Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
Daabacaha
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Goobta Daabacaadda
https
Noocyada
بعده الآتية، وحكم الجنب حكم الحائض فيما ذكرنا، وإذا وجد التطابق بأدنى شيء يكتفى به، والتطويل فيه يؤول إلى تعسف) انتهى كلامه رحمة الله عليه.
(ولم ير) أي: يعتقد (ابن عباس) ﵄ (بالقراءة للجنب)؛ أي: بقراءته القرآن (بأسًا)؛ أي: حرجًا، وهذا الأثر وصله ابن المُنْذِر بلفظ: (أن ابن عباس كان يقرأ ورده من القرآن وهو جنب، فقيل له في ذلك، فقال: ما في جوفي أكثر منه)، وقال ابن أبي شيبة: حدثنا الثقفي، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: (أنه كان لا يرى بأسًا أن يقرأ الجنب الآية والآيتين)، ورخص الحافظ الطحاوي: قراءة ما دون الآية للجنب، والحائض، والنفساء، وصححه صاحب «الخلاصة»، ومشى عليه فخر الإسلام، ووجهه ما ذكره صاحب «المحيط»: أنَّ النظم والمعنى يقتصر فيما دون الآية، ويجري مثله في محاورات الناس وكلامهم، فتمكَّنت فيه شبهة عدم القرآن، فلهذا لا تجوز الصَّلاة به، والصحيح المنع مطلقًا؛ لأنَّ الأحاديث لم تفصِّل بين القليل والكثير كما سيأتي، وكان أحمد يرخِّص للجنب أن يقرأ الآية ونحوها، وبه قال مالك، وقد حكي عنه أنَّه قال: (تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب؛ لأنَّ الحائض إذا لم تقرأ؛ نسيت القرآن؛ لأنَّ أيام الحيض تتطاول، ومدة الجنابة لا تطول)، قال في «شرح المنية»: (قيل: يكره قراءة ما دون الآية على وجه الدعاء والثناء، وقيل: لا يكره، وهو الصحيح، قاله في «الخلاصة») انتهى.
قلت: فما ذكر عن ابن عباس هنا مبنيٌّ على أنه قصد الدعاء والثناء، ويدل عليه ما رواه ابن المُنْذِر عنه: أنَّه كان يقرأ ورده من القرآن وهو جنب، ولا يخفى أن الورد يقال بقصد الدعاء والثناء، ولهذا قال الفقيه أبو الليث في «العيون»: [إذا] قرأ الفاتحة على وجه الدعاء أو شيئًا من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم يرد القراءة؛ لا بأس به، وهو المختار كما في «غاية البيان»، واختاره شمس الأئمَّة الحلواني، والجمهور من أئمة الحنفية والشافعية وغيرهم أنَّه لا يجوز لحائض ونفساء وجنب قراءة القرآن؛ لقوله ﵇: «لا تقرأ الحائض والجنب شيئًا من القرآن»، رواه الترمذي، وابن ماجه عن ابن عمر، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح)، وشمل إطلاقه الآية وما دونها، وهو قول الإمام الكرخي، وصححه صاحب «الهداية»، والإمام قاضيخان، وحافظ الدين النسفي، وغيرهم، فالحديث حجَّة على إبراهيم النخعي، وعلى مالك، وأحمد، وغيرهم؛ لأنَّ (شيئًا) في الحديث نكرة في سياق النفي، وهي تفيد العموم، وما دون الآية قرآن، فيمتنع كالآية، وفيه نصٌّ على أن الحائض كالجنب في الأحكام المذكورة، فهو حجَّة على مالك في قوله: (إنها تقرأ القرآن)، وتعليله بأنها تنسى القرآن؛ لطول مدة الحيض؛ ممنوع؛ لأنَّ مدته لا تحتمل نسيانه؛ لأنَّها مهما تطاولت؛ لا تزيد على خمسة عشر يومًا على الخلاف وهي غير طويلة، ولا تحتمل نسيانه فيها على أنه قد يمكنها أن تقرأ في قلبها من غير تلفُّظ به؛ فافهم.
قال في «البحر»: وإنما يحرم إذا قصدأنَّه قرآن، أمَّا إذا قرأ على قصد الدعاء أو الثناء؛ فإنَّه لا يحرم، هذا إذا كان مشتملًا على الذكر، أما لو كان مشتملًا على حكم أو خبر؛ فلا يجوز ولو قصد الذكر فيه، كذا في «الخلاصة» و«الشرنبلالية»، وذلك كسورة (أبي لهب) ونحوها؛ فإنه لا يؤثر قصد غير القرآنية في حله؛ فليحفظ، وتمامه في «منهل الطلاب».
(وكان النبي) الأعظم ﷺ: مما وصله مسلم في «صحيحه» من حديث عائشة ﵂ (يذكر اسم الله) أي: بالقرآن وغيره (على كل جنابة): ويروى: (على كل أحواله)، ويروى: (على كل أحيانه)، و(على كل) فيدخل فيه حال الجنابة، قال صاحب «عمدة القاري»: (وأراد البخاري بإيراد هذا وبما ذكره في هذا الباب الاستدلال على قراءة الجنب والحائض؛ لأنَّ الذِّكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وبه قال الطبري، وداود، وابن المُنْذِر) انتهى.
قلت: وظاهر هذا الحديث بل صريحه يدل على أن المراد بقوله: (يذكر اسم الله): الأذكار الغير القرآنية؛ كالبسملة، والحمدلة، والحوقلة، والحسبلة، وغيرها من الثناء على الله ﷿، ومثلها الدعوات الواردة، ويدل عليه أنَّه لم يقيده بكونه من القرآن، فلو كان المراد به الأعم؛ لقيده، وعدم تقييده دليل على أنَّ المراد به الأذكار الغير القرآنية على أنَّ المراد بالذكر لغة وشرعًا الأذكار، وإن كان القرآن يسمَّى ذكرًا، وقد صرَّح في الحديث بلفظ (اسم الله)، وهو يدل على ما قلنا، وبهذا لا دلالة فيه للمؤلف؛ فافهم.
قال في «منهل الطلاب»: (وأما الأذكار؛ فالمنقول إباحتها لجنب وحائض مطلقًا، ويدخل فيها: «اللهم اهدنا فيما هديت...» إلى آخره)، كذا في «البحر»، قال في «النهر»: (بلا خلاف).
واختلف في دعاء القنوت، وهو: «اللهم إنا نستعينك...» إلى آخره الذي هو دعاء القنوت عند الأئمَّة الحنفية؛ فظاهر المذهب عن الإمام الأعظم: أنَّه لا يكره لهم، وعليه الفتوى كما في «الفتاوى الظهيرية» وغيرها، وروي عن الإمام محمَّد: أنه يكره؛ لشبهة كونه قرآنًا؛ لاختلاف الصحابة في كونه قرآنًا، فلا يقرؤه احتياطًا، قلنا: قد حصل الإجماع القطعي اليقين على أنَّه ليس بقرآن، ومعه لا شبهة توجب الاحتياط المذكور، نعم؛ المذكور في «الهداية» وغيرها: استحباب الوضوء لذكر الله تعالى، وترك المستحب لا يوجب كراهة، كما في «البحر»، وقال في «النهر»: (واختلف في دعاء القنوت، والفتوى على عدم كراهته؛ أي: تحريمًا، وإلا؛ فالوضوء لذكر الله مطلقًا مندوب، وتركه خلاف الأولى، وهو مرجع كراهة التنزيه، فما في «البحر» من أن ترك المندوب لا يوجب كراهة مطلقًا؛ ممنوع) انتهى، فافهم.
(وقالت أم عطية): مما وصله المؤلف في أبواب (العيدين) في أبواب (التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة عنها)، ولفظه: قالت: (كنا نؤمر)؛ أي: من قبل النبي الأعظم ﷺ (أن نُخرِج)؛ بنونٍ مضمومة، وكسر الراء، يوم العيد حتى تخرج البكر في خدرها، وحتى تخرج (الحِيَضَ)؛ بالنصب على المفعولية مع كسر الحاء المهملة، وفتح التحتية، وهذه رواية الأصيلي، وأبي ذر، وابن عساكر، وفي رواية: (أن يَخرج)؛ بمثناة تحتية مفتوحة، و(الحِيَضُ): مرفوع على الفاعلية، فيكنَّ خلف الناس، (فيكبِّرن بتكبيرهم، ويدعون): بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته، ورواه أيضًا في باب (خروج النساء الحيض إلى المصلى)، ووجه الاستدلال به ما ذكرناه من أنه لا فرق بين الذكر والتلاوة؛ لأنَّ الذكر أعم، كذا قاله في «عمدة القاري»، وزعم ابن حجر أن (يدعون) لأكثر الرواة، وللكشميهني: (ويدعين)؛ بتحتية بدل الواو، فرده إمام الشارحين في «عمدة القاري»؛ حيث قال: (قلت: هذا الذي ذكره مخالف لقواعد التصريف؛ لأنَّ هذه الصيغة معتل اللام من ذوات الواو، ويستوي فيها جماعة الذكور والإناث في الخطاب والغيبة جميعًا، وفي التقدير مختلف، فوزن الجمع المذكر: يفعون، ووزن الجمع المؤنث: يفعلن، وسيأتي تمامه في محله) انتهى.
قلت: وظاهر هذا الحديث بل صريحه يدل على أن المباح للحائض والجنب الدعوات فقط الشاملة للذكر والتكبير، فلا دلالة فيه للمؤلف كما لا يخفى، يدلُّ عليه قولها: (فيكبرون بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم)، وهذا لا يشمل القرآن؛ لأنَّه لا يقال فيه: إنه دعاء وتكبير، كما لا يخفى، فالحقُّ ما عليه الجمهور أنَّ الجنب والحائض يحرم عليه قراءة القرآن كما ذكرنا، وقال أئمتنا الأعلام: واختلف المتأخرون في تعليم الحائض والجنب، والأصح: أنَّه لا بأس به إذا كان يلقِّن كلمة كلمة، ولم يكن من قصده أن يقرأ آية،
كذا في «النهر» عن «الخلاصة»، قال في «النهاية»: (وهذا على تخريج الإمام الكرخي، أما على تخريج الحافظ الطحاوي؛ فتُعلِّم نصف آية) انتهى، وقال في «النهر»: (ولا يكره التهجي بالقرآن، وهو كالتعليم كلمة كلمة، لا يعد قارئًا ولا يسمى به) انتهى.
والمراد: أنه مع القطع بين كل كلمتين كما قيده صاحب «البحر» تبعًا لصاحب «النهاية»، ومثله: ما لو كانت الكلمة آية؛ كـ ﴿ص﴾، و﴿ق﴾، ونحوها؛ فإنه يجوز كما نقله نوح أفندي في «الحواشي»، وفرَّق في «الجوهرة» بين الحائض والجنب: (بأن الحائض مضطرة إلى التعليم؛ لأنَّها لا تقدر على رفع حدثها، بخلاف الجنب؛ فلا يجوز له ذلك؛ لأنَّه قادر على رفع حدثه) انتهى، والمختار أنه لا فرق بين الحائض والجنب في حلِّ التلقين، كما قاله شيخ الإسلام نوح أفندي في «حواشيه»، وتمامه في «منهل الطلاب».
(وقال ابن عباس): هو عبد الله، حبر هذه الأمة، الرافع عنها الغمة، ترجمان القرآن، وبحر البيان، مما وصله المؤلف في (بدء الوحي) وغيره، ولفظه: (أخبرني) بالإفراد (أبو سفيان) هو ابن حرب: (أن هرقل) أرسل إليه في ركب من قريش إلى أن قام، ثم (دعا بكتاب النبي) الأعظم، وهناك: (رسول الله) ﷺ: الذي بعث به مع دحية الكلبي إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، (فقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم): «من محمَّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتَّبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولَّيت؛ فعليك إثم الأريسيين»، (و﴿يَا أَهْلَ الكِتَابِ﴾)؛ بزيادة الواو في أكثر الروايات، وفي رواية: بإسقاطها (﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...﴾؛ الآية [آل عمران: ٦٤])؛ بالرفع خبر المبتدأ محذوف؛ تقديره: هذه الآية، وبالنصب مفعول لفعل محذوف؛ تقديره: اقرأ الآية، وهي ﴿أَلَّانَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ ...؛ الحديث، وجه استدلال المؤلف به: أنَّه ﵇ كتب إلى الروم وهم كفَّار والكافر جنب، كأنَّه يقول: إذا جاز مسِّ الكتاب للجنب مع كونه مشتملًا على آيتين؛ فكذا يجوز له قراءته، وحاصله أنَّه ﵇ بعث للكفَّار القرآن مع أنَّهم غير طاهرين، فجوَّز مسهم وقراءتهم له، فدل ذلك على جواز القراءة للجنب، كذا في «عمدة القاري».
قلت: وظاهر حديث هرقل بل صريحه يدلُّ على عدم جواز قراءة القرآن لجنب وحائض؛ لأنَّ المذكور في كتاب النَّبيِّ الأعظم ﷺ بعض القرآن وهو آية، وذكر غيره من كلامه ﵇ وهو أكثر من الآية، فصار كالتفسير الذي هو أكثر من القرآن؛ فإنه يجوز مسُّه وقراءته؛ لأنَّه لا يحرم في غير المصحف إلا المكتوب؛ أي: موضع الكتابة، كما صرَّح به في «البحر»، وقال في «الأشباه»: (وقد جوَّز أصحابنا مسَّ كتب التفسير للمحدث، ولم يفصِّلوا بين كون الأكثر تفسيرًا أو قرآنًا، ولو قيل به اعتبارًا للغالب؛ لكان حسنًا) انتهى، وفي «السراج»: (أنَّ كتب التفسير لا يجوز مسُّ موضع القرآن منها، وله أن يمسَّ غيره)، كذا في «الإيضاح».
قلت: وكتاب النبي ﵇ لمَّا قُرِئ؛ العادة فيه أنَّه لا يمسُّ موضع الكتابة، بل المسُّ إنَّما يكون على الخارج عن الكتابة، كما هو العادة في المكاتبات، إذا علمت هذا؛ ظهر لك عدم جواز القراءة للجنب والحائض القرآن بقصد التلاوة، وما هنا فإنه قصد به قراءة المكتوب لا التلاوة، ولأن هذا شيء مأمور به شرعًا؛ لأجل الإنذار والدخول في الإسلام، ونظيره ما قاله أئمتنا الأعلام من أن الحربي أو الذمي إذا طلب تعلم القرآن والفقه والأحكام؛ يُعلَّم رجاء أن يهتدي، لكن يمنع من مس المصحف إلا إذا اغتسل؛ فلا يمنع بعد ذلك، كذا في «الخانية»، ومثله في «البحر» عن «التجنيس»، ولهذا قال لعليِّ (^١) الصدِّيق الأصغر: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم»، فالنبي ﵇ إنَّما قصده الاهتداء والدخول في الإسلام، فأنذره بهذا الكتاب الشريف الذي هو موجود عندهم إلى يومنا هذا يعظم ويتبرك به، وهو يدل على بقاء ملكهم ما دام الكتاب عندهم؛ لأنَّه كلام خالق الكونين، وكلام جد الحسنين ﵇.
(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر): هو ابن عبد الله الأنصاري، مما وصله المؤلف في كتاب (الأحكام) في باب (قول النبي ﷺ: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت»)، وفيه: قال جابر: (كنا مع رسول الله ﷺ فلبينا بالحج، وقدمنا مكة...) إلى أن قال: (حاضت عائشة): الصديقة بنت الصديق ﵄؛ أي: حين قدمت مكة، فأمرها النبي ﷺ أن تنسك المناسك غير ألَّا تطوف ولا تصلي حتى تطهر، (فنَسَكت) بفتح النون، والسين المهملة (المناسك)؛ أي: أقامت بأمور الحج (كلها غير الطواف بالبيت) العتيق، وقوله: (ولا تصلي): يحتمل أن يكون من كلام البخاري، قاله في «عمدة القاري».
قلت: ففيه دليل على إباحة الأذكار والدعوات للحائض والجنب، وليس فيه دليل على جواز قراءة القرآن لهما، كما لا يخفى؛ فافهم.
(وقال الحكم)؛ بفتح الحاء المهملة، وفتح الكاف، هو ابن عُتَيْبَة -بضمِّ العين المهملة، وفتح المثناة الفوقية، وسكون التحتية، وفتح الموحدة-، الكوفي، وهذا التعليق وصله البغوي في «الجعديات» من روايته عن علي بن الجعد، عن شعبة عنه قال: (إني لأذبح)؛ أي: الذبيحة (وأنا)؛ أي: والحال أني (جنب): فالجملة حالية، ولكن لا بدَّ أن أذكر الله تعالى، (وقال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]): فأراد بهذا أن الذبح مستلزم شرعًا لذكر الله تعالى بمقتضى هذه الآية، فدلَّ على أن الجنب يجوز له التلاوة، كذا في «عمدة القاري».
قلت: وكونه يستلزم ذكر الله تعالى لا يلزم منه جواز التلاوة للجنب، بل الذي دلَّ عليه أنَّه يجوز له الأذكار والأدعية فقط، كما لا يخفى، وهذا الأثر دليل ظاهر على أنَّه لا تحل ذبيحة تارك التسمية عمدًا؛ لهذه الآية الكريمة، فإنَّها صريحة في ذلك، ولوصف ما لم يذكر اسم الله عليه بالفسق، حيث قال: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾: وهو النجس، فهي ميتة، ويحل ذبيحة تارك التسمية ناسيًا؛ لقوله ﵇: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان...»؛ الحديث، رواه الشيخان، وهذا مذهب رأس المجتهدين الإمام الأعظم ﵁، وهو مذهب علي، وابن عباس ﵄، وقال الشافعي: تحل ذبيحة تارك التسمية عمدًا؛ لقوله ﵇: «ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليها»، وهو رواية عن مالك، ورد بالآية المذكورة، فإنها صريحة بخلافه، وعلى حرمة متروك التسمية عمدًا انعقد الإجماع فيمن كان قبل الشافعي، فهذا القول منه عُدَّ خرقًا للإجماع، وإنما كان الخلاف بينهم في متروك التسمية ناسيًا؛ فمذهب ابن عمر: أنَّه يحرم، ومذهب علي وابن عباس: أنَّه يحلُّ، ولهذا قال الإمام أبو يوسف: إنَّ متروك التسمية عمدًا لا يسوغ فيه الاجتهاد، حتى لو قضى القاضي بجواز بيعه؛ لا ينفذ قضاؤه؛ لكونه مخالفًا للإجماع، وما رواه الشافعي مخالف للدليل القطعي والإجماع، فكان مردودًا، وعلى فرض صحته يحمل على حالة النسيان ومشهور مذهب
(^١) في الأصل: (علي)، ولعله تحريف.
1 / 171