عن القاهرة في 12 يوليو سنة 82 إلى لندرا
سيدتي المحترمة
قرأت كتابك بدموع الحزن والأسف، وقلب يتقلب على نار اللهف، كأن الدهر قد ندم على ما وهب، فحملني ما لا أستطيع عليه صبرا. أما أنت، أيتها الوالدة، فلا أذاقك الله لوعة، ولا سقاك حسرة؛ فإن ضياع حبيبي ومنتهى أملي نبأ أورثني من القلق ما لم أذق مثله، ومن اللوعة ما لم أكابده، فلا غرو إذا انفطر له قلبك، وسح دمعك ، وتفتت كبدك، وأنت والدته ومربيته، وقد علقت به أملك، وعقدت له على باقي عمرك، وربيته بدموع عينيك.
على أني آملة بمراحم الله أنه لا يخيب أمل والدة حنونة، وحبيبة مفتونة، وهو الذي أذن بما كان، وله القدرة برد ضائعنا، وجبر قلبنا، وحاشاه أن يأذن بهلاكنا حسرة ولهفا. على أني أسألك أن تعلميني تلغرافيا عما تعلمين عنه، وأما أنا فإذا عرفت عنه شيئا سأعلمك أيضا. اعذريني على التمادي في مكاشفتك عواطفي؛ إذ ليس لدي من أكاشفه سواك. وأختم الكتاب بتقبيل يديك، ودمت سالمة لولدك.
فدوى
وبعد أن أتمت قراءة الكتاب ختمته وعنونته وسلمته لبخيت ليضعه في صندوق البوسطة، ورجعت إلى هواجسها، فصارت تندب سوء بختها، فقال لها بخيت: لا تقنطي من رحمة ربك، ولا يخامرك مثل هذه الأفكار؛ فإن لندرا مدينة عظيمة تحتوي على زهاء خمسة ملايين من الناس، فلا بدع إذا اختفى عن أهله فيها بضعة أيام.
قالت: ولكني أخشى أن يكون ذلك الخائن قد سعى إلى أذيته. والهفي عليه! ماذا أعمل الآن؟
فقال بخيت: سكني روعك، واغسلي عينيك، وألقي اتكالك على الله، وهو قادر أن يجمعك بمن تريدين، وليس عليه أمر عسير. وما زالت في هاجس عظيم إلى أن كان الأصيل، فقال لها بخيت: هل لك يا سيدتي أن تركبي العربة للنزهة فتفرجي كربك، واتركي الأمر لله، وهو لا يخيب رجاءك.
فامتنعت أولا، ثم رأت مناسبة ذلك إخفاء لما قد يوقع مظنة فيها لدي والدتها، فأرسلت بخيتا يخبرها بذهابها للنزهة، ثم ركبت العربة وركب معها بخيت وخرجا يريدان الجزيرة.
الفصل الثامن والعشرون
Bog aan la aqoon