. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغير صفته الأصلية الملازمة له، فتعين حمل السمرة فى روايته على الحمرة التى تخالط البياض كما مر على أنه سيأتى فى وصف عنقه الشريف أنه أبيض لكأنما صيغ من فضة مع أن العنق بارز، وورد ذلك أيضا أن تأثير الشمس فيه ينافى ما ورد أنه كان يظله سحابة، وهو غفلة إذ ذاك كان إرهاصا متقدما على النبوة، وأما بعدها فلم يحفظ ذلك، كيف وأبو بكر رضى الله عنه قد ظلل عليه بثوبه لما وصل المدينة؟ وصح «أنه ظلل بثوب وهو يرمى الجمرات فى حجة الوداع» (١).
تنبيه: قال أئمتنا: يكفر من قال كان النبى ﷺ أسود أو غير قرشى أو توفى أسودا (٢) لأن وصفه بغير صفته نفى له وتكذيب به، ومنه يؤخذ أن كل صفة علم ثبوتها له بالتواتر كان نفيها كفرا للعلة المذكورة، وقول بعضهم: لا بد فى الكفر من أن يصفه بصفة تشعر بنقصه كالأسود هنا، فإن لون السواد لون منقوص، فيه نظر، لأن العلة [كما علمت] (٣) ليست هى النقص، بل ما ذكر فالوجه أنه لا فرق، فإن قلت: لونه ﷺ أشرف الألوان، ولون أهل الجنة كذلك، فلم لم تكن ألوانهن البياض المشرب بالحمرة؟ بل بالصفرة كما قاله جمهور المفسرين فى قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤) يشبههن ببيض النّعام المكنون فى عشه، ولونها بياض به صفرة حسنة (٥)، قلت: اللون واحد وإنما اختلف ما شبه به، وحكمته والله أعلم أن المشرب بالحمرة ينشأ عن الدم وصفائه، واعتدال جريانه فى البدن وعروقه، وهو من الفضلات الجيدة التى تنشأ عن أغذية هذه الدار فناسب المشوب فيها، وأما المشوب بالصفرة التى تورث البياض صفاء وصقالة (٦)،
_________
(١) رواه ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (٢/ ١٣٥)، من حديث أبى أمامة عن من أبصر النبى ﷺ «سائرا إلى منى، وبلال إلى جانبه، وبيد بلال عود عليه ثوب وشىء يظله من الشمس».
(٢) فى (ش): [أمردا].
(٣) الزيادة من (ش).
(٤) سورة الصافات: آية (٤٩).
(٥) روى ابن أبى حاتم فى «التفسير» عن زيد بن أسلم رضى الله عنه قال: البيض الذى يكنه الريش، مثل بيض النعام الذى أكنه الريش من الريح، فهو أبيض إلى الصفرة فكانت تترقرق، فذلك المكنون (١٠/ ٣٢١٢)، (١٨١٨٨) وذكر ذلك التفسير أبو القاسم البغوى فى «معالم التنزيل» (٤/ ٢٣) وعزاه للحسن رضى الله عنه.
(٦) أى جلاء، وصيانة (اللسان: صقل).
1 / 43