثائرة العجوز وينطلق لسانه بالسباب. بدت كلماته معقدة وعصية على الفهم بسبب اللكنة الأسترالية، إضافة إلى مسحة من اللكنة الأوروبية، لكن القسوة المتعمدة في كلماته لم يكن فيها أدنى شك. وهذه الكلمات موجهة إليها - فهو يميل إلى الأمام محاولا، في حقيقة الأمر، أن يتحرر من القيود التي تثبته بالكرسي المتحرك. يريد أن ينقض عليها ويندفع نحوها ويطاردها إلى أن تختفي من أمامه. لم يعتذر الشاب مطلقا، ولم يلتفت إلى جيل قط، لكنه مال نحو العجوز ودفعه برفق إلى الوراء مرددا كلمات لم تستطع جيل أن تسمعها. رأت أنها لن تحصل على تفسير لما حدث، فمشت مبتعدة عنهما.

Bog aan la aqoon