فقال وهو يبتسم مستهزئا: اعلمي أن معرفة أحد السرين يترتب عليه معرفة الآخر.
فازدادت سعدى تطلعا إلى استطلاع السر، غير أنها لم تقو عليه ذلك الحين، فاستأنفت الحديث عن شفيق قائلة: إن أسرارك قد أذابت كبدي؛ فدعها إلى الوقت الذي تشاء. أما مسألة زواج شفيق، فأحب معرفة رأيك فيها، فإذا اختار ابنة من بنات مصر الغنيات، وكانت ذات حسب ونسب وتهذيب وتعقل؛ أفلا تكون مسرورا؟
فأجابها: كلا، بل أكون متكدرا ولو كانت الابنة من بنات الباشوات؛ لأني أفضل له ابنة من بنات أعمامي ولو كانت فقيرة، فقالت: ولو أحب وأصر على أخذها! قال: لا أظنه يخالفني، وإذا فعل ذلك أكون منكدا مدة حياتي.
فاضطربت سعدى عند ذلك الخطاب، وأوجست مما يجلب الكدر لشفيق؛ لأنه مغرم بفدوى، ولم تستطع مراجعة زوجها لئلا يفهم قصدها، فسكتت وهي مرتبكة الخاطر، ولم تقدر أن تطلع شفيقا على أفكار والده خوفا من سوء عاقبة ذلك، فتربصت لما يأتي به المقدور أو تقدره الأحوال.
وبعد المداولة في أحاديث مختلفة قال إبراهيم: وما سرك الذي تفاخرين به؟ قالت: ليس لدي سر، وإنما أردت تحريضك على مكاشفتي بسرك فلم أنجح. ثم عاد كل منهما إلى غرفته.
أما سعدى فلما دخلت غرفتها جلست تكتب كتابا لشفيق، فأخبرته أنها لم تعلم والده بأمر الزواج لأنها لم تر فرصة لذلك، وأنها ستخبره في أول فرصة، وأما مجيئهما إلى مصر فسيكون بعد أجل غير معين؛ لأن الحكومة الإنكليزية استبقت والده تستخدمه في بعض المهام المتعلقة بمصر؛ لما تعلمه من خبرته بأحوال ذلك القطر، ثم تشير على شفيق ألا يستعجل في أمر الزواج، وأن يدع كل شيء ريثما يحضران.
أما شفيق فكان بانتظار قدوم والديه إلى مصر، وظن أن ذلك يكون أثر مجيء اللورد دفرين؛ الذي أرسلته الحكومة الإنكليزية ليأتيها بتقرير عن أحوال القطر، غير أن ذلك الظن لم يتحقق - وكان شفيق قد وعد الباشا أنه يكتب لوالده ليكتب إلى الباشا لتتم المعرفة بين الجانبين - فلما جاء كتاب والدته خشي أن تطول المدة قبل اطلاع والده على الأمر، فيتوهم الباشا في شفيق الخداع والنفاق، فلبث ينتظر بشرى والدته بإطلاع والده وهو على مثل الجمر.
أما فدوى، فكانت تعد الساعات والأيام في انتظار قدوم والدي شفيق؛ لأن وجودهما يسهل أمر الاقتران، ويضع حدا لكل المشاكل التي كانت تخافها، وخصوصا دسائس عزيز، وكان قد عزل من خدمة الجيش المصري في جملة من عزل من أبناء القطر؛ لأن الخديو أمر بعد الحوادث العرابية بإلغاء الجيش القديم، وتنظيم جيش جديد، ولكنها مع ذلك لم تفتأ في قلق دائم من دسائسه؛ لما فطر عليه من الشر والخيانة، وما يساعده على قبائحه من سعة غناه.
الفصل الحادي والأربعون
سفر غير منتظر
Bog aan la aqoon