126

Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript

أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط

Daabacaha

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

Goobta Daabacaadda

https

Noocyada

في (منك)، وإن كانا مكانين؛ فلا؛ إذ اسم المكان لا يعمل؛ وتقديره: لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك، ولا منجًى إلا إليك) انتهى. قلت: والأوجه المشهورة هي فتح الأول والثاني، وفتح الأول ونصب الثاني، وفتح الأول ورفع الثاني، ورفع الأول وفتح الثاني، ورفع الأول والثاني، ومع التنوين تسقط الألف، كما قدمنا وعلى كونهما مكانين؛ فـ (منك) حال من ضمير الخبر أو صفة لهما؛ فافهم. (اللهم)؛ أي: يا الله، وسيأتي عند المؤلف في الأدعية بحذف (اللهم)؛ (آمنت)؛ أي: صدقت (بكتابك)؛ أي: القرآن، وقوله: (الذي أنزلت) صفته، وضمير المفعول محذوف؛ أي: أنزلته على نبيك محمَّد ﷺ، وإنما خصص الكتاب بالصفة؛ ليتناول جميع الكتب المنزلة. فإن قلت: أين العموم ههنا حتى يجيء التخصيص؟ قلت: المفرد المضاف يفيد العموم؛ لأنَّ المعرف بالإضافة كالمعرف باللام يحتمل الجنس، والاستغراق، والعهد، فلفظ الكتاب المضاف هنا محتمل لجميع الكتب ولجنس الكتب، ولبعضها؛ كالقرآن، قالوا: وجميع المعارف كذلك، وقد قال جار الله الزمخشري رحمه الله تعالى في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ [البقرة: ٦]: يجوز أن تكون للعهد، وأن يراد بهم ناس بأعيانهم؛ كأبي جهل، وأبي لهب، والوليد بن المغيرة، وأحزابهم، وأن تكون للجنس متناولًا منهم كل من صمم على كفره. قلت: التحقيق أن الجمع المعرَّف تعريف الجنس؛ معناه: جماعة الآحاد، وهي أعم من أن يكون جميع الآحاد أو بعضها، فهو إذا أطلق؛ احتمل العموم والاستغراق، واحتمل الخصوص والحمل على واحد منها يتوقف على القرينة كما في المشترك، هذا ما ذهب إليه الزمخشري، وصاحب «المفتاح» ومن تبعهما، وهو خلاف ما ذهب إليه أئمة الأصول، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري». قلت: أي: من أن (اللام) تبطل معنى الجمعية، ويصير مدخولها؛ لاستغراق الأفراد؛ فتأمل. (وبنبيك)؛ بالموحدة في أكثر النسخ، وفي بعضها بحذفها، ويؤيدها قوله: (ورسولك) بدونها، وكذا قوله: (ونبيك) الآتي، فإنه بدونها، وعند المؤلف في (الأدعية) بالموحدة؛ كأكثر النسخ هنا، والمراد به: محمَّد النبيُّ الأعظم ﷺ، والخطاب فيه كسابقه لله ﷿ (الذي أرسلت)؛ أي: أرسلته، ويحتمل أن يراد كل نبي أرسله كما سبق في (بكتابك)، (فإن متَّ)؛ بفتح التاء، الخطاب للبراء، وليس المراد به وحده على التعيين، بل كل من يحصل ذلك؛ كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وَقِفُوا﴾ [الأنعام: ٢٧]، أو المراد المعيَّن، ويعلم حكم غيره بالقياس عليه، والظاهر: أن يقال الخطاب خاص أريد به عام؛ فافهم (من ليلتك؛ فأنت على الفطرة)؛ أي: على دين الإسلام، وقد تكون (الفطرة) بمعنى الخلقة؛ كقوله تعالى: ﴿فِطْرَةَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠]، وبمعنى السنة؛ كقوله ﵇: «خمس من الفطرة...»؛ الحديث، وقال الطيبي: أي: مات على الدين القويم ملة إبراهيم ﵇ أسلم واستسلم، وقال: أسلمت لرب العالمين، وجاء بقلب سليم، كذا في «عمدة القاري»، (واجعلهنَّ) أي: هذه الكلمات (آخر) وفي رواية الكشميهني: (من آخر) (ما تتكلم به) ولابن عساكر: (ما تكلم)؛ بحذف إحدى التاءين تخفيفًا، ورواية الكشميهني مبينة أنه لا يمتنع أن يقول بعدهن شيئًا من المشروع ذكره عند النوم، وهو كذلك، لكن الأكمل والأحسن جعلها آخرًا حقيقة وتسمية ما ذكر كلامًا بالنظر إلى اللغة والاصطلاح وإن كان لا يسمى في عرف الفقهاء في الإيمان كلامًا، وإنما يسمَّى ذكرًا ودعاء؛ فافهم، (قال)؛ أي: البَرَاء بن عازب: (فردَّدتها)؛ بتشديد الدال المهملة الأولى، وسكون الثالثة؛ لإدغامها في التاء؛ أي: كررت هذه الكلمات (على النبيِّ) الأعظم ﷺ؛ أي: لأحفظهن، (فلما بلغت)؛ أي: وصلت في القراءة: (اللهم؛ آمنت بكتابك الذي أنزلت) والمراد: بلغت آخر هذه الجملة، فلا يرد أن السياق يقتضي أن يقول: فلما بلغت (ونبيك) (وقلت: ورسولك) زاد الأصيلي: (الذي أرسلت) (قال) أي: النبيُّ الأعظم ﷺ: (لا)؛ أي: لا تقل: ورسولك، بل قل: (ونبيك الذي أرسلت) حتى يجمع بين صفتيه؛ وهما الرسول والنبيُّ صريحًا وإن كان وصف الرسالة يستلزم النبوة، ويحتمل أن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ، وتقدير الثواب، فربما كان في اللفظ زيادة تبيين ليس في الآخر وإن كان يرادفه في الظاهر، ويحتمل أنه أوحى إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده؛ لأنَّه ذكر ودعاء، فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ويحتمل أنه ذكره؛ احترازًا ممن أرسل من غير نبوة؛ كجبريل وغيره من الملائكة ﵈؛ لأنَّهم رسل لا أنبياء، ويحتمل أن يكون رده دفعًا للتكرار؛ لأنَّه قال في الأولى: (وبنبيك الذي أرسلت)، فلو قال: (ورسولك)؛ لزم التكرار، ويحتمل أن النبيَّ (فعيل) بمعنى (مفعول) من النبأ، وهو الخبر؛ لأنَّه إنباء عن الله ﷿؛ أي: أخبر، وقيل: إنه مشتق من النباوة: وهو الشيء المرتفع، ورد النبيُّ ﵇ على البَرَاء؛ ليختلف اللفظان، ويجمع الثناء بين معنى الارتفاع والإرسال ويكون تعديدًا للنعمة في الحالين، وتعظيمًا للمنَّة على الوجهين، ويحتمل أن ألفاظه ﵇ ينابيع الحكمة، وجوامع الكلم، فلو جوز أن يعبر عن كلامه بكلام غيره؛ سقطت فائدة النهاية في البلاغة التي أعطيها ﵇، وزعم ابن حجر: ويحتمل أن لفظ النبيِّ أمدح من لفظ الرسول؛ لأنَّه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي، فإنه لا اشتراك فيه عرفًا، وعلى هذا؛ فقول من قال: كل رسول نبي من غير عكس؛ لا يصح إطلاقه، انتهى. ورده في «عمدة القاري»: بأن هذا غير موجه؛ لأنَّ لفظ النبيِّ كيف يكون أمدح وهو لا يستلزم الرسالة؟ بل لفظ الرسول أمدح؛ لأنَّه يسلتزم النبوة؛ فافهم. وزعم القسطلاني بأن المعنى يختلف، فإنه لا يلزم من الرسالة النبوة ولا عكسه. قلت: وهو فاسد، بل يلزم من الرسالة النبوة، ألا ترى أن الرسول لا يرسل إليه إلا بعد أن يصير نبيًّا، على أن الاختلاف في التعبير من حيث الإطلاق، فإذا قيد بالبشر؛ يصح الكلام، ويحصل المرام. قال الخطابي: (وفي الحديث حجة لمن منع رواية الحديث بالمعنى وهو قول ابن سيرين وغيره، فكان يذهب هذا المذهب أبو العباس النحوي ويقول: ما من لفظة من الألفاظ المتناظرة من كلامهم إلا وبينها وبين صاحبتها فرق وإن دق ولطف؛ كقولك: بلى ونعم). قال في «عمدة القاري»: (هذا الباب فيه خلاف بين المحدثين وقد عرف في موضعه، ولكن لا حجة في هذا للمانعين؛ لأنَّه يحتمل الأوجه التي ذكرناها بخلاف غيره) انتهى. وقد تبعه ابن حجر فقال: (ولا حجة لمن استدل به على أنه لا يجوز إبدال لفظ: (قال نبي الله) مثلًا في الرواية بلفظ: «قال رسول الله» وبالعكس، ولو جازت الرواية بالمعنى، وكذا لا حجة فيه لمن جوز الأول دون الثاني؛ لكون الأول أخص؛ لأنَّ الذات المخبر عنها في الرواية واحدة، فبأيِّ وصف وصفت به الذات من أوصافها؛ علم القصد بالمخبر عنه ولو تباينت معاني الصفات، بخلاف ما في حديث الباب؛ فإنه يحتمل ما تقدم من الأوجه) انتهى. وإنما ختم كتاب (الوضوء) بهذا الحديث؛ لأنَّه آخر وضوء أمر به المكلف في اليقظة، ولقوله في الحديث: «واجعلهنَّ آخر ما تتكلم به»، فأشعر ذلك بختم الكتاب. اللهم؛ اختم لنا بالوفاة على الإيمان، وارزقنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعافية من جميع البلايا، وتمام النعمة، والنصر على الأعداء، اللهم؛ أطل عمري بطاعتك، وكثر أولادي، ووفِّقهم لما تحب وترضى، واجعلنا وإياهم من الآمنين يا أرحم الراحمين. وفي يوم الخامس عشر جماد أول سنة سبع وسبعين أمر الحكام أهل البلد أن يتهيؤوا لرفع التراب من حارة النصارى. اللهم؛ فرج عنا وعن المسلمين يا أرحم الراحمين.
«٥» [كتاب الغُسْل] (بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الغسل) كذا في الرواية، ووقع في رواية الأكثر تأخير البسملة عن (كتاب الغسل)، قيل: وجهه أن الترجمة قائمة مقام اسم السورة، والأحاديث المذكورة بعدها كالآيات المفتتحة بها، وأما وجه تقديمها؛ فظاهر؛ لأنَّ كتاب الوضوء قد تم وختم، وهنا قد ابتدأ بحكم آخر؛ وهو غسل الجنابة، ووقع في رواية الأصيلي: (باب الغسل)؛ بإسقاط البسملة، وإبدال (كتاب) بـ (باب)، قال إمام الشارحين في «عمدة القاري»: (وهذا أوجه؛ لأنَّ الكتاب يجمع الأنواع، والغسل نوع واحد من أنواع الطهارة وإن كان في نفسه يتعدد)، و(الغُسل)؛ بضمِّ الغين؛ لأنَّه اسم للاغتسال: وهو إسالة الماء، وإمراره على الجسم، وقيل: الماء، وبفتح الغين مصدرًا، وفي «المحكم»: (غسل الشيء يغسله غسلًا) انتهى. قال في «عمدة القاري»: (وهذا لم يفرق بين الفتح والضم وجعل كلاهما مصدرًا، وغيره يقول: بالفتح مصدر، وبالضم اسم، وبالكسر: اسم لما يجعل مع الماء؛ كالأشنان) انتهى. وقال بعض الشراح: (وأما المصدر؛ ففيه الضم والفتح)، قاله الأصمعي وهو يوافق ما في «المحكم»، لكن الأشهر فيه لغة الفتح، والأشهر عند الفقهاء فيه الضم، انتهى. وبهذا ظهر فساد ما زعمه القسطلاني من أن الفتح أفصح وأشهر من الضم؛ فليحفظ. فإذا علمت أن الضم هو المشهور، وأنه اسم من الاغتسال وهو تمام غسل الجسد؛ ظهر لك أنه لا فرق بين المعنى اللغوي والشرعي، وقال أبو زيد: الغسل؛ بالفتح: فعل المغتسل، وبالضم: الماء الذي يغتسل به، وبالكسر: ما يجعل مع الماء؛ كالأشنان، وحقيقة الغسل؛ لغة: هو السيلان مطلقًا، وشرعًا: سيلان الماء على جميع الجسد والشعر، ومنه: المضمضة والاستنشاق، وهما فرضان عملًا لا اعتقادًا، سواء نوى- وهو الأكمل- أو لم ينو، فإن الجمهور من الفقهاء: على أن النية ليست بشرط فيه؛ كالوضوء، وهو قول الإمام الأعظم، وأصحابه، وزعم الشافعية أنها شرط، وسواء تدلك- وهو الأكمل- أو لم يدلك؛ لأنَّ الجمهور ومنهم الإمام الأعظم، وأصحابه، والشافعي على أن الدلك فيه -كالوضوء- ليس بشرط، وقال الإمام أبو يوسف: إنه شرط في الغسل فقط، وقال مالك، والمزني: إن الدلك شرط في الغسل والوضوء، واحتجوا بالقياس على الوضوء، وبالإجماع على إمرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها، فيجب في الغسل؛ لعدم الفرق بينهما، ورُدَّ: بأنا لا نسلم وجوب الدلك في الوضوء أيضًا؛ لأنَّ جميع من لم يوجب الدلك؛ أجاز، وأغمس اليد في الماء للمتوضئ من غير إمرار اليد؛ فبطل دعوى الإجماع، وانتفت الملازمة، واحتج الإمام أبو يوسف بقوله تعالى: ﴿فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦]؛ لما فيها من المبالغة وهي تقتضي افتراض الدلك كما تقتضي افتراض المضمضة والاستنشاق؛ فافهم. وإنما ذكر الغسل بعد الوضوء؛ اقتداءً بالكتاب العزيز، ولأن الحاجة إلى الوضوء أكثر، والحاجة إلى الغسل أقل، ولأن محل الوضوء جزء من البدن، ومحل الغسل جميع البدن، والجزء مقدَّم على الكل طبعًا، فقدم وضعًا؛ ليوافق الوضع الطبع؛ ولأنَّه يسن تقديم الوضوء على الغسل، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. (وقولُِ الله تعالى)؛ بالرفع أو الجر، وفي بعض النسخ: (وقول الله)، وللأصيلي: ﷿، وإنما افتتح كتاب بالآيتين الكريمتين؛ للإشعار بأن وجوب الغسل على الجنب بنصِّ القرآن، فقال: (﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾) [المائدة: ٦]، هذه الآية الشريفة من سورة المائدة؛ يعني: اغسلوا أبدانكم على وجه المبالغة من الحدث الأكبر، وهذا هو المراد وإن كانت الطهارة تعم الحدث والخبث، ويستفاد منه: أن المغتسل يسن له أن يبدأ فيغسل يديه، وفرجه، ويزيل النجاسة بالماء، وبكل مائع طاهر إن كانت موجودة على بدنه؛ ليطمئن بزوالها قبل أن تشيع على جسده ولو كانت قليلة، والمراد: أن السنة نفس البداءة بغسل النجاسة، وأما نفس غسلها؛ فلا بد منه ولو قليلة؛ لتنجس الماء بها، فلا يرتفع الحدث عما تحتها ما لم تزل. ويستفاد منه أيضًا: أن المسلم إذا مات ينجس نجاسة خبثٍ، على ما عليه عامة العلماء؛ لأنَّه حيوان دموي فينجس بالموت؛ كغيره من الحيوانات وهو الصحيح كما في «الكافي»، و«المحيط»، وغيرهما، فإذا وقع في الماء القليل؛ يفسده، وإذا حمله وصلى؛ لا تصح صلاته، فإذا غسل؛ فإنه يطهر، وأما الكافر إذا مات؛ فإنه لا يطهر بالغسل، ولا تصح صلاة حامله بعده بالاتفاق، كذا في «منهل الطلاب»، وأما قوله ﵇: «سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس»؛ فمعناه: ما دام حيًّا أو ما بعد تغسيله من حيث صحة الصَّلاة عليه، أو معناه: لا تنجسه الذنوب حتى لا يطهر بعد الغسل، على أن الحديث قد تكلم فيه الحفاظ النقاد؛ فافهم. قال في «عمدة القاري»: والجنب يستوي فيه الواحد والاثنان، والجمع، والمذكر والمؤنث؛ لأنَّه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب، يقال: أجنب يجنب إجنابًا، والجنابة الاسم، وهو في اللغة: البعد، وسمي الإنسان جنبًا؛ لأنَّه ينهى أن يقرب من مواضع الصَّلاة ما لم يتطهر، ويجمع على أجناب، وجنبين، وقوله: ﴿فَاطَّهَّرُوا﴾ القاعدة تقتضي أن يكون أصله: تطهَّروا، فلما قصد الإدغام؛ قلبت التاء طاء، وأدغمت (^١) التاء في الطاء، واجتلبت همزة الوصل؛ ومعناه: طهِّروا أبدانكم. قلت: أصله من باب (التفعُّل)؛ ليدل على التكلُّف والاعتماد، وكذلك باب (الافتعال) يدل عليه نحو: (اطَّهروا)، أصله من طهر يطهر، فنقل (طهر) إلى باب (الافتعال)، فصار اتطهر على وزن (افتعل)، فقلبت طاء، وأدغمت الطاء في الطاء، وفيه من التكلُّف ما ليس في (طهر)، انتهى. ومثل الجنب الحائض، والنفساء؛ إذا طهرتا، كما لا يخفى، (﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى﴾)؛ أي: مرضًا يخاف معه إن اغتسل بالماء أن يقتله البرد، أو يمرضه، أو يتلف بعض أعضائه، أو يزداد مرضه، أو يبطئه بغلبة الظن بتجربة، أو إخبار طبيب مسلم؛ فإنه يتيمَّم عند الإمام الأعظم ﵁ ولو كان بالمصر، وقال الصاحبان: إذا كان بالمصر؛ لا يتيمم؛ لأنَّ تحقق عدم الماء في المصر نادر، والمعتمد الأول، ولهذا جزم به الإمام قاضيخان، فقال في «الخانية»: (الجنب الصحيح في المصر إذا خاف الهلاك من الاغتسال؛ يباح له التيمم، في قول الإمام الأعظم) انتهى. وهذا مشروط بأن لا يجد قدرة على تسخين الماء، ولا على أجرة الحمام في المصر، ولا يجد ثوبًا يتدفأ به، ولا مكانًا يأويه، كما في «البدائع»، وشرح «الجامع الصغير»، قال في «البحر»: (فصار الأصل فيه أنه متى قدر على الاغتسال بوجه من الوجوه لا يباح له التيمُّم اتفاقًا) انتهى. وروى ابن أبي حاتم عن مُجَاهِد: أنها نزلت في مريض من الأنصار لم يكن له خادم ولم يستطع أن يقوم ويتوضأ. قلت: فإن وجد خادمًا؛ كعبده وولده وأجيره؛ لا يجزئه التيمم اتفاقًا، كما في «البحر» عن «المحيط»، وإن وجد غير خادمه ممن لو استعان به؛ أعانه ولو زوجته؛ فظاهر المذهب أنه لا يتيمم أيضًا بلا خلاف، كما يفيده كلام صاحبي «المبسوط» و«البدائع»، وغيرهما. (﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾): والمعتبر هنا هو السفر العرفي والشرعي؛ لما في «الخانية»: (قليل السفر وكثيره سواء في التيمم والصَّلاة على الدابة خارج المصر، وإنما الفرق بين القليل والكثير في ثلاثة؛ قصر الصَّلاة، والإفطار، والمسح على الخفَّين) انتهى، وفي «المحيط»: أو كان في مكان خارج المصر سواء كان خروجه لتجارة، أو لمزارعة، أو احتطاب، أو احتشاش، أو غير ذلك، وكان بينه وبين المصر نحو الميل على المعتمد، ويكفي في تقديره غلبة الظن هو المشهور، كما في أكثر الكتب، وروى البغوي عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجر، فشجه في رأسه فاحتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: لم نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبيِّ ﷺ؛ أخبر بذلك، فقال: «قتلوه قتلهم الله تعالى، ألا تسألوا إذ لم تعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال، إنَّما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة،

(^١) في الأصل: (أدغم)، ولعل المثبت هو الصواب.

1 / 126