تصدير
الحسن الخاتل
الحارسان الصامتان1
ذكرى الأندلس أو الفردوس الإسلامي المفقود
الحب
الدنيا والآخرة
حواء
الرواق1
على كرسي الموت
يوم من حياتي
عطر الحب
عيد الزهور
صياد الطيور
المتأملة1
لقاء
أغاني الصيف
الشاعرة
الملكة الطريدة
الشك
التوءمان
فجر
الوصل
النوم
خطف قبلة
رثاء شقيق
جامعات الجزاز
انتقام
الصيرفي وزوجته1
المؤذن
أستاذتي
نهب وشعر
البؤس
شعر الذكرى
الإلهام1
بيئتنا
البوهيمية1
جلسة حب
عينان1
دنياي
جواب الحب
مرقش
وحي العام
قبلة البرتقال
الشاريفاري1
هبيني قبلة
الموعد
الوعد الضائع
النبي الجديد
غزلي
السحاب المقيم
وداعا يا رفيقي القديم!1
الرسول
في العريش
أنساك؟!
العجز
أحلام صياد
غناء العاشق
البعد الرابع
الجد وحفيده
أنذروني!
طيف الحياة
عيد الإسلام
إسكندرية
تتساءلين؟ ...
القصر الحزين
يا سلوة الروح
الحب الطريد1
وردتي
هفوة
سياحة في غرفة
في تأمل1
نادي الغزل
قبلة
بروحي ...
المفاجأة «حانوتي» الأدباء أو اللحاد
ظلمة الفقر
رجائي
بدر الحصاد أو قمر الصيف1
الرائد1
بعد الصيف
الوعود
غير فني
القيثارة في المساء1
البيبة أو الغليون
المستقبل
وساوس الهجر
الأسيرة أو المنشودة المنبوذة
التجديد والزمن
المثال1
الجمال
صباح عيد الميلاد1
ديواني
سخرية الحياة
نماذج الشعراء ووحدة الحب
روبوت أو الإنسان الآلي
رثاء إله
الكرامة
إلى حكامنا
ثغر كليوباطرة
الطمأنينة
المكتاب
أتمرضين؟
محمد والمرأة
توديع الشائب
إيكو الجديدة1
الأقواس أو الذكرى الغامضة
نمو الحب
وهدة لوثا1
الخطاط الفنان
التاريخ التصويري
النيروز الثاني
تكريم شرف
إلى الآنسة مي
يا أم!
مجد الرجال
عرس الصديق
جبران خليل جبران
فوزي المعلوف
السندباد
الأدب القصصي
مجد العلم
الدائن العظيم
ميلاد شاعر
الضريرات
الغراب والبستاني
الربيع الوليد
تصدير
الحسن الخاتل
الحارسان الصامتان1
ذكرى الأندلس أو الفردوس الإسلامي المفقود
الحب
الدنيا والآخرة
حواء
الرواق1
على كرسي الموت
يوم من حياتي
عطر الحب
عيد الزهور
صياد الطيور
المتأملة1
لقاء
أغاني الصيف
الشاعرة
الملكة الطريدة
الشك
التوءمان
فجر
الوصل
النوم
خطف قبلة
رثاء شقيق
جامعات الجزاز
انتقام
الصيرفي وزوجته1
المؤذن
أستاذتي
نهب وشعر
البؤس
شعر الذكرى
الإلهام1
بيئتنا
البوهيمية1
جلسة حب
عينان1
دنياي
جواب الحب
مرقش
وحي العام
قبلة البرتقال
الشاريفاري1
هبيني قبلة
الموعد
الوعد الضائع
النبي الجديد
غزلي
السحاب المقيم
وداعا يا رفيقي القديم!1
الرسول
في العريش
أنساك؟!
العجز
أحلام صياد
غناء العاشق
البعد الرابع
الجد وحفيده
أنذروني!
طيف الحياة
عيد الإسلام
إسكندرية
تتساءلين؟ ...
القصر الحزين
يا سلوة الروح
الحب الطريد1
وردتي
هفوة
سياحة في غرفة
في تأمل1
نادي الغزل
قبلة
بروحي ...
المفاجأة «حانوتي» الأدباء أو اللحاد
ظلمة الفقر
رجائي
بدر الحصاد أو قمر الصيف1
الرائد1
بعد الصيف
الوعود
غير فني
القيثارة في المساء1
البيبة أو الغليون
المستقبل
وساوس الهجر
الأسيرة أو المنشودة المنبوذة
التجديد والزمن
المثال1
الجمال
صباح عيد الميلاد1
ديواني
سخرية الحياة
نماذج الشعراء ووحدة الحب
روبوت أو الإنسان الآلي
رثاء إله
الكرامة
إلى حكامنا
ثغر كليوباطرة
الطمأنينة
المكتاب
أتمرضين؟
محمد والمرأة
توديع الشائب
إيكو الجديدة1
الأقواس أو الذكرى الغامضة
نمو الحب
وهدة لوثا1
الخطاط الفنان
التاريخ التصويري
النيروز الثاني
تكريم شرف
إلى الآنسة مي
يا أم!
مجد الرجال
عرس الصديق
جبران خليل جبران
فوزي المعلوف
السندباد
الأدب القصصي
مجد العلم
الدائن العظيم
ميلاد شاعر
الضريرات
الغراب والبستاني
الربيع الوليد
أشعة وظلال
أشعة وظلال
تأليف
أحمد زكي أبو شادي
تصدير
ما كنت أقدر لهذه المجموعة من شعري أن تظهر بهذا الوسم؛ إذ كانت أمنيتي حصر هذا الشعر في دواوين سنوية تغني عن كثرة التصانيف التي لا أستسيغها، وكنت اتفقت مع «دار العصور للطبع والنشر» على إذاعة هذا الديوان السنوي باسم «وحي العام» من بداية سنة 1928م، ولكن نكبة الأدباء بإقفال تلك الدار النافعة التي أسدت خدما جليلة للأدب العصري قضت على هذه الأمنية، فلم تبق لي مندوحة عن نشر هذا الشعر في مجاميع متعددة بلا ضابط زمني، وقد صدر منها قبلا «رباعيات حافظ الشيرازي» و«رباعيات عمر الخيام» والآن أتبعهما بهذا الديوان «أشعة وظلال» وأرجو أن أوفق إلى متابعة إصدار هذه المجاميع الشعرية - القديم منها والجديد - في المستقبل، وكل حظي أداء واجبين: الزكاة عن الأدب، وإشراك أندادي من جديد في عواطف عرفناها وقدسناها معا ، واستطبنا تكرارها وذكراها.
أحمد زكي أبو شادي
ضاحية المطرية
1931
الحسن الخاتل
إلى فينوس العابثة
إلى التي ساءلت عني وآلمها
أني سكت: أهذا منك تسآل؟
أنا الجريح وأنت الطب يرجعني
كما يشاء، فهل للطب تعذال؟
سبرت جرحي، ولكن قد عبثت به
عمرا، فما بجديد منك آمال
هل لي سوى الصمت في صبري على تلفي
برهان حب إذا لم يسعف القال؟
كل الجمال حيالي أنت جوهره
وكل شعر غرامي منك يختال
لا تحسبي غزلي إلا هواك وإن
ترنحت منه غادات وعذال
فلتطمئني، وخليني على تلف
حسبي من الحب في نجواك آجال!
أحيا وأفنى مرارا في هواك كما
تحيا وتفنى مقادير وأجيال!
وليس فيك وفاء لي أقدسه
لكن ختلك مغفور وقتال!
وهبتك الروح حتى بات يخجلني
نوحي إذا حكمت بالنوح أهوال
فلتتركيني إذن في عزلتي وأنا
حي وميت له حظ وإمحال
وقطعيني عذابا واسألي شغفا
ثم استحيلي كما يوحي لك البال!
ولتغنمي كل صفو غير عابئة
كما يشاء الصبا والحسن والمال
ولأبق فاديك في بعدي وفي حرقي
فربما البعد للمعبود إجلال!
أهواك أهواك في مجد وفي ضعة
كما يهيم بروح الفن مثال
يلوح لي فيك معنى لست أدركه
إلا بقلبي الذي يبكي ويحتال
والعقل ينهره لكنه أبدا
كالطفل؛ لا الزجر شافيه ولا النال!
يظل حيران في سؤل وفي شغف
وفي امتناع؛ فأهل الحب أطفال
فسامحيني على حب أدين به
شوق وخوف وهجران وإقبال
فيك التقلب طبع لا مرد له
كالشمس للناس: آراد وآصال!
فأي جدوى بإشعاع وعدت به
ما دام يعقبه ليل وإغفال؟
وأي لوم على المشهود من قلقي
وكل ما فيك إغواء وأغلال؟
فرغت من كل عتب واقتنعت بما
أردته، وهو إسراف وإيغال
أسرفت في الحب مثل اللهو خادعة
والحسن كالحب معبود وختال
وكل ما صنت من نفسي ترفعها
عن الهوان إذا ما هان مختال
فلترحمي مهجتي في عزلتي، ودعي
نفسا أساء لها الأحباب والآل
لا ترهقيها بإصغار وحسبك ما
قضى به القدر العاتي ومن حالوا
فعذبيها وخليني على شرفي
في وحدة كلها وجد وإعوال
باتت أحب إلى نفسي وإن شقيت
من النعيم الذي يتلوه إذلال
لا خير في الوصل والهجران يشبهه
ولا بآتي المنى إن تكذب الحال!
الحارسان الصامتان1
من نقش آرثر وارديل
2
الحارسان الصامتان.
وقفا على الجبل المنيف وأرسلا
شرر العيون الكاشفات وهادا
وقفا وقد ربط الوداد كليهما
ربطا يضاعفه السكون ودادا
فتشاهد الأسد المهوب مراقبا
مثل القضاء يراقب الآبادا!
وبقربه أنثاه تنظر مثلما
تبع الوجود إلهه منقادا!
مرأى به الضدان من عطف ومن
روع، وقد نستملح الأضدادا
وقفا وقوف الفن في ظل وفي
نور، فلاقى الفن فيه مرادا
هذا يصد وذاك يجذب حينما
تلقى الخيال مصورا إيجادا
الظل يمتلك النفوس مروعا
كالليل يمتلك الشعور حدادا
والنور يعبث بالمشاعر ساخرا
كالسحر بدل بالحياة جمادا
أرنو إلى النقش الدقيق معبرا
وأحيل أصباغ الحياة مدادا
وأكاد أخشى رغم حسي لفتة
من ذلك الأسد الذي يتفادى
3
وأعد في حلمي سكوتهما المدى
كرما وقد يلفى البخيل جوادا!
ذكرى الأندلس أو الفردوس الإسلامي المفقود
نظمت لمناسبة إزماع (جامعة قرطبة) الاحتفال بمرور ألف عام على الخلافة العربية في الأندلس (929م/ 317ه).
عودي لنا يا أغاني أمسنا عودي
وجددي حظ محروم وموعود
عودي لنا راويات مجد أندلس
وقدمي الشعر قربانا لمعبود
خلي (طليطلة) يبكي لنكبتها
من أمة (القوط) من كانوا كجلمود
أضحى لهم مأتما ما كان مأتمنا
وصار عرسا لنا حزن لنا مودي
إن العدو الذي يشجى بما اقترفت
يداه شبه صديق غير مردود
يدعو لحفلة تقديس يهيم بها
من بعد حرب ببغض غير مغمود
فتزدهي اليوم أعلام لقرطبة
يا طالما بللت من دمع مفئود
كما يرن الصدى من صوت جامعة
تزجي الوفاء لمجد غير محدود
ويشمل البهو
1
والحمراء في شغف
نور التطلع بعد الأعصر السود
وملء غرناطة الفن الذي حجبت
تلك القرون وآذته كمحسود
حين الكنائس تستذرى منائرها
وجنة الريف
2
في تعييد مجدود
3
حين الثقافة في شتى مظاهرها
تحن للأمس في تحنان مولود
حين الجمال الذي نعنو لدولته
يبايع العرب في حي ومفقود
وحين صقر قريش في مآثره
يفوق كل عظيم الملك معدود
وحينما الحب بعد البغض مؤتلق
في كل مبتسم بالذكر مشهود •••
أبناء إسبانيا زدتم مفاخركم
نبلا، ونلتم علا ود لمودود
وقد محوتم بإخلاص مآثمكم
إلا التي ما محاها كل مجهود
في ذمة الدهر هذي فهي باقية
فلن يعيد رثاء مجد ملحود
يجري بكم من دماء العرب أكرمها
فأكرموها تزدكم نعمة الجود
إن تنصفوا لم تروا إلا محامدهم
فيكم، فخصوا بهم عرفان محمود
ما بين علم لهم جم وفلسفة
وفاتنات أخذتم من فم العود
وحلو رقص، وشعر سائغ خلبت
ألحانه وسمت عن بنت عنقود
وبين وضاء حسن في خرائدكم
كم أنطق السحر في نظم وتغريد
وخالدات المباني وهي قائمة
شواهد الفن لم تسبق بمعهود
جميعها ناطقات عن أخوتنا
فاستثمروها فلا خير بتجريد
وجددوا موطنا للعرب بينكمو
فالغنم غنمكمو من كل تجديد
أجل! أعيدوا دراسات لنهضتهم
ولا تطيلوا مدى شوق لمطرود
وأشعلوا علمهم في كل جامعة
ورتلوا ذكرهم في قلب مدريد
لعلكم بعد هذا تحتفون غدا
بما يجاوز هذا العيد من عيد
وعلنا حينما تنمو أخوتنا
ننسى دموع المراثي في الأناشيد
الحب
بين الطاعة والثورة
نصحتك أن لا تنهر الحب معرضا
فتندم، بل لاطفه حيث يكون
وما هنت لو جاريته في كرامة
ولكن خصم الحب سوف يهون
فعد باحثا عنه، ولكن بحكمة
ولطف؛ فإن البحث عنه فنون
وبلغه توب القلب من بعد ثورة
وأن عزوف العاشقين فتون
وما جن في حكم الهوى عابد الهوى
ولكن كفر المغرمين جنون
الدنيا والآخرة
وإذا رأيتك ما كفاك تلهفي
فرأت لحاظك أن أكون أسيرا
أرنو إليك كما رنوت لغابري
وكأنما الأحلام حلن عبيرا!
وبحاجبيك طفولتي في حبها
أرجوجة تدع الصغير أميرا!
وبنور عينيك ائتلاق صبابتي
ولعلها سبقت حجاي صغيرا
أسقيت حبك كالرضيع بنشأتي
فإذاه لي حس يظل منيرا
والخد؛ يا للخد في شغفي بما
يبدي وما يخفي منى وشعورا!
كم فيه من قبلات! أمسى نعمة
أغنى بها لو سمتني التقتيرا!
هي لي شواهد ما أكن من الهوى
إن لم أجد في لوعتي التعبيرا!
بوحي أيا قبلات حبي، أعلني
أني أعيش بحبها مسحورا!
بوحي لها مهما احتجبت وذكري
قلبا لها أني أدوم ذكورا
لكن بحق سناك يا من روحها
روحي ومن خلعت علي نشورا
وأعادت الدنيا القديمة للهوى
وجديدة أخرى تبث عطورا
لا تحسبيني محض عاشقك الذي
يستاف منك سلافة وحبورا
أو تحسبيني محض شاعرك الذي
أهدى إلى سكرى الغرام خمورا
أو تذكريني ناقشا لك، عازفا
بك، ملء أنفاس حسبن سطورا
بل فاذكريني مثل ذكري كل ما
صورت في مرآك لي تصويرا
مرآك مرأى كل أعوامي التي
قد نلتها مني أسى وسرورا
فأراك أنت جميع ما عانيته
ورضيته، بل ما بنيت قصورا
أنت التي فيها تمثل صادقا
حسي وتكويني علا وقصورا
فخلقت مرآتي وكنت نظيرها
لك حينما لا تشبهين نظيرا
وكأنما هذا التصوف في الهوى
ديني، فكوني كالألوهة نورا!
أهواك فوق هوى الحياة فإنما
فوق الحياة ملأتني تأثيرا!
وإليك أرنو، لا أمل، كأنني
أرنو إلى ذات الإله دهورا!
حواء
أنت، لو كنت للغواية معنى
لم تزل فيك للتسامي معاني
نظرة منك للغصون تحاكي
نظرة منك في نهى الإنسان
هذه تكسب الغصون ابتساما
مثلما تلك بسمة الوجدان
أي حسن هذا الذي ينكر اليو
م، وقد دام قبلة الأزمان؟
جمع الله فيه فتنته الكب
رى من العطف والحلى والأماني
كل عيب فيه رؤى ناظريه
كم عيوب تقوم في الأذهان!
أنت مستودع الحياة وآما
ل كبار لها غوال حسان
أنت قدسية بجسم وروح
لنفوس تضيء بالإيمان
هيكل لليقين تكوينك النا
بض بالحب، وهو أصل البيان
كل ملك الحياة لا شيء إن غب
ت، وإن عدت صار ملك الجنان
إن هذي الأعشاب والجبل الشا
خص والنهر منك فيها مباني
والذي لا يراك رؤية تقدي
س فإلحاده جسيم وجان
توجتك الغصون بالورق النا
ضر في نضرة وفي عنفوان
ووهبت الذي أجلك واستو
حاك ما جل من علا التيجان
إنما العيش بالجمال وبالحب
ب بنجواك في عزيز الأغاني
الرواق1
في معبد إدفو
الرواق (من رسم الأستاذ شعبان زكي).
نظرة منك للرواق برسم
سجل الفن فوق نظرة رائي
إنما الفن خالق، وإليه
تتناهى روائع الأشياء
هذه لوحة الجمال فراقب
هذه العمد في حلى من رواء
2
تجد الداني
3
المهيب بظل
جامع النقش من عجيب الأداء
يتلاقى الظلام فيه وأصبا
غ كسير من الضياء النائي
وخطوط طلاسم هن للأخ
رى، وعهد حوي ضمين الفداء
وإذا السقف في الضخامة والمج
د عزيز، والعمد عمد السماء
وترى النور وهو ينصب ما بي
ن فناء لها عديم الفناء
سال في صفرة النضار أو الو
رس مسيل الشعاع في الصهباء
وكأن الضخم العمود
4
يراعي
ها بصون من خشية الأعداء
يحرس النور مثل كنز حوته
حينما كلها كنوز البقاء
وترى هذه السبائك تفتر
ر بوحي كمعجز الأنبياء
وترى النور من بعيد كسهم
يتناهى في شق ذاك الفضاء
5
وتطيل التأمل الحر حتى
تغتدي كالأسير للقدماء
فإذا أنت بين مختلف الأضوا
ء والظل عابد الأضواء
وإذا أنت رهن معبد إدفو
قرب هوراس
6
خاشع في احتفاء!
على كرسي الموت
الحسناء المجرمة.
أهذا هو البرء الذي هد داءنا؟!
أهذا هو العلم المحيي رجاءنا؟!
عفاء على الإنسان إن دام علمه
أسيرا لجهل ثم نال احتفاءنا
نميت بتيار الحياة
1
جناتنا
فلا نقتل الجاني، ونبقي شقاءنا
فما خلق الإنسان إلا مسيرا
وأعظمنا الأحجى يعاني عناءنا
أهذا هو التمدين والرحمة التي
تعد لدى الفاني الشقي عطاءنا؟!
أليست لنا خزيا، وللعلم صرخة
نغافلها ردت علينا ادعاءنا
فإن أولي الإجرام أحرى ببحثنا
لنقتل داء لم يزل بعد داءنا
لقد أصبح الإنسان نسلا مضيعا
لدن قد وهبنا للكلاب اعتناءنا!
لماذا أبحنا للسقام تناسلا
وبعد قساة ما ذكرنا وفاءنا؟
ألم تك أولى بالعقول وقاية
من الداء، لا قتل العليل إزاءنا؟! •••
ومن هذه الحسناء في جلسة الردى
معصبة العينين تبكي ولاءنا؟
وقد قيدت وهي الضعيفة بيننا
وقد ألبست ثوب الحداد فداءنا
وينبض فيها القلب آخر نبضة
رثاء لها لما نسينا رثاءنا!
لقد حكم القانون بالموت معلنا
له العدل، والقانون يتلو غباءنا!
فما صغرت إلا وفي النفس عزة
وما سخطت إلا وعافت عداءنا
وما جلست تبكي وفي سمعها سوى
ملاحن ذاك الأمس تتلو غناءنا
فحقرت الدنيا التي بعدما احتفت
بها أعلنت هذا العقوق ثناءنا
كأن ضحكت عند البكاء فليتنا
خجلنا وقدرنا البكاء هجاءنا
يوم من حياتي
(1) رسالة الأستاذ النشار
كان يوم الخميس يوما من الصي
ف وإن جاء في غضون الشتاء
مثلما يظهر النبي أو الشا
عر ما بين معشر جهلاء
يكثر الجاحدوه عدا وينمو
حبه بين قلة فضلاء
ما نصير النبي في زمن المح
نة كالتابعيه عهد الرخاء •••
وانتهزنا يوم الخميس فأكرم
نا به الصيف صاحب الآلاء
المفيض السرور في كل نفس
من معينيه: دفئه والضياء
البشوش الذي تبسم عن زه
ر وحيى بنفحة فيحاء
وافتقدناك يوم ذاك فألفي
نا قريبا بالروح والجسم ناء
وذهبنا ثلاثة بجسوم
ومئات بالروح والآراء
عن يميني وعن يساري من تب
صر عيني ولا ترى عين راء
ملء عيني وملء سمعي نفوس
ملء نفسي من رفقتي القدماء •••
وقضينا على «البلاج» سويعا
ت جمعن الأجيال في آناء
عمر جيل بأسره يتقضى
بين لفظين من فم الشعراء
أي عين تلك التي تلمح اللب
ب وتأبى ما حوله من لحاء؟!
ما التواريخ، ما الحوادث إلا
قشرة فوق قشرة لفاء
والصميم الصميم ما رسم الشا
عر في لفظه البديع الرواء
روعة الحق قد تكشف عنها
لفظة، لا تجمل بطلاء
والبليغ البليغ ما لمس الحق
ق، وأهون بزخرف في الأداء
كم هباء مدثر بهباء
في فصيح من منطق الفصحاء
يا صديقي أنشداني من الشع
ر جديدا أو فاسمعا قدمائي •••
ثم أمطرت من قصائد شكري
1
مثل فيض الغمامة الوطفاء
يا سحابا يمده البحر لن ين
فد ما قد حويته من ماء
لم أصفه بالماء إلا لأني
لم أجد مثله لري ظمائي
ثم أنشدت من قصائد عبا
س
2
كعقد الكواكب الزهراء
البعيد البعيد معنى ومرمى
يتجلى في لفظه الوضاء
يا صديقي أنشداني جديدا
ليس كالشعر جالب لصفائي •••
وتنبهت من نشيدي على صو
ت خرير المياه في الدأماء
فقطعنا الحديث ننظر للبح
ر غريقا في لجة من ضياء
إن بحر الشعاع يا شمس أقوى
من بحار مرهوبة من ماء
وبحار الظلماء أهول منها
تغرق الكون لجة الظلماء
بيد أن الإنسان قد ركب البح
ر ذلولا وطار فوق الفضاء
لم يعبه فردا سوى قصر العم
ر ولكنه عظيم الرجاء!
لو تخلى عنه الرجاء لما غا
لب ما في الوجود من أعداء
جاعل الجو والبحار عبيدا
كيف تقضي من أضعف الأشياء؟! •••
قال لي صاحباي: هل تبتغي الشر
ب؟ فأومأت طالبا للإناء
وتجرعت جرعتين، فخف ال
جسم حتى حسبتني كالهباء
ما أراني وقد سكرت أبالي
بجمال في البحر أو في السماء
وتلفت ناظرا لنساء
فتنسمت من عبير النساء
أحسب الخمر من حبائل (حوا
ء) فأكرم بأمنا (حواء)
كان تفاحها عصيرا، ولولا
ذاك لم يعص (آدم) في السماء!
باسم (حواء) هات كأسا وأخرى
باسم من كان أول الأنبياء
وتحادثن فانتشيت بسمعي
وتضاحكن فانتشت أعضائي
هن من هن، لا أطيل كثيرا
هن دائي، وهن بعد دوائي •••
طاب يوم الخميس
3
يوما وإن كا
ن مساء الخميس شر مساء
فيه حاضرت في النقابة
4
جمعا
حسن الظن طيب الإصغاء
فإذا بي أكاد لا أحسن النط
ق، فما كان كالأداء أدائي
خافت الصوت في مواضع يحتا
ج خطيب فيها إلى الإعلاء
رافع الصوت في مواضع لين
سيئ السمت، سيئ الإيماء
قيل عي مني، وما عرف السر
سوى صاحبين من خلصائي
شر ما كان في الخطابة أني
خلت نفسي مدرس الإملاء!
كنت أملي الكلام لفظا فلفظا
دائم الضغط في حروف الهجاء
هو عهد علي لا أشرب الخم
ر ولو كان فيه كل شفائي
صفقوا مظهرين شكرا لجهدي
هو جهد أضعته بانتشائي
كلمات التشجيع كانت عزائي
وأعادت بعد القنوط رجائي
كان في السامعين أستاذنا (الشا
ئب)
5
محيي روابط الأدباء
النقي الفؤاد من كل غل
البريء الحاني على الأبرياء
كاد تقديره المشجع يمحو
سوء ما قد جنيت من إلقائي
ثم أبصرت صاحبي (زكريا)
6
وأديبا في معطف من فراء
قال لي إنه الممثل فتو
ح
7
وأنعم بالاسم في الأسماء
شهرة قل أن تنال، وفن
يرتقي أهله عنان السماء
أي ظرف ودقة فيه، بل أي
فتون في النطق والإيماء
كدت أرتد للسعادة لولا
أنني في غمامة سوداء
اختمار يذود عيني وسمعي
ودوار في الرأس بعد غثاء
كان يوم الخميس لولا الحميا
يوم سعد وغبطة وصفاء •••
عند وقت الذهاب ناولني (الشا
ئب) ديوانك
8
الجميل الرواء
هالني منه حجمه، وعجيب
مثل هذا الإنتاج في الشعراء
شعر جيل هذاك أم شعر فرد؟
أي نبت هذا وأي نماء؟
استوى الكم في الغرابة والكي
ف فحيرت فطنة الفهماء
لا أهنيك بالإجادة، بل أش
فق مما عالجت من أهواء؟
كل هذي مواجد وشجون
وضروب من لذة وشقاء
كل هذا عالجته دون يأس
كل هذا قابلته بالغناء
فتغنى وقد ضحكت سرورا
وتغنى في الحزن عند البكاء
مرنت نفسك الكبيرة بالعط
ف فكانت مرونة في الأداء
والأساليب كالثياب، وبعض الن
ناس أسلوبه شبيه الإناء
لم يغير منه اختلاف المعاني
فهو يبدو كالآلة الصماء
أو كصندوق ميت، والقريض ال
حي كأس كسائر الأحياء
أيهذا الصديق لا تتبع النا
قد إلا بضحكة استهزاء
مصدر النقد للقريض هو الحق
د وإجداب فطنة وذكاء
يبصر الشاعر المعاني خيالا
لم يصور بصورة الأشياء
فإذا قال فهو أصدق من قا
ل، وقول النقاد محض هراء
لك مني يا صنو نفسي تحيا
ت مشوق إليك جم الوفاء (2) رد صاحب الديوان
أقبل العيد في غلائل صبح
نسجتها رشاقة الحسناء
وحوالي من براعيم تفا
ح هدايا (الطبيعة) الغناء
وغواني النحل العزيزات يرقص
ن وينشدن مستطاب الغناء
وبنات النخيل تحني رءوسا
في تحايا، والورد زاه إزائي
وحمامات جارتي مثلها ازدن
ن بأبهى القلانس الغراء
يلتقطن الحب الذي نثرته
كالتقاطي ابتسامها في رجاء
وصغاري في فرحة العيد حولي
توجوني بنعمة السعداء
وأتم التعييد من خالص الود
د رسول بشعرك الوضاء
وكأني الأمير بين فنون
جمة الروع من عزيز الضياء •••
لك والصاحبين شكري لذكرا
ي، وأجمل بذكر أهل الوفاء
غير ناس يوم الخميس الذي أو
حى إلى أصغريك شعر الإخاء
فترسلت في كتابك إبدا
عا بلا كلفة ولا استحياء
كالخضم الذي تدفق أموا
جا إلى الشاطئ الوفي النائي
يتلقاه في حنان وإن ثا
ر، كما يصطفيه عند الصفاء
إن صدق التعبير في الحر من لف
ظ حري بالشعر شعر البقاء
ذاك روح الفنان: لا يعرف القي
د كروح المهيمن المشاء •••
وأجدت التشبيه في وصفك الصي
ف وقد جاء خلسة في الشتاء
كان مثل المحب عندي إذا زا
ر جسورا مواطن الأعداء!
زار فيها ملاحة خبأتها
نزوات الأحقاد والبغضاء
وأراني قسوت مثلك في وص
في طباع الشتاء وصف العداء
وأنا من يرى الجمال مشاعا
في ضياء وفي مدى الظلماء
أقبل الصيف معلنا لربيع
بحنو الأبناء للآباء
ولدته الأم (الطبيعة) من قب
ل أبيه كمعجز الأنبياء!
فأخذناه مثلكم في احتضان
وسقيناه خمرة الأضواء
وحرصنا عليه يومين حتى
فاتنا بعد سكرة الإغواء!
وغنمنا منه لذكراه ألوا
نا من الزهر والحلى والبهاء
هي وعد منه بعود قريب
لمجالي العشاق والشعراء
عززته الأزهار من صبغة الح
ب، وضحك الغمامة الوطفاء
وائتلاق النجوم كالشرر المع
لن عن نار لوعة في السماء!
كل هذا بشير عهد زكي
وحياة عظيمة الإحياء
نام عنها الذين عاشوا من المو
تى كنوم الحجارة الصماء
ورأونا شبه المجانين من فر
ط سرور بوحيها واحتفاء! •••
وأراك الشاكي كثيرا من الخل
ق وقد أتقنوا فنون الدهاء
قال منهم من قال: لا خير في الصد
ق، ولكن في الفن والإيماء
أترى الفن غير صدق وإخلا
ص، أم الفن سفسطات الرياء؟!
لا تمزق وجدانك العمر بالشك
وى وتكفيك لذة البناء
لست والله من يفوقك في الحظ
فعمري قصيدة من شقاء
قد توالت منذ الطفولة آلا
مي كعد الأيام دون انتهاء
ولعلي إذا قضيت حوى قب
ري رصيدا منها ليوم الجزاء
إن من كان بالغ الحس لا يس
لم مهما صفا من الإيذاء
عشت للحب أنهل العمر منه
وأرى فيه راحتي وعزائي
وأعاف الشراب وحدي فأعطي
ه قريرا، والحب أشهى غذائي
فأجازى بالبغض ممن حبته
مهجتي الحب دون من العطاء
وأنا صابر، وأبسم للده
ر جزاء له على الإقذاء! •••
وذكرت النبي ينكر في المح
نة، لكن يجل عند الرخاء
فلماذا تطيق إخفاء ما تب
دع حين الأذاة في الإخفاء؟
ثق بما أنت منتج طالما كا
ن مثالا لحسك المترائي
أي حسن للماس في ظلمة المن
جم حين الجمال زين المرائي؟
أي عطر للزهر ما دام في الكم
م وإن كان آية في الرواء؟
أي سحر للبدر ما دام لا يط
لع مهما اشتهته عين الرائي؟
أي معنى للفن إن كان إضما
را بعيدا عن خاطر الفهماء؟
أي حظ يرجى لعمر جنين
غائب في قرارة الأحشاء؟
فتقدم ولا تهب، وانفح الشع
ر براح العلياء والأدباء
ما أرى الشعر في غنى عن نظيم
بنظيم، وعن سنى بسناء
وأرى الحسن لا يحد بحد
فمن الغبن قتله باكتفاء
ذاك عهدي، فإنني دائم النش
ر لحسن الألباب والأشياء
وكأني بها تعبر عن نف
سي، ونفسي مثالها في الولاء
كل ما شاقني لغيري تفاني
ت بتكريمه بلا استثناء
وأبيت الثناء مذ كان تكري
مي لروح تسيل في أعضائي!
فلتثق من خلوص نصحي لإبلا
غك أسنى مراتب الأكفاء
وحرام حرمان من روحه أو
لى بمجد السماء لا الغبراء
وإذا الناس أغفلوا الشاعر المب
دع ذاقوا خسارة الأغبياء
حينما روحه العظيمة تنأى
عن أذاهم في ملك هذا الفضاء
فعليهم خساره، وله الغن
م كغنم الضنين للأدعياء
وعليهم حرمانه الشدو باللح
ن، وقد صان لحنه للذكاء •••
وتحدثت عن مفاتن بحر
و«بلاج» خصصته بدعائي
خطرت (أفرديت) فيه وكانت
كرسول من أمنا (حواء)
وتجلت بكل هيفاء مرت
كتجلي الحبور في النعماء
خلعت كل ساتر من ثياب
غير ثوب الملاحة الزهراء!
وتمادت ما بين صد وإغرا
ء، بلا موجب إلى الإغراء
ولقد لحن أشبه الخلق بالشع
ر: خيالا، في ثورة، في ثراء
ما خشين الدأماء، والليل كالبح
ر، ولكن سطعن في الدأماء
وتحولن فتنة لبني (آ
دم) للثأر من وجود مرائي
وبروحي عودي أسيرا لنجوا
هن، مستسلما لحكم القضاء
أرجح الظن أن (آدم) قد كا
ن أميرا للشعر يوم الفداء!
وذممت السلاف، وهي لعمري
من عصير الأرواح لا الأهواء
كلما ذقتها أضفت إلى رو
حك روحا من أهلها الأوفياء
من بنات الكروم في حلل (العذ
راء) طهرا وفي ندى الحكماء
يرتضين الفداء للعاشقي
هن ارتضاء الخلود عند افتداء
وارتضاء الندى التبخر في النو
ر ليغدو أشعة من ذكاء!
خمرة الكرم هي أكرم عندي
من رحيق الجنان للأتقياء
هذه قد زكت بما تهب الأر
ض بعدل وما حوت من شفاء
حينما تلك شبه سخرية الرب
ب ومطل الشقاء للأشقياء
اشرب الخمر حين تشرب كأسي
ن فينهى إليك منك انتشائي
وابعث الكأس تحفة من نظيم
وكأني لديك في الجلساء
وإذا ما مزجت خمرك بالشع
ر تذوقت منك ري الظماء
لك في الراح منبر وقصيد
هو مغن عن منبر الخطباء •••
وتلطفت إذ تقبلت ديوا
ني بشوق تقبل الأكفياء
وغنائي فيه تعالى عن الزه
و فقد كان في غنائي رثائي
حينما لم يصب سوى الهجو من قو
م حياتي لهم فداموا بلائي
ومن الناس من تكون دواء
لأساهم وهم عيون الداء
غير أني أعيش في عالم مني
وإن قدروه محض الغباء!
في قصي آت من الخلق والدن
يا، وفي راحة من البأساء
حيث يرقى الجمال عرشا هو الحا
كم حكم البريء في الأبرياء
حيث يغدو الإنسان شبه إله
في غنى عن شفاعة الشفعاء
همه همة الفتوح وما يف
ضي إلى الحسن في اطراد النداء
ما له من سآمة يتقيها
أو ثقيل من مرهق الأعباء
بل له كل ما تمنى بعقل
قاهر نافذ إلى الجوزاء
فلمثلي سيان ذكراه مشكو
را أو القدح، بل فنون الهجاء!
فنظيمي لبي، ولو أحرقوا شع
ري لما بلغوا لجرحي بكائي!
في فؤادي أضعاف أضعاف ما صغ
ت، وقد صنته عن الأدنياء!
وكفاني أن يضمد الجرح في قل
بي خليل رأى همومي دمائي!
عطر الحب
ملأ النسيم الجو غير محاسب
بنوافح النارنج وهو طبيبي
فاستنشقته حبيبتي وتنفست
بالحب في لطف يضوع وطيب
ورنت إلي بسكرة من عرفه
فسكرت من عرفين سكر حبيب
جاد (الربيع) فكان من معناه أن
أحيت عوارفها ربيع أديب
واستنشقت أرج النسيم بلذة
فاستمتعت بشذى لها كنسيبي
1
فلثمتها شكرا على إسدائها
روحا ونوارا وبرء كئيب
فإذا (الطبيعة) تزدهي بغرامنا
وتريق عطر الحب دون حسيب
عيد الزهور
عيد الزهور. (إلى الصديق الأستاذ أحمد الشايب.)
طاوعت أشواقي إليك فلم أجد
إلا الخيال موافيا مشكورا
وقطعت كتبك وهي عند محبها
نور إذا عدم المشوق نورا
وقرأت عن عيد الزهور فزادني
شوقا إلى من نلت منه زهورا
1
ومشيت في لهف على أمس الذي
كم كان منك لمهجتي معمورا!
يممت بين تمتع وتمنع
ميدان من جعلوا الزهور قصورا
وأنا المفكر فيك، ثم مسائل
أترى أظل على النوى مذكورا؟
ما كنت إلا من نميرك شاربا
والروض قد ينسى الغداة طيورا
وسكرت من أنس لديك ولم أزل
رغم البعاد بسكرتي مغمورا
فإذا أفقت ولم أجد لك نعمة
جدت أترضى أن أساء شعورا؟
أين الحديث العذب منك قصائدا
وقلائدا و«نماذجا» ونحورا؟
أتراك ناظمه وخازنه؟ فكم
قد كنت تمنحه النهى منثورا!
لم ينسني حب أذوق وفتنة
حولي إخاءك ساعة وشهورا
في طي وجداني خيالك ماثل
والناس قد عدوا الخيال نفورا! •••
وبلغت موكب أي عيد باسم
بالزهر حين حسبته مسحورا!
جند الفراعنة العظام وغيرهم
من سالف الدولات قمن عصورا
ومراكب بالزهر كان قوامها
ومعاقل قد أحكمت تدبيرا
ومظاهر لقوى (الطبيعة) مثلت
آياتها في المهرجان عطورا!
وتفننت زمر الحسان فأطلعت
فن الجمال منوعا تصويرا
ينثرن أزهارا وفاكهة لنا
نثر الجنان نعيمها الموفورا
هذي مؤمرة وذي فلاحة
تتساويان ملاحة وغرورا!
وبدت (عروس النيل) تفدي، لا فدى
للنيل، تمتلك النفوس مهورا!
وبدت (مليكة مصر) في استعلائها
كالأمس سيدة الزمان دهورا
وبدا لنا (الخزان) وهو موكل (بالنيل) يحرس تبره المذخورا
عيد المرافع ملء عيد الزهر في
عيد الملاحة روعة وحبورا
وعجبت للحلاق - وهو مليحة -
طربا يقص شواربا وشعورا
والمشط مثل عصا الفقيه لجرمه
وحكت نزاقة عصفه (أمشيرا)
وعجبت للفتن الصدور عواريا
ينفحن آنافا لنا وثغورا
وعجبت للملح الحرائر وهي لم
تحجب عن الزهر الجريء صدورا
وعجبت بين تحايل لا ينتهي
ترك الجماد يفوقنا تعبيرا
ولرب ساقية بكت بالأمس قد
أخذت تدور كما ندور سرورا
الماء فيض للأزاهر حولها
ونفوسنا حقل روته خمورا
والحسن نهب للعيون موزع
ولو انه أحيا الموات نشورا
والخيل تصهل وهي جد فخورة
كالبدر قد جعل المساء فخورا
نخب الحسان طلعن أجمل ما اشتهت
عين، وأبهج ما حلمت بدورا
وقد استحلن أشعة وأزاهرا
وسلافة وعنادلا ووكورا
وقرأتهن كذاك شعرا دافقا
بالحسن ينتظم الخيال سطورا
ولمحت إحداهن ترمقني وقد
همست بأذن رفيقها تحذيرا
وهو الذي وخط المشيب سواده
لكنه الغزل العديم نظيرا
فعجبت ثم سألت نفسي: هل ترى
أستاذنا هذا يخاف ظهورا؟!
ولعلني لو كنت شاهدت الوغى
بالزهر
2
كنت عرفته المنصورا
17 مارس سنة 1929
صياد الطيور
(مترجمة عن الشاعر الإنجليزي ولفرد جبسون.) (1) الترجمة
ملأ الجو في الصباح نشيدا
من فؤاد رطب من الطير آبد
1
غير أني اقتنصته ضمن فخ
ذهبي عات كثيف المساند •••
بيد، أين الغناء: ما شاق سمعي
رغم حذقي لفن مكر كثير
أنا من رمت بيت طير تغنى
كنت أقضي بسجن قلب كسير (2) الأصل
THE FLOWER
A wild bird filled the morning air
With dewy-hearted song;
I took it in a golden snare
Of meshes close and strong. •••
But where is now the song I heard?
For all my cunning art,
I who would house a singing bird
Have caged a broken heart.
Wilfrid Gibson
المتأملة1
عزفت عن المزمار واستغنت بما
لاقت من الأنغام ملء تأمل
في عزلة بحمى الطبيعة مثلما
تحمي خشوع الراهب المتبتل
وأبت سوى النور الثمين دثارها
والنور منها يستعز ويجتلي
والسرو تنميه حرارة قربها
مثل الحشائش في العزيز من الحلي
ويكلل الرأس النبات بنضرة
منها، كأن النبت شبه مكلل
وترى الصخور تكاد تنبت تحتها
والجزع إذ لمسته كالمتهلل
وترى البعيد من التلال قريبة
في الحس ترمق حسنها في مأمل
والماء مندفقا هنالك صاخبا
حتى ترى فيرى بحلو تسلسل
وتظل بين تأمل وتأمل ...
فيم التأمل وهي أعذب منهل؟!
لقاء
الشاعر والحب
أعدت خفوق القلب من بعد حرمان
فبددت أشجاني، وجددت أشجاني
وكنت هجرت الحب من بعد غصة
توالت، فلما فته عاد يلقاني
تجنبته في كل حسناء راودت
فؤادي، فلما لحت أنت تلقاني
تلقى نزوعي مثل ناء بعودة
إلى الوطن الغالي وللأمل الحاني
وقد شبت من حزني، وفي الحب يومه
1
كعام، وحسبي في التفرق عامان
فلما التقينا
2
في لقائك لم أطق
سلوا، وهل كان السلو بإمكاني؟
لمن غيره عمري وكل ذخائري
وهل كان غير الحب رحمة فنان؟!
على هذه الدنيا الوفاء بحسنها
إذا شاءت الدنيا روائع إحساني
لتبذل أناشيد الجمال وبعدها
لتنشد كما تهوى بدائع إتقاني
على قدر منح الحب أبدع فنه
وهل كان غير الحب ملهم وجداني؟
قدمت قدوم الحظ بعد زواله
وكالجنة الفيحاء أثناء نيراني
فيا جنة المحروم رحماك بعدما
تعذبت في الآلام أضعاف حرماني
ذريني أمتع في وصالك مهجتي
فينصف مني القلب والفن في آن!
أخلد في فني جمالك مثلما
أبث جمال الفن في وصفك الساني
وإني بتوحيد العبادة مؤمن
فإياك أن تخشي بوادر إيماني
وفائي وفاء الروح لا اللفظ للهوى
وحاشاك أن تجزي وفائي بنكران
عشقتك عشق الخلد من خطف نظرة
فكيف بوصل من جمالك فتان؟!
أغاني الصيف
عودي أغاني الصيف واستبقي الهوى
في بث آمال وبعث أديب
مضت الشهور عليه يرقب عودة
لحنان (أفروديت) بعد مغيب
غسلت بباسمة الأشعة جسمها
وتعطرت بتغزلي ونسيبي
وتخطرت بين الأزاهر شعلة
للحسن وهي تلج في تعذيبي
فالجو فاض حرارة وتألقا
والزهر في ظمأ كقلب حبيب
وإذا النسيم موقف من رهبة
وإذا مجال الحب جد رهيب
أنى مشيت - وفي الرياض عبيرها
ومحبتي ودلالها ووجيبي -
رقصت أمامي في الظلال ونورها
أطيافها بمشوق وعجيب
والناس تشكو الصيف وهو لمهجتي
عيد من الأعياد غير مريب
فإذا الطبيعة فيه بين سذاجة
معسولة وسعادة لكئيب
لبست أفانين الدثار وإنما
شفت ولم تبخل مع التحجيب
بسطت بساط الحب بين رعاية
وأبت قيود الأسر رغم رقيب
فوهبتها قلبي الذي ما عابها
يوما ودان لها بأكرم طيب
واستمرأ الدنيا لأجل نوالها
في حالي الهجران والتقريب
عودي أغاني الصيف واستبقي الهوى
في بث آمال وبعث أديب
الشاعرة
قالت: بودي نظم شعر ساحر
كنظيمك المستعذب المطبوع
فأجبت: «يا أملي، كفاك تفننا
في الشعر بسمة لحظك المتبوع
وحلاوة في الثغر أستغني بها
عن كل حلو من جمال ربيع
ورشاقة ولطافة خلابة
ضمنت خلود تلهفي وخضوعي
هذا هو الشعر الصميم وغيره
1
لولاك كان يعد كالمصنوع»
الملكة الطريدة
فالنتينا أوسترمان
توجوها مليكة لبنات الروس في الحسن من معان فريده
فاعتلت عرشها بفرحة من خالت تحايا الورى الأماني البعيده
أسكرتها سعادة لم تنلها في منام والحب يتلو نشيده
وأفاقت من سكرها فإذاها لم تصدق أحلام نفس سعيده
خانها الحظ بعد إذ صدق الخاطر في خشية الليالي العنيده
ورآها القضاة ليست من الروس متى استوطنت ربوعا جديده
فتخلت برغمها عن سرير كان أولى بها وراحت طريده
واستوت بعدها عليه التي كانت على وجدها بيأس حسوده
هو طبع الزمان في اللهو والغدر، فكم لاح غدره تأييده!
خلعوها ولم ينل غيرها الحب، ولا الشعر رد عنها قصيده
واستوت فوق جملة من عروش في قلوب للحسن دامت عبيده
ذهلت من قضاتها حينما شاءوا قرار الجمال أو تقييده!
موطن الحسن لا يحد بأرض وله الحق أن يمد حدوده!
لا تنوحي أسى وحولك إعجاب ثمين فحاذري تبديده!
ولك الحظ ناظر من جديد من عيون ومن قلوب ودوده
إيه يا ربة الجمال التي تزجى إلى ملكها النهى والعقيده
والتي تترك العواطف ولهى إن أرادت والناس جمعا شهيده
اضحكي اضحكي، ولا تأسفي يوما على الخلق، بل وسودي وحيده!
الشك
أكاد متى ألقاك والصفو غالبي
أشك بصفوي رغم حبك بل أبكي
وما كان وجدي غير فرط سعادتي
ويا ربما كان اليقين من الشك
تعودت صاب العيش حتى وجدته
حياتي وإن آنست حلو المنى منك
فأصبحت في صفوي أنوح بمهجتي
وإن لم أنح ناح السرور فأستبكي
التوءمان
(1) الأصل الإنجليزي للشاعر هنري لونجفلو
As unto the bow the cord is,
So unto the man is woman,
Though she bends him, she obeys him,
Though she draws him, yet she follows,
Useless each without the other! (2) الترجمة
كما أن للقوس شأن الوتر
كذلك حال الفتى والفتاه
فإن هي تثنيه لكنها
تطيع إطاعة من يؤتمر
1
وإما دعته لدى جذبها
تبدت على نهجه في الأثر
كلا ذين دون رفيق أبر
عديم النجاح عديم النجاه
فجر
ولما أفاقت من عناق ونشوة
من الحب عادت تنتشي بعد بالحب
فقالت: أراني الآن في الفجر أجتلي
محياك - رغم الليل - باللحظ والقلب
فقلت: وأين الفجر أو سر وحيه
وذلك نور البدر يسطع عن قرب؟
فقالت: هي الأحلام أنت دليلها
بعينيك مثل الفجر للعين واللب
تبشر بالصبح القريب لمهجتي
كلثمك إذ يوحي لي الحب أو ينبي
الوصل
جلسنا في احتضان فالتقينا
بعصر للصبا وبعصر حلم
فللماضي نصيب من هوانا
وللآتي نصيب هوى أتم
وألثمها فألثم لي زمانا
تولى بين أشواق وغرم
يعز علي أن يبقى خصيمي
وذاك أخي الصغير وليس خصمي
وما لي لا أسميه فؤادي
وقد خطفته مني دون لوم
وعدت اليوم ألقاه وألقى
بها أمسي ومرجوي ويومي
النوم
من تصوير الأستاذ شعبان زكي.
كالضيف يختلس المضيف وما درى
كان الرفيق النوم عند النائم
وكما أصاب من الحياة بحذقه
نال المصور منه نيل الغانم
فإذا مضى في خلسة كمجيئه
فضحت خطوط الفن حال الراغم
1
يحتل من يهوى متى يهوى فما
فرق تراه بحاكم وبخادم
أنظر إليه وفي السكون سكونه
وله من الأحلام صدق الحالم
تلق الإمارة لا حدود لها، كما
تلقاه أقهر عادل أو ظالم!
عاف التأنق والفروق، وقد أبى
إلا التهاون في الزمان الهائم!
هيهات يقبل سنة وشريعة
لمظاهر حتى سرير الحاكم
إن جاء كان مجيئه مهما أتى
مستأذنا في غير إذن القادم
وكفاه عرشا للسيادة في النهى
والجسم ما يلقى كفاية ناعم
انظر إليه مسيطرا لا يعتني
بالملبس المتقلقل المتزاحم
حتى تحار كحيرتي من سطوة
فيه ومن ضعف كذلك دائم!
خطف قبلة
وكدنا - وقد حان الفراق - ولم نزل
من الناظرين الحائرين نحاذر
نودع توديع الغرام بلا هوى
يقال، ولا لثم سما منه شاعر
فقبل لحظ آخرا عنه نائيا
وقبل ثغرا عازف عنه آسر
وما برحا بين اجتذاب وخشية
إلى أن تلاقا طائعان وساحر
1
وقد خطفا رغم النواظر قبلة
فما لحظت حتى العيون النواظر!
رثاء شقيق
أنت يا صورتي بعهد صباي
لست إلا مثال خير شقيق
نظراتي إليك أفعمن قلبي
بشجون الأسى لأمسى الغريق
طفر الدمع ملء عيني حزنا
لفتى ذاب في الهوى وتهدم
حينما كان يرقب العرس ألفى
عرسه مأتما تناهى بمأتم
فأنا الآن لست أبكي لنفسي
بل بكائي على صديقي الأحب
مات بالحب في فؤادي وأبقى
رسمه إرثه ولاعج حبي
جامعات الجزاز
“The Gleaners” : من رسم جيان فرنسوا ميليت
Jean François Millet (1814-1875م).
يلقطن منبث الجزاز كأنما
يبحثن عن كنز بروح بخيل
ويسرن في صبر الحكيم منقبا
عما يفيد بنشوة التأميل
خلت الحقول من الغلال ونسقت
وعلت جموع دريسها كتلول
والناس في مرح النشاط حيالها
والأرض باسمة لرد جميل
صفراء من ذهب كشمس أصيلها
والجو مغسول بتبر أصيل
والقرية الحمراء ثم قريرة
ببناتها ورجالها وخيول
عانوا لفرحتها بيوم حصادهم
ولقوا بشاشتها أحب بديل
لا بدع إن غنوا وأشرق يومهم
واستغرقت خيل لهم بصهيل
لا غرو إن هم أسرفوا في حبهم
للأرض أو سكروا من التقبيل
ومضت رشيقات النساء جوامعا
هذا الجزاز كأنه طب عليل
يجمعنه في زهوهن كأنه
أولى بأن يختص بالتكليل
وحنين راضية الظهور بلا ونى
في حين لا تحنى لغير جليل
وحرصن طي ملاءة في حفظه
حرص المضيف على حياة نزيل
وتعده سيقان نبت ميت
وعددنه أثرا لروح نبيل
وكذا الحياة رسومها في قدرها
تبع لحظ الفهم والتأويل
فإذا الذي أصغرته لضآلة
حياه من يلقاه غير ضئيل
وتعاف منظره، وغيرك راسم
ألوانه في الشعر والتهويل
1
سبحان من جعل الجمال موزعا
فإذا الجميل يخال غير جميل!
انتقام
كلما حادثتك روحي تصور
ت صباي الفاني وقربك مني
واراك الصبية المتفاني
بهواها قلبي ولبي وذهني
ومحال لمثل نفسي نسيا
ن عهود الماضي وإن كن غبني
أنت تحكين عن جديد ولكن
ني وهبت الصبى مسرات أذني
فأنا لا أعيش إلا مع الأم
س، ومنه استمد قلبي التمني
وكأني جعلت هذا انتقامي
من زمان أطال بعدك عني!
الصيرفي وزوجته1
الرسم لمتسيس (1466-1530م) وهو من روائع متحف اللوفر.
للصيرفي إذا تمعن نظرة
هي روحه مبثوثة في ماله
تجد الحلي أمامه أحلامه
ومآلها متعلق بمآله
فإذا البقاء لها بقاء شعوره
وإذا الضياع لها قرين زواله
وكأنما الإمعان أكسب وجهه
طولا وكان التبر لون خياله!
يتأمل المال العزيز كأنه
يتلو عبادة مؤمن أو واله
ويكاد يحسب في الإطالة منتحا
كالذهن بعد تأمل لنواله
هو كل دنياه وأخراه معا
وجمال زوجته وأنس عياله
نظرت إليه وأمسكت عن نظرة
بكتابها واستمتعت بمقاله
2
وكأنها قد زوجت من ماله
وخصالها مقرونة بخصاله
وتوحدا بالمال حتى أصبحا
مثلين في التكييف من أمثاله
ماذا تضيرهما مباءة عزلة
وهما اللذان تنعما بجماله؟
عرفا الحياة تفانيا فتفانيا
بوجوده، واستعليا بجلاله
واستغنيا بضيائه عن بسمة
للحب، وامتنعا بصدق خلاله
وترى الجمود قسا حيالهما، وما
تدري سواه ببالها وبباله
في حين أنك في ولوعك قانعا
بالفكر، أو بالفن، أو بمثاله
ما كنت أسعد منهما في ميتة
المال حولها مدى آجاله!
المؤذن
نسيت يا من ينادي
مؤذنا للصلاه
أن الصلاة ضلال
إن لم تكن للحياه •••
كم من ملب دعاءك
وكاره للدعاء!
وقد تساووا جميعا
في غفلة أو رياء •••
لا خير في الدين إلا
إن عاش بالإخلاص
حين الصلاة جمال
وحين فيها الخلاص •••
فيجعل الناس طرا
شئونهم كالعباده
وإن أحبوا صلاة
كانت دليل السعاده •••
أضعت أمواج صوت
مرنح للأثير
وسامعوك نيام
وكلهم كالأسير •••
وربما لم تحرك
إلا عواطف طير
أصغى للحنك حرا
وأنت لست بحر •••
فكان بين سكون
حياله أو سلام
هو الملبي دعاءك
إذا تناسى الأنام!
أستاذتي
الصورة من رسم الأستاذ شعبان زكي.
لي طفلة أولعت منذ وجودها
بوجودها، فحياتها تفكيري
تعب الذين تحملوا أعباءها
وحملت أعباء لها بضميري!
خلقت من الإحساس فهي لفرطه
أبدا على قلق وفي تعبير!
جاءت كباكرة الفواكه عزة
لكنها حفظت لها تقديري
لبثت (صفية) مهجتي في عزلتي
ودليل أحلامي وأصل عبيري
وتزورني في مكتبي مسرورة
فتزيد من شعري ومن تصويري
حتى إذا ما عيد مولدها وفى
غنمت هدية مكتب وسرير
وخصصتها من حجرتي لسعادتي
بالجانب الوضاء في تبشيري
فغدت تشاطرني خواطر خاطري
في غير تبيان ولا تحبير
حتى إذا جلست لتنظر حرة
في دفتر التصوير مثل أمير
كانت مؤمرة على ما أشتهي
قبل الخيال ودفتر التصوير
صدق المصور لم تصل في جلسة
لعلو شباك أغر قرير
لكنها جذبت عيون ضيائه
في غير إمهال ولا تقصير!
وترى جموع الكتب ملن إزاءها
في حب سفر
1
بينهن صغير!
لم تدر أهون ما احتوين، وقدرها
بالرغم في عيني جد كبير
وتقول: يا أبتي، أنا تلميذة
لك إن سمحت وما اشتكيت صريري!
والدهر يعلم أنها أستاذتي
وملاذ آمالي ووحي سميري
من كان يسعد بالطفولة هكذا
وهو الفقير يكون غير فقير!
نهب وشعر
دعينا ننهب اللذات نهبا
من الأيام فالدنيا عفاء
ونغنم نعمة الأحباب فيها
وإن نال المحبين العداء
فنتركها إذا حان التنائي
كأن البعد غايته اللقاء
كأنا سوف نلقاها بزهر
يقبل بعضه وله رجاء!
وسوف نعود في شتى حياة
منورة تباركها السماء! •••
ولما حان توديعي أهابت
بشعري أن يرتل ما يشاء
فقلت لها: أخذت أرق شعري
مغازلة، فهل بقي الغناء؟
إذا نحن التقينا كنت شعري
وإلهامي، فمنك لك النداء!
دعي شعر الغناء إذن غراما
لديك ونظرة منها الضياء!
البؤس
من نقش الأستاذ شعبان زكي.
لم يبق من حظ لديه ببؤسه
إلا عصابة رأسه البيضاء
وكأنما سخرت به وبلونه
فبياضها في ليله إيذاء!
وبدا بلمعة ناظريه من الأسى
حرق، ومن نزف الفؤاد دماء
ويلوح مثل النبت صوحه الظما
فجفاه من بعد الدماء الماء
لاح العناء بوجنتيه، وورمت
شفتيه قبل هزاله الأرزاء
وغدا الكساء عليه مهزأة به
في حين لم يعمر عليه كساء
غلب الذهول عليه من إعيائه
وذهوله نطق له ونداء
فيلوح في عينيه لاشمئزازه
ألق، وفي اشمئزازه استهزاء
ويعض فيه الجوع وهو مقاوم
جلد، ويمنعه البكاء حياء
لكن تنم عليه مسحة وجهه
حيث التلهف معلن مشاء
وترى فما فتح العناء أمامه
سبل الشكاة فخانه الإدلاء
فإذا السكوت له مناحة شاعر
إن كان في بعض السكوت رياء
ألقى يد التسليم في سخط، وفي
عزف عن الدنيا، وعمن ساءوا
وأبى سوى مرآه لفظة بغضه
للناس حين جميعهم أعداء!
شعر الذكرى
أما التي خلفتني بعد فرقتها
لا أشكر (الحب)، مكلوما بذكراها
فما أزال سعيدا حين أذكرها
وما أزال شقيا حين أهواها
ما كان أرحمها لما نعمت بها
وبعد فرقتها ما كان أقساها
لو كنت أعلم أن الوعد غايته
أن لا تعود وأني بين جرحاها
لكنت آثرت أن أفنى معانقها
وأن أجود بروحي لاثما فاها! •••
واها على عاشق تطغى الجراح به
ولا شفاء له مما به ... واها!
يرجو الشفاء ويأباه، كأن له
في برح آلامه
1
إجلال نعماها
ما كان أولاه بالحسن الذي حجبت
وبالهوى والحلي ما كان أولاها!
إن تغن عن كل تجميل فليس لها
غنى عن (الفن) بالتقديس يرعاها
أسدت إليه جمالا من ملاحتها
وزين الحسن منه حسن مرآها
ومذ نأت صنت في شعري تحيتها
وحبها، علها ترضاه نجواها
فإن يفتني نعيم من ثناء فمي
فالشعر راح عزائي حين يلقاها
وإن يفتها عناقي في مغازلة
تزيدها ألقا بالسحر تياها
فما عداها
2
جمال الوصف في أدبي
فازينت بحلى من شعر ذكراها!
الإلهام1
الصورة من نقش فراجونارد
J. H. Fragonard (1732-1806م).
وتلفت الراني إلى إلهامه
كتلفت الإلهام نحو الراني
فتلاقيا في عالم متمنع
إلا على المتأمل الفنان
كم راعني من وجهه نظراته
للغيب والأحلام في إيمان
وجبينه المتألق الموحي بما
يوحي كتاب الفن في العنوان
لم أدر أيهما الأجل: أرأسه
يستقبل الإعصار دون توان
وقد انثنى في عزمة غلابة
متجهما متبسما في آن
أم مصدر الوحي العظيم وإن يكن
ما غاب عن حس وعن حسبان!
فكلاهما لولا أخوه لما غدا
مثلا لدين عز أو ديان
لولا التجاوب ما تتوج خالق
بصنيعه، بل ما تطاول فان
فإذا الألوهة في ابن آدم أشرقت
وإذا جمال الله في الإنسان!
ومتى نظرت إلى نوافذ لبه
نطقت بمغلق سره العينان
مسك اليراعة مسكة الخلاق في
حزم، وفي علم، وفي إمكان
والطرس يرتقب البيان كشأننا
في قبسنا منه صنوف معاني
ما كان غير الفن معجز حاكم
في هذه الدنيا وآية باني
بيئتنا
وقالوا لنا: في (مصر) أكرم بيئة
إذا ما اعتلى الباني فليست تعوقه!
وما عرفوا أن العظيم وإن سما
فبالرغم منها أن تنال حقوقه
وكم من عظيم في شعور ومهجة
يموت بها موتين جوعا وحرقة
يحف به الحساد من كل جانب
ويأبون حتى رؤية المجد ميتة!
فإن صدقوا فالصدق في عكس ظنهم
فقد تدفع الأسقام للبرء أحيانا!
وقد تخلق الأحزان بشرا لآمل
كما حرك الجلمود للفكر إنسانا!
وكم غارق حولي ببحر من الأسى
وفي الناس من قد عده فيه سابحا
يمن عليه الأدعياء لخذلهم
مناه، فهل لاقى المنية رابحا؟!
وما دام أهل الرأي أسرى عبادة
لأهوائهم والحقد، لا المثل العالي
فأي رجاء يرتجى من فنونهم
ومن رأيهم بالحقد والخلق البالي؟
ألا لا دواء قبل تهذيب روحنا
ولا خير في فن لغير أريب
يضحي بأسمى نفسه وهو منقذ
سواه لكي يحيا حياة أديب
فبثوا إذن في النشء دينا قوامه
محبة فن في إخاء وفي جهد
فيعرف كل أن أكرم عزة
حياة الفتى للكل والكل للفرد
فإن صح هذا فاذكروا بعد أننا
نعيش بحق بين أكرم بيئة
وإلا فخلونا بحسرة صابر
على ما يلاقي من صروف دنيئة!
البوهيمية1
من آثار المدرسة الهولندية في متحف اللوفر تصوير فرانز هالز
Frans Hals (1580-1666م).
لم تعبئي من هذه الدنيا بما
شغلت مفاتنها وهام الناس
فعلى محياك البساطة كلها
ومن البساطة قد يكون الباس
وحرمت عيشة زخرف ما شئتها
يوما فعز شعورك الحساس
فكستك أحلام القناعة ثوبها
إن لم يصنك من الحياة لباس
وألفت حر العيش غير طريدة
حتى تحرر جسمك المياس
وتحررت قسمات وجهك عندما
شغل الأنام بعرفهم مقياس
الحسن عندك في انطلاقك وحده
وسواه ليس له لديك قياس
لم تحجبي نهديك خشية ناظر
حين اعتدادك كله أحراس
أو تحذري من بسمة ممزوجة
بالسخر وهي بسخرها إيناس
أو تحفلي برشاقة وتحايل
حين التحايل صنوه الإفلاس
إن الأنوثة ملء زهدك هكذا
والزهد في ملكوته إحساس
فعلى جمالك مسحة علوية
هي للضمير وإن أبتها الكاس
وإذا نظرت إلى الغواية نظرة
عرف الغواية من حلاك الناس!
جلسة حب
جلست بقربي والنخيل مظلل
بعواطف الخلصاء والجلساء
والموز مزهو الصفوف أمامنا
والرمل في ألق السرور مرائي!
1
ويشوكنا سعف النخيل كأنه
روح الدعابة لا شكوك عداء!
فتبسمت فضممتها حرصا على
هذا التبسم أن يضيع إزائي!
وتنفست فلثمتها، وتمنعت فوهبتها
ما عز من حبي ومن أهوائي
قبل على الخد الأسيل ومثلها
فوق الجبين المشرق الوضاء
لم تنسني اللحظ الذي هو فاتني
فلثمته ونهلت نور رجائي!
ورنوت للشفتين أستوحي الهوى
ما ضمتا من فتنة الشعراء
فيطيب بالتكرار شعر صبابتي
وتعبدي وتهافتي وحيائي
شعر يجلببه الصموت بلذة
ويطيب فوق الزهر كالأنداء!
هو هذه القبلات والنظرات وال
أحلام والأشواق في إيمائي
أحلى العواطف في فؤادي وزعت
قبلا وأنفاسا وحر نداء!
وشعرت بالظمأ المعذب فترة
ثم انقضى، ثم استعيد ظمائي!
فعلمت ما معنى الوصال وناره
ما بين تبريح وبين شفاء
وعذرت من وصفوا الدواء برشفة
للحسن من شفة الهوى اللمياء!
لولا حنين لا يحد لعودة
لتحرق وتمنع ودواء
مرت بنا الأيام دون تنبه
في سكرة هي سكرة الأحياء!
في جلسة الحب العزيز، وعرشه
في الأرض تحسده عروش سماء
وأنا السعيد وإن أكن في غصتي
فسعادتي ممزوجة بشقائي
مستمرئا هذا النعيم وخاشيا
آن الفراق ورهبة الظلماء
وأقول للوقت السريع: تمهلا!
فيمر في خطف كمر ضياء!
وارتاعت الحسناء من رقبائها
وتوسلت أن لا أطيل ثوائي
2
فتضرعت مني الجوارح كلها
متبسما وتبسمي كبكائي!
فتنهدت وتحايلت: «باسم الهوى
إن كنت أعشقها بروح وفاء»
فنهضت مغبونا ومحسودا بلا
وزر، وكان لي الفراق مسائي!
عينان1
عينان فيما توحيان تمثلت
شتى الحظوظ وعزة الخلاق
غني الإله بما تبسم من هوى
بهما عن الإعجاز والإغراق
وكأنه سبحانه في حبه
لطف السذاجة في سنى الأحداق
قد صاغ حسنهما نموذج عشقه
فإذاه قدوة دولة العشاق!
سحر الألوهة هذه النظرات في
جذب، وفي بأس، وفي إشفاق
عمر شقيت به فداؤهما لما
لاقيت في شغفي وسوف ألاقي
لم لا يكون هو الفداء ومنهما
عمر يجدده جميل تلاقي؟
وأحس أني كالمؤمر ناعما
بالقرب حين أئن في استرقاقي
وأذوق من هذا النعاس حلاوة
وكأنما أحظى بلذة راق
2
وأكاد من نهمي برغم تمتعي
أشكو من الأقدار والأرزاق!
والنور للظل الرفيق وفاؤه
كالنبع للأزهار والأوراق
أستلهم الأحلام مما ضنتا
إلا على الفنان والمشتاق
كل البدائع إن هما رنتا استوت
في القبس واستجدت مدى الإنفاق
وأخص بالعطف الأحب لأنني
أدرى بآيات الجمال الباقي
حولت أنفاسي نظيم عبادة
وحييت أنشد ما أباح الساقي
حتى غدوت كأن عيشي كله
شعر، وما عيشي سوى أشواقي!
دنياي
يا وجهها إن فيك الحسن مشتعلا
واللطف ممتثلا والحب مجتمعا
يا ثغرها إن فيك النور مؤتلقا
والعشق محترقا والسحر مطلعا
يا شعرها إن فيك الموج مضطربا
والليل محتجبا والصبح ممتنعا
يا صدرها إن فيك الوعد منتهيا
والعطف مزدهيا والبر متسعا
يا صوتها إن فيك الوحي منبثقا
والشعر مندفقا والفن مبتدعا
روائع هي لي الدنيا بأكملها
ولن أقيس بها خلدا وما جمعا!
جواب الحب
واها لنا نازحي دار يشفهما
حب على ناره قلباهما طبعا
كانا معا ثم حد البين فافترقا
هل للغريبين عود للديار معا؟
صادق عنبر
قد يرجعان، ولكن من يعيد - كما
عادا - زمان شباب راح ما رجعا؟
فأعلن (الحب) من علياء سدته
أن الشباب رهين حيثما اجتمعا
أبو شادي
مرقش
مرقش (من رسم لورا نايت بلوندرة سنة 1929، وقد عرضت في الأكاديمية الملكية).
هو مشهد تجد الفكاهة مرة
فيه، وتعبس إن بسمت ثغور
تلقاه من خلف الستار، ودونه
يشتاق طلعة صفوه الجمهور
ما الألعبان - وإن ترنح - ما ترى
بل حظه في حسرة مغمور
مسك الإوزة وهي وهم مثله
في أنسه ففؤاده الممرور
وتسلسل المنبار من فستانه
للسخر، وهو ببؤسه مجرور
وترى على الوجه الحزين تقطعا
وعليه من هزل الحياة سطور
وتراه ينظر للرفيقة في أسى
نظر الشريد وقد جفاه النور
أخذت تجرب رقصة، لكن لها
في غير ما قد جربته شعور
هي تحفة للفن في هندامها
والفن عن آمالها محجور
تعبت وصيفتها ليبهج لبسها
في حين لم يبسط عليه سرور
وترى جموع اللاعبين إزاءها
كل له سأم يكاد يثور
هذي الوجوه العانيات جميعها
صور الحياة يسوقها المقدور
فترى العناء بها يعد تنعما
وترى الحبور بها جفاه حبور
وإذا برغم تنوع وتباين
تعب الحياة موحد منظور
وحي العام
هاتي بيانك يا نجوم وأشرقي
ملء الأزاهر فهي وحي العام
تفتر باسمة لأشجاني كما
تتبسم الأنداء من آلامي
قلب تقسمت الهموم صميمه
فإذا الدواء له رفيق سقام
يشقى لدنياه شقاء مكفر
عن جنسه في ظلمة الآثام
ويؤمل الأمل البعيد لمجدهم
بين الكواكب في دوام تسامي
فتدفقي بمنى الأشعة نحوهم
فهي الغذاء لهذه الأفهام
ودعي لشعري أن يكون معبرا
عن روحك المتألق البسام
فالشعر أنت بكل ما أوتيته
من روعة وجلالة وسلام
قبلة البرتقال
عشقت عصير البرتقال فذهبت
بعصيره الناري من شفتيها
ومصصت أخرى بعد أن جادت بها
فاستفت
1
حلو غرامها بيديها
حتى إذا لم تبق منها نفحة
وظللت كالظمآن عاد إليها
جادت علي بقبلة معسولة
جمعت شهي الخمر من حلويها
فغنمت خمر البرتقال بثغرها
وغنمت خمر الحب من شفتيها!
الشاريفاري1
من نقش لورا نايت
Laura Knight ، وقد عرضت في الأكاديمية الملكية بلندن.
في صفحة تجد الغرائب جمعت
للاعبين المبدعين فنونا
نقشت بريشة من تناهت دقة
واستوعبت ما حير المفتونا
عشرات أمثلة لدنيا صورت
رأسا على عقب، فكن جنونا!
من راقصات في الهواء بخفة
فوق الجبال وما اتقين منونا!
ومصعدات دون خشية سقطة
وجهلن من بين الحبال خئونا
ومن الخيول الجامحات وما اعتدت
الواثبات القاحمات حصونا
ومن افتنان الواقفين على شفا
موت وكان بحذقهم مأمونا
الساكنين على الكرات تدحرجت
والجاعلين من المسير سكونا
ومن القرود مع الكلاب يزينها
فيل تفرد بالغرور مجونا
وبدت عجول البحر في لعب لها
تحت الصوالج كالرجال فتونا
وبدا ألوف الناظرين كأنهم
أخذوا بما جعل الرءوس بطونا
تتوزع الأضواء حولهمو كما
يتوزعون تطلعا وكمونا
ويتابعون بغير نجح ما سبا
همما وآذانا لهم وعيونا
وكأن هذا النقش جاء مسجلا
في روح إعجاز رؤى وظنونا
هبيني قبلة
هبيني قبلة أحيا زمانا
بنفحتها ... أليس العمر منك؟
إذا التقت الشفاه بها تلاقت
بأسرار الألوهة من لدنك
وندت لي رجاء الحب حتى
رشفت بها رجاء الخلد عنك
وأقبس نارها نورا لقلبي
وأنهل لطفها ديني وشكي
نأيت فما عرفت الأنس أنسا
وكان الزهر لما بنت شوكي
وأنظر للملاحة في دموع
بوجدان اليتيم بكى فيبكي
عشقتك في الوصال وفي التجافي
فطاب لي التنعم والتشكي
فمن لي أن أراك، ولو بعمري
أراك، لبرهة تحيى لديك
فأغنم منك عيشي من جديد
بثغري الباسم الحاني عليك
وحين أعود للدنيا سعيدا
أودعها قريرا في يديك
على نغم من القبلات أحلى
من النسمات في لثم اللليك
1
فما قتل الغرام سوى عزاء
وما سفك الهوى روحي بسفك
الموعد
ذهبت لكي ألقاك مبتسم النهى
فما جئت رغم الوعد وامتنع الدمع
ولم ألق حولي في (الطبيعة) آسيا
فنفسي وما حولي تملكه الروع
وليس عزاء لي ينفث حسرتي
وحتى بكائي صار ينكره الطبع
كأني بحزني صخرة ضم جوفها
لهيبا وإن وافى بحيرتها النبع
فما حن لي ماء، ولا شاقني ندى
ولا الزهر فتانا، ولا الطير والسجع
تخيرت أنت الروض للحب مرتعا
وغبت فساء الروض إذ ساءني القطع
نفوس حيالي من نواك تعذبت
عذابي، ومنها نائح الغصن والزرع
فأي فنون هذه للهوى قضى
جفاؤك أن أشقى بها ولي الطوع؟
ومن قال وعد الحب خلف محقق
وإن عزاء الهجر أن يبخل الدمع؟
الوعد الضائع
إلى التي وعدها في الحب أخيلة
كالشعر، لكنها ما أنضرت أملا
هذا خيالي حنان فيك مندمج
وذاك وعدك لا ألقى به بدلا
1
نظمت في الشعر أنفاسي معطرة
كما حفظت به من مهجتي قبلا
وأنت أهديت لي نارا مؤججة
على كتاب، وإن قبلته جذلا!
فذوبت صفو أحلامي محولة
شعرا هو الراح يتلوها الهوى ثملا!
فأنت في عزة، والناس في طرب
حولي، وقلبي المعنى شابه الطللا
ما أظلم الحظ! شعر هاتف فرحا
لما أعاني، وروح ذائب وجلا!
النبي الجديد
المرأة العصرية
أرانا بعهد الجديد الفتي
فما الوحي فيه؟ وأين النبي؟
زمان تبوأ فيه (الجمال)
عروش النهى وعروش العلي
وكل المباني وكل المعاني
له في اتجاه المنى والرقي
تزاوج و(العقل) فاستثمرا
حياة الورى في سبيل سوي
فأرضخ ما عز من معجز
وضاعف من سحره البابلي
ونادى بدين جديد لنا
فما شذ حتى القوي العتي! •••
وفي ليلة زرتها قانعا
بحب بريء ولفظ شهي
فهشت تقابلني في سرور
بروح الوفي يلاقي الوفي
وجادت علي بشعر التحايا
الجميل البيان الطليق الروي
تزينه البسمات الغوالي
كما زين الحسن حسن الحلي
ويطرب بالفاتنات المعاني
كأنغام (معبد) و(الموصلي)
فجلنا بكل حديث لذيذ
من الفن والأدب العالمي
ومن ذكريات لأنس كريم
بملك الجمال النقي البهي
ومن حظ ماض غنمنا به
من الكون ما اشتاقه الجوهري
غنينا غنى فيه عن عيشنا
وعشنا بأحلام كون هني
فكافأتها بجديد الغرام
وجادت بسحر جديد علي
وأنطقت العود في عزفها
حديث الهوى الممتع السكري
فعبقت الجو أنفاسها
كما صبت الروح في مسمعي
وأحسست أني خلق جديد
له ما له من نهى العبقري!
فقلت لها: «يا إلهة نفسي!
أدين إليك بحظي النقي
وروحك أرواح كل الرجال
ونعمة هذا الوجود الشقي
وباعث كل المنى والحياة
وكل العظائم بعث السري
فلولاك عم الوجود الخراب
وغاب كوهم لنا كل شي!»
فقالت: «كفرت!» فقلت: «إلهي
يراك إذن أنت أنت النبي!»
غزلي
يا بهجة لفؤادي ملء حسرته
من لي سواك على نعماه يؤتمن؟
تعود الحزن حتى صار يطربه
ما دام منك له في حزنه الشجن
مرت سنون وقد مرت، وما برحت
روحي سناك، فقلبي فيك مرتهن
ما أعذب الألم المحيي ليالينا
بالذكر، لا البعد يمحوها ولا الزمن!
فما اشتهيت جمالا لا أراك به
فكل حسن به إبداعك الحسن
نيف وعشرون عاما منذ أن عرفت
روحي بأنك لي دين ولي وطن!
ولا يزال نشيدي فيك يا أملي
فالصب رغم هوان الحب لا يهن
يتلو غرامي بشعري عاشق غزل
يظن أن نعيم الحب لي ثمن
وآخر ليس تكفيه حرارته
كأنما لم تثر في طيه الإحن
وشاعر مشفق يدري - كما عرفت
عواطفي - شعر من عانوا ومن غبنوا!
وكلهم ليس يدري - رغم فطنته -
ما يضمر اللفظ بل ما يفصح العلن!
فلا (كثير) أو نجوى (جميل) ولا
شعر المحبة طرا فيه ما أزن!
عبادتي أنت أنواع مظاهرها
وكم معان لها قد فاتها الفطن!
وسوف أمضي لقبري لا أبوح بها
إلا لخلين: هذا الطير والفنن!
ويعرف الحب في قبري رفات هوى
حين الرفات نظيم صانه الكفن!
السحاب المقيم
أناف على الكون هذا السحاب
فما للسحاب مديد الأجل
وهل عمرته ذنوب الأنام
فحجب عنهم شعاع الأمل؟!
وداعا يا رفيقي القديم!1
الرسم للنقاش ف. ماتنيا (F. Matania)
في خلال الحرب العالمية.
هوى جائدا بالروح في ساحة الوغى
جواد له من خله حبه الأسمى
هوى من شظايا حينما جر خلفه
إلى الحصد ذاك المدفع الرائع الضخما!
فحرره من جله
2
ولجامه
لميتته من كان يحرسه دوما!
جثا جنبه من صدمة الحزن باكيا
يقبل رأسا منه أشبعه ضما
تدفق منه ذلك الدم مثلما
تدفق من باكيه حب له أعمى
بكى ورثى والصحب ماضون هلع
وضابطه يدعو فيوسعه صرما
3
وفي قربه وقع القنابل ناشر
خرابا، فما بالى وإن هدمت هدما
أحس بيتم في منية خله
كأن لم يذق من قبل ميتته اليتما!
وقد شعر الطرف
4
الذي كان كله
وفاء إلى من لم يكن وافيا رغما
وما الدمع إن جاد الجواد بروحه
وإن كان حزن النفس أحرق إذ أدمى؟
ويا رب للأرواح حس موحد
من الفهم مهما يختلف حالها جسما!
وقد يقبل الميت العزيز عزاءه
قريرا، ويبقى صوته روحه فهما!
ومن كان هذا حبه وشعوره
فهل ذاق للسلوان عن خله طعما؟ •••
عجبت لإنسان عظيم بحبه
وفي جنبه قلب إلى شرف يظما
ولم ينس حتى في المخاطر هكذا
جوادا، وعد البعد عن موته وصما
ولكنه هيهات يعرف رحمة
إذا سأل الإنسان من عطفه السلما
يوزع أسمى الحب في كل منهج
ويعطي أخاه الحرب والنكبة العظمى!
الرسول
بشراك يا قلب! هذا خطها فأعد
نشيد خفقك في حب وفي طرب!
لا تشك من هجرها من بعد ما عطفت
من يغنم الخمر لم يسأل عن الحبب!
وذاك إنشاؤها يا عين فابتهجي
بكل حسن طريف نافح أدبي
لا تذكري الدمع في شكواك باكية
من ظلمة بعد نور غير مغترب
وتلك ألفاظها الفيحاء عابثة
للشم واللثم في تشويقها العجب!
فاستمتعي يا حواس النفس راضية
بما تمنيت بعد الوجد والوصب
وا فرحتي بعد يأس بالغ وأسى
شعرت أني به أصلى على لهب
فعدت للجنة الغناء في أملي
فكيف بي حين ألفى الحسن في طربي؟!
في العريش
من نقش الأستاذ شعبان زكي.
لم يلق غير الرمل آية حسنها
فروى المصور رملها أمثالا
ضاقت بها الطرقات حين تمددت
فسح البيوت الضيقات مآلا
فنرى المساكن ثم جد صغيرة
وترى الفناء حيالهن توالى
وكأنها الأحلام تغرقها المنى
أو كالحقائق إن أطعن خيالا
وصحا بها الجو الجميل فأشرقت
جدرانها كطيورها آمالا
بنيت من الرمل الأصيل كأنما
هذي الرمال بزهوها تتعالى
وعلت مشارفها الطيور بصيرة
بالغيب تستوحي الإله تعالى
وقرأن شعر (أبي العلاء) فرحبت
غربانها بضيوفها إجلالا
وكأنها أهل الديار، وحظها
حظ الرجال السائدين رجالا
إن السذاجة في (الطبيعة) فتنة
مثل الوداعة في الفنون جلالا
ومن المحبة في الوجود ذخيرة
للحسن يلهم روحها المثالا
فيرى الجنان إذا عدمن محبة
دون الرمال إذا اصطفين رمالا
أنساك؟!
مقطوعة غنائية
ما زلت لي أحلى المنى
بل أنت لي فوق المنى!
يا مهجتي لا تجزعي
يا مهجتي أنت أنا!
أنساك؟ هل ينساك من
لولاك لم يدر السنا؟
1
ما كان حبي هينا
إن كان صبري بينا
هل نعمة الدنيا سوى
ذكراك ذكرا يجتنى؟
إن يغنم العذال تش
ريدي وراحوا بيننا
فالقلب يأبى حكمهم
والحب سلطان لنا
دنياهمو دنيا الهوا
ن ونحن أسياد الدنا
العجز
إذا تأملت مجهودي وقد طمحت
نفسي إلى بذل أقصى جهدها الفني
سخرت منه ومن نفسي متى قنعت
به، وأسرفت في نقد وفي طعن
وكدت أبكي على عمر مضى تلفا
فصرت أهلا به للغمز واللمز
صغرت عن حشرات صرت أكبرها
فليتني من يساوي دودة القز؟
أحلام صياد
رسم المصور واهما أحلامه
ولربما صدقت له الأوهام
هذا هو الجرو النئوم، وما انتهت
في نومه الألعاب والآثام
فحياته صيد مديد ما له
حد، وما لفنونه أحكام
يتوسد القش الحنون، وما درى
أحواه قش أم حواه رغام
غلبته من سنة الكرى خمرية
فإذا ملامح وجهه أحلام
وازرق أنف طالما أشقى به
وانجاب
1
ثغر ساء لا يلتام!
وكأنما عيناه في صفو الرضى
بخياله وجبينه بسام!
في حلمه رقصت له هرر كما
رقصت له في أنسهن عظام!
وكأن وقع هريره في نومه
وغطيطه ما تلهم الأنغام!
وتمادت الجرذان في لهو وما
خشيت ولا أودى بها الأخصام
قضمت شهي البسكويت أمامه
لو أنما هذا الإمام أمام!
وتناوبت أذنا له في عضها
وهو المسالم حين ليس سلام
واستمرأت رمي الكرات حياله
فإذا الكرات سواخر ظلام
وهو الأسير لنومه أسرا فما
يقوى كمن عبثت به الأسقام
يا ليت شعري هل تناقض حلمه
أحلام سادته متى هم ناموا؟!
غناء العاشق
هل في الحياة سوى رضاك حياتي
أو في الممات إذا أردت مماتي؟
أملي ويأسي! حسرتي وسعادتي!
لو تأذنين نعمت في حسراتي
حسبي استماعك لي وحسبي لذة
قربي إليك ولو على أناتي
هذا الغناء وما به من لوعة
روحي مقسمة على نغماتي
فإذا استمعت إليه صنت لمهجتي
عمرا بما تسدين من إنصات
وإذا أبيت سوى العزوف أضعتها
بطريدة الأنغام والآهات
والناس تحلم بالجنان ووعدها
وأنا حليف النار في جناتي
وأحب هذي النار لو لك لذة
فيها، وأحسب حرقتي كحياتي!
البعد الرابع
الزمن
أأرقب فيك (الله) والنعمة الكبرى
وهل منك أستوحي الملاحة والشعرا؟
لئن كان ما حجبت كونا مصردا
1
عن الناس أجساما، فهل تخذل الفكرا؟
وإن كان لا يدريك قوم حياتهم
ممات فهل وافاك من فاتهم حرا؟
أليس لأرباب (الفنون) ألوهة
وفي كونك المستور تستودع السرا؟
وما كنت مخشي العرام
2
كعالم
نعيش به طحنا ونتركه ذعرا
وهوب
3
لمن ناجاك بالوحي مسعدا
فليس الذي ناجاك من يشتكي الفقرا
إذا اندمج الفنان فيك تمثلت
له نعمة (الدنيا) كما بانت (الأخرى)
فيسمع أنغاما ويبصر جنة
وحسنا وسحرا لم يكن أبدا سحرا
وما الموت إلا نقلة لا نهاية
ومبدأ عمر فيك قد دام وافترا
شعاع وأمواج يقصر حسنا
بعالمنا عن أن يشق لها سترا
إلى أن نعلى (للسبرمان) بالحجى
فتعشق أرواح لنا فيك مستذرى
وليست تناصي
4
الشمس بل قد تفوتها
دوامج
5
تغزو الكون أجمعه طرا
مصاليت
6
أبطال نجوب بلا ونى
بكون سلام لا نسام به ضرا
لنا غزوات (للسعادة) دائما
كما قد عرفنا البعث والخالد الدهرا! •••
وقلت لمن قد عير (الشعر) حاسبا
به الوهم مسطورا وغفلتنا الكبرى «وهمت فليس الشعر في صدق روحه
سوى صلة بالكون لا هبة صغرى
وكل خيال فيه حسن محقق
لدى الشاعر الفنان يبذله نشرا
يترجمه لكن يفوت أجله
فما لغة الدنيا سوى لغة الأسرى!
وما اتسعت للوصف عن غير ما بها
وللشرح عما قد سما نيرا قدرا
فإن شئت عش عيش الجسوم مضللا
أسيرا، تظن الأسر للمادة الخيرا
ولا تلق تثريبا على الشعر بينما
يقود نفوسا في ظلام الأسى حيرى!»
الجد وحفيده
وحي صورة دمينيكو
Domenico (1449-1494م) المودعة بمتحف اللوفر، وهي مثال لفن المدرسة الفلورنسية.
يتناجيان: فذاك جد رامق
1
بحفيده ما غاب عنه ولاحا
يلقى بعينيه طفولة أمه
ويراقب الآتي به وضاحا
2
وكأنه الكنز العزيز يحوطه
وبروحه يستودع الأرواحا
صحب السنين لياليا، فإذا رنا
لصغيره يتوسم
3
الإصباحا
لم تترك الدنيا له من لذة
إلاه، أو أعطت سواه رباحا
4
وهو القنوع به، يود لو انه
يحيا سياجا حوله ورماحا
عركته أحداث الزمان، وهمه
أن لا يذوق حفيده الأتراحا
ويفيض من عينيه فرط حنانه
وتحول
5
طلعة نفسه
6
مصباحا •••
وترى الصغير يخصه بعبادة
كالطير أله في أبيه جناحا
هذي اليد الحاني به في لمسها
تلك العباءة بلغته طماحا!
7
ما كان أسعد منه بين تأمل
في حضن ذاك الجد حين أباحا
يرنو إلى الوجه الحزين كأنما
بهمومه يتأمل الأفراحا!
وكأنما هو معقل لرجائه
ويرى العسير متى رآه متاحا!
8
ويرى الصباحة في المحبة وحدها
ومن المحبة ما يفوق الراحا
ويرى تورم أنفه حسنا له!
والطفل كان خياله فضاحا
9
صور الأمور قوامها بعيوننا
ونفوسنا مشدوهة
10
وصحاحا
فإذا رغبن فأي قبح مخجل؟!
وإذا أبين فأي عطر فاحا؟!
أنذروني!
أنذروني، بانتقال لي جديد
روعوني، يا أسى القلب العميد!
ما لدهري هكذا مغرى بحالي؟ •••
يا فؤادي، عد للحن من عذاب
يا ودادي، مت كما مات الشباب
أنت موهوب لآيات الجمال! •••
نور عيني، كان لي وحي الغرام
حين بيني، مثل عيش في ظلام
أو كأضغاث خيال لخيال! •••
من لروحي، بعد تركي للحبيب؟
وجروحي، هل يواسيها النحيب؟
ودموعي هل ستجري كمآلي؟ •••
يا إلهي، كيف قد أغضيت عني؟
في تناه، كيف قد جازيت فني
شر حرمان بهذا الانتقال؟ •••
صفو حلمي، بعد تأميل سعيد
مثل وهم، ليته كان المديد
يتناهى في عذاب ومحال!
طيف الحياة
رأيت فيما يرى الوسنان من حلم (طيفا) جميلا على بعد يحييني
فقلت (للنفس): «من هذا؟» فجاوبني
صوت لها: «هي من ترضى فتحييني»
تمدنا بصنوف الوحي هادية
كما تمد حياة الماء والطين
فليس في الكون مخلوق بلا صلة
بها، ولو كان في عد الشياطين
فكيف نجهلها إن كنت خاطبها
كما ادعيت ولم تحرم كمسكين؟
فقلت (للنفس): «حقا أنت ملهمة
فقد ضللت بأوهام تؤاتيني
هي (الحياة) بلا شك ممثلة
حسناء قرب نضير من بساتين
ونحن في صحراء التيه يشملنا
جهل من العيش أو جهل من الدين
تومي إلينا وتدعونا لنعمتنا
ونحن نجهل مفروض القرابين
فكيف أحظى بأسباب توفقني
إلى رضاها، فهذا الجهل يعييني؟»
فلاح لي (الطيف) في حسن يحيرني
ونوره فتن للب تغويني
وقال: ما دمت من قدرتي فأنا
روح (الحياة) ومعبود الملايين
وسوف أفضي بسري كي تلم به
فلا تدوم بدنيا للمساكين
واشكر (لنفسك) إخلاصا فإن لها
فضل اتصال بآمال تلبيني
أجيب عنها
1
جوابا إن عنيت به
فإن حظك إذ ترضيه ترضيني
فقلت: «سمعا وطوعا! أنت فاتنتي
وإن تناءيت عن أحلام مفتون!»
قالت: إذن دع ظنونا منك خاطئة
إن الظنون تراث للمجانين!
واسمع عظاتي لتحظى إن بررت بها
بحظ قربي وإسعادي وتلحيني
عليك سعي لأسباب مبلغة
على النجاح وأسباب لتمكين
وما النجاح الذي أرضى رعايته
سوى سعادة وجدان تناجيني
وما السعادة إلا أن تكون فتى
له جهود تسامت عن هوى الهون
يرى بها مبدأ يحيا الضمير به
منزها عن خسيس السعي والدون
أساسه العلم في حرية ضمنت
له البقاء عزيزا غير مغبون
وهمة من صروف الدهر هازئة
وعونها الصبر يبقى جد مسنون
إذا رأت فشلا لم تبك من جزع
بل باغتته بعزم غير مطعون
فهذه خير أسباب مبلغة
إياك خير نجاح جد مضمون
علم وسعي وتفكير بلا ملل
وصبر عات على أرزائه الجون
2
حتى ينال النجاح الفخم مقتدرا
وإن هوى مات كالغر الميامين
انظر إلى (الغرب) تلق السعي رائده
منظما جهده تنظيم تعيين
فكل فرد له شأن يخص به
وكل شأن له تقسيم تفنين
وكل مقتدر منهم ومجتهد
هيهات يرجع عن وعظي وتلقيني
والفرد منهم يرى للغير واجبه
كما يراه له في كل تفنين
العلم قائدهم والصبر رائدهم
والفكر والبحث في كل الأحايين
ولا يبيعون حقا بالذي ورثوا
من وهم أجدادهم بيع الملاعين
3
فكن بصيرا لنفس لم تسائلها
وغذها بجلال ماثل دوني
واعلم وردد تعاليمي مجردة
للنشء عن كل تجميل وتزيين
مبادئي قوة تغني مجملة
بطبعها، وهي إذ تغنيك تغنيني
فقل لنشء جديد في نضارته
خذوا من العلم آيات الفراعين
لا تقنعوا بقشور لا غذاء بها
ولا تردوا بمردود البراهين
وقدسوا مثل دين لا شكوك به
حرية الفكر أو مثل الرياحين
وحاذروا من قنوع فالنجاح علا
لا ينتهي بين سوسان ونسرين
أنتم بعهد صناعات مسودة
فلا تهونوا بأقدار المساجين
عهد به الأدب العالي كهندسة
والشعر كالراد طب في أفانين
4
فبجلوا العلم تبجيلا كأن له
لسان خالقكم قبل النبيين
وحالفوا الصدق والإتقان واعتصموا
بكل كافل تهذيب وتكوين
ولتنشدوا «المثل الأعلى» كأن لكم
في غيره عيش منكوب (بسجين)
5
كأنكم وحدكم أهل لعالمكم
تكونون (سبرمان) الشواهين
6
هذا هو النجح عندي لا سواه فما
مظاهر البذخ الخداع تكفيني
وليس تطربني أحلام حالمكم
إذا لبثن كأحلام تنافيني
ولست من يرتضي عيش الممات لكم
بين الغرور وألقاب الدواوين
ولا صياحا بلا جدوى لأمتكم
ونوعكم كعواء للسراحين
7
فإن نجحتم غنيتم من سعادتكم
بنجحكم عن جنان الخرد العين
وكان منهاجكم هذا مبلغكم
مجدي وحبي وإيماني وتأميني! •••
ثم انتبهت على صيحات فتيتنا
باسم الجهاد سكارى في الميادين!
عيد الإسلام
شغل المسلمون بالأوهام
وتناسوا مفاخر (الإسلام)
شغلوا بالنزاع في كل أمر
غير مجد وأولعوا بالخصام
كم تعاموا عن حق بعض لبعض
وتمادوا في دفع ذام بذام
وتخلوا عن نصفة فإذا هم
طعمة للهوى وللأخصام
والذي يشتكي ومنه الرزايا
ضحكت منه نقمة الأيام! •••
أمة النبل والهدى من قديم
آن أن ترجعي حياة العظام
أمة المسلمين في كل أرض
ضمختها مآثر الأقدام
أين أين الإخاء والهمة الكب
رى مكان الهوى والاستسلام؟
جاء عيد ومر عيد وما زل
نا عبيد الأوهام قبل اللئام
ما عرفنا معنى التضافر في الجلى
كعرفاننا صنوف الطعام!
جل ما يشغل الذين تصدوا
للزعامات ضلة المستهام
وافتتان بشهرة وافتنان
بعداء لكل مجد مقام
جهلوا أمسهم وما كان فيه
من تسام ما جازه متسام
هو عندي ما زال صبحا وضيئا
وحياة ومرتجى إلهام
هو عندي جمال روح وفن
وجلال أبثه إعظامي
وأرى العيد يوم يعرف قومي
همة المجد في هموم الكرام
ذاك عيد (الإسلام) عندي، ومثلي
لا يداجي، ولن يرى المتعامي
فشفيعي الإخلاص إن بدل المد
ح ملاما وعاف عيش الظلام
وجعلت الملام تهنئة الحب
ب لقومي في العيد قبل ابتسامي!
إسكندرية
قصيدة وصفية وجدانية (إسكندرية)! ما أرق هواك
وأحب كالزهر الندي نداك!
هاتي نوافحك الزكية! أنعشي
قلبا يرى لي الحلم حين يراك!
إن أنس فلأذكر نعيم طفولتي
والحب يحرس مهجتي بحماك
و(الرمل) حيث روى الطبيب بأنه
طبي، وحيث منازل الأملاك
1
وليالي القمر العزيز بما وعت
والفجر والإشراق فوق ذراك
و(المكس) صومعة الجمال بعزلة
للنسك: نسك الحب فوق رباك
أسوان من خوف الغرام بفرحة
فكأنني الشاكي وغير الشاكي!
غلب الحياء علي حتى لم أكن
أبكي وإن أن الفؤاد الباكي!
يا للصغير وما أطاقت سنه
عبء الهوى القاسي لغير فكاك
ذقت السعادة فيك ملء تحرقي
وشببت في شغفي فعشت فتاك
وفقدت من أهوى ودمت عزيزة
عندي فذكراها إذن ذكراك! ••• (إسكندرية)! أنت تاج (النيل ) بل
تاج لأجيال سكن ثراك!
يا بنت (ذي القرنين)
2
عل رفاته
هي سر ما يوحيه وسم علاك!
صانوك بالسور العظيم وما دروا
إيمان هذا الماء حين أتاك!
وفتنت (بحر الروم) قبل شعوبه
فالبحر بين العاشقين فداك!
ونراه في رقص الطروب، وتارة
كالطفل مزهوا كمن حلاك!
من ذا الجريء مصغرا لك بهجة
جمعت من الأقمار والأفلاك؟!
لو يصغر النشء الجديد جمالها
فالمجد في العهد القديم كفاك
بالأمس كنت منار فلسفة كما
قد كنت بحر العلم والإدراك
3
واليوم ألمح في سمائك سحرها
وأرى (لكاليماك) شعر هواك
4
وفتوح (قيصر)
5
في الأصيل نشيدها
ولو ان في شفق الغروب لظاك!
6
وأكاد أسمع للقلوب خفوقها
من وعظ (سنتي مرك)
7
حين دعاك
وأرى التألق في رمالك بعض ما
تركت (كلوبطرا) لمن يرعاك!
وشذا النسيم شذى لها، وخفوقه
آهات (أنطونيو) إذا وافاك!
ثغر الجمال ودار فلسفة النهى
للحب ما توحي به شفتاك! ••• (إسكندرية)! لا عدمت نداك ما
بقي الندى وبقيت من ناجاك
مهد المحبة في طفولة خاطري
ورياضها لجوى الشباب الذاكي
البشر طبعك، والملاحة صورة
مصقولة في البحر صقل سناك
تتبسم الأزهار قربك دائما
وكأنها ما أينعت لولاك!
ولك الرياض كفيلة بنعيمها
للعاشقين، كذا وللنساك!
وتغرد الأطيار حتى إنها
لتظن في تغريدها كملاك!
من لم يصدقني عليه بجولة (بحدائق الشلال) بين أراك
ليرى ضروب روائع وبدائع
هذي موطنة وذي لحراك
ولديك من فتن الحسان نوادر
بقيت على الأحقاب صفو جناك!
زرق العيون وسودهن، عوارف
صيد القلوب بأسهم وشباك!
أورثن سحر الأقدمين، كأنما
بوركن بالكهان تحت سماك!
أشهى مرنقة الخمور صباحة
فوق الخدود فكن زين حلاك
يخطرن فوق الشط مثل عنادل
فإذا فتن خففن للأكشاك!
ويعمن في البحر المنعم تارة
ويثرن حرب اللهو لطف عراك
ويقمن من حجج الجمال لمعرض
شركا يصيد تفلسف الأفاك
فإذا القلوب شهيدة وسعيدة
إن تنس عقباها فما تنساك! •••
وطن الملاحة والصباحة والهوى
يحلو لدى التكرار وصف مداك
قالوا: أأنت منعم بإقامة
فيها؟ فقلت: غناي بعض رضاك!
وأنا الذي لو عشت في صحراء ما
لاقيتها إلا بذكر لقاك!
وأفيض من طبعي القناعة والرضى
فأحيل ما هو موحش مرآك
طبع الذي هو شاعر من لبه
ويرى (الطبيعة) كلها إياك!
لا شيء فيها ما يعاب، وإنما
العيب في الأذهان لا الأشواك!
وإذن فكيف سؤال من هو جاهلي
عن لذتي ومناي في مغناك؟!
حسبي تمثل ما مضى من نعمة
وتأوب
8
للطيف في نجواك
لست المحاسب للزمان فإنه
دوني، وحسبي غنيتي بغناك
لم ألق في الدهر العبوس منغصا
إلا لقيت مهازل الضحاك!
فإذا شكوت كفى بسمعك آسيا
ولرب سمع كالطبيب لشاكي!
وأراك في حلمي عزاء كآبتي
هيفاء راقصة، فألثم فاك!
أشكو إليك من التي في لهفتي
نفرت ولم تذكر جميل وفاك
إحدى بناتك: من رأيت جمالها
تمثال حسن لا أقول سواك
لكنها ليست مثالك في الوفا
فلمن أبث ضراعتي إلاك؟!
الشاعر الفنان يشقى في الهوى
وهو السخي على الزمان الحاكي!
حين الصخور من الأنام حظوظهم
حظ الألوهة في شموخ عداك!
فإليك يا وطن الحياة بما وعت
من فتنة وتبسم وتباكي
شكوى فتاك، وما بها شكوى سوى
شغفي، ولا مرمى سوى مرماك!
تتساءلين؟ ...
تتساءلين متى يكون وداعنا؟
أترحبين إذن بيوم وداعي؟!
لا تظهري ألم الحزينة للنوى
ودعي الشجون لقلبي الملتاع
ماذا أبحت؟ وما الذي ظفرت به
روحي بقربك غير خطف شعاع؟
فضل علي، ولم أصنه فإنه
قد سار في شعري ونفح يراعي
غنم الذين ترنموا بتأوهي
وبقيت في شجني وفي أوجاعي! •••
تتساءلين؟ ... أما اكتفيت بأنني
أبكي وأضحك في خبال الناعي؟!
أبكي جنوح الحظ عني دائما
والحظ يبسم لي بغير قناع
علمته هذا التقلب جانيا
والسخر من حرقي ومن أطماعي
وكأنما الحرمان خصب عواطفي
وكأنما الآلام من إبداعي! •••
تتساءلين؟ ... فأي أنس فاتن
أسديت مشفقة على إشعاعي؟
أغويت أحلامي وغبت قريرة
ورجعت آبية وراء قلاع!
وغنمت تسليمي بلا شرط ولا
قيد، وما قدرت نبل دفاعي!
ومدحتني مدحا رضيت نقيضه
لو صان لي قلبا رهين ضياع!
وتركتني المهزوم والمحروم والمك
لوم في أرق وفي استسماع
وبخلت حتى بالعناق لعلني
أمضي الضحية في سرور الواعي
وزعمت أنك لي! فما أقساه لي
عطفا! وما أحلاه في الأسماع!
وقضى دلالك أن أغص بقبلة
وأنا الشجاع فكنت غير شجاع! •••
تتساءلين متى يكون وداعنا؟
أترحبين إذن بيوم وداعي؟!
القصر الحزين
في جيرة سيدي بشر.
على ربوة من شاطئ البحر قد بدا
حزينا عليه من شحوب المنى وجد
وفي قربه الأمواج بين تلاطم
وبين اصطدام حوله النحس والسعد!
وقد نضر العشب الذي في فنائه
ولكنه ذكر من الأمس يمتد!
وقد أغلق الكشك الذي كان موئلا
لحارسه مذ صار يحرسه المجد!
تأملته في صورة منك نقشها
يجدده مذ فاته الحظ والجد
ويا حسن هذا اللطف في وقفة الرضا
ونقشك ألوانا يحن لها الورد
خلعت عليه من ملاحتك الحلى
أشعة حسن كلنا حوله عبد!
وقلت: أهذا الرسم ما أنت تشتهي؟
فقلت: كفاني أنه بك يعتد!
خطوط لها جم المعاني التي حوت
حياة وسحرا لا يقاس به الحمد
تعجلت في تكوينها مثل خالق
فما فاتها الإتقان لو نالها النقد!
وما قدر شعري في بيان وزينة
ونقشك هذا الفن والنور والخلد؟
فما صغته يغني غناء بقدره
عن الشعر، لا يخبو ولا هو ينهد
فيا ليتني (القصر الحزين)، فعندها
إذا زلت لم يحسب كفقد لي الفقد!
حفظت له في لوحة الفن عمره
وعمري مهما جل غايته اللحد
وشابهته في شهرة وتعاسة
فأدركه عطف وما جاءني بعد
وأسمع وعدا من غرامي بجنة
فتنتشر الأحلام حولي والوعد!
وكل إله ذو وعود جميلة
وليست وعود منك يحصرها العد!
يا سلوة الروح
يا سلوة الروح هل للروح من أمل
إن غبت عنها بأخراها ودنياها؟!
لم تحمد العيش إلا حينما عرفت
فيك الألوهة فاستافت حمياها!
فإن نأيت فما هذا الخلود لها
شيء، وإن عدت عاد الخلد يرعاها
ولن تموت إذا آثرت جيرتها
فإن رحلت فخلي الكون ينعاها!
عودي تعد رحمة الله سابغة
ونضرة نعمت بالحب أسراها
عودي فما حرقة الذكرى بآسية
وأي سلوى لروح أنت ذكراها؟!
الحب الطريد1
من ينصف (الحب) الشقي الطريد
من بعد ما صوح أشهى الأمل ؟
قد أوصد الباب فصار الشريد
عن بيته بين الأسى والملل •••
في وقفة الوجد بحسن الفتاه
لم يعرف الحسن بها الجاهل
عريانة في طهرها للجناه
والمنزل الأولى بها غافل •••
قد أبعدوها وهي في قربه
كالسائل الراجي على بابه
أيحرم (الحب) مني قلبه
ويبعد (الحب) عن النابه؟! •••
لم تلق من عطف جميل الوفاء
في ظلمة اليأس سوى عطف نور
قد سربل الحسن البهي الضياء
وضمد الحب الجريح الطهور •••
وبعثر الزهر لغصن حزين
تمايل ثم هوى قربها
وأعلن الطير بمثل الأنين
شجونا لها وشجونا بها •••
فمدت ذراعي جمال وسيم
وأطرقت الرأس لهفى وحسرى
تناجى الشباب فيبكي النسيم
ويمضي الشباب إلى اللهو أسرى •••
إذا أصبح (الحب) روح (الجمال)
طريدا، للهو الورى بالتدني
فهيهات تسمو نفوس الرجال
وهيهات تغنى بمحض التغني!
وردتي
وتمايلت نحوي فكدت أبوسها
شغفا وأنشق وردة في خدها
فأبت بخفة طائر متدلل
ورمت لدي يتيمة من وردها
فأبيت تحفتها وإن أعززتها
وسألتها منحي رضا من ودها
فتجاهلت وتساءلت وتمايلت
فغنمت غنم وصالها من صدها!
حتى اصطلحنا واتفقنا راضيا
عن قبلة من وردها في بعدها
فلمست وجنتها بزهرتها، وما
أحلى الجنى من خدها في ردها!
فتفتحت وشممتها ولثمتها
أولم تك الخمران نفحة خدها؟!
هفوة
ولما تلاقينا وصارحتها المنى
وجادت على حبي بوعد مؤكد
مضيت كأني أملك الكون مفردا
وإن صفرت كفي، وإن عطلت يدي
وآن أوان الوعد فاحتلت ضاحيا
سعيدا وقلبي في رجاء مردد
فأعلنت الأقدار أني غباوة
ضللت مكان الوعد بل وقت موعدي!
فوا لهفي للحظ تفنيه هفوة
ووا حرقي للنار في موعد ندي!
جرى الدمع من عيني قبل تلهفي
سرورا فحال الدمع حسرة موجد
ولم أرض عذر الدهر حتى عرفتها
كأني ضمنت السعد في اليوم والغد!
فلما بلغت الحظ من محض وعدها
وأملت من دهري الذي لم أعود
تبدد حلمي بين هفوة خاطري
وهفوة دهري مثل روحي المبدد!
سياحة في غرفة
مداعبة
سكناك بيت بخيل
سكناك منزل جن
إن أنس لا أنس حظي
من بيته المتجني
تأمل الكف لما
بادرته بالسلام
وقال أبشر بحظ
آتيك يا ابن الكرام!
ولم تكن تعنيه
إلا حظوظ اقتداري
ليطمئن لدفعي
لا نعمتي أو يساري!
حتى إذا ما سكنت
ببيته الملعون
وجدت فيه شذوذا
وللشذوذ جنون
فيه الصراصير غنت
كراهبات عجائز!
وما يحل حرام
وما يحرم جائز
وانبث فيه البعوض
وكان أصل الدنجى
فلا نجاة لأهلي
وليس لي منه منجى
ورغم ذلك نادى
بأن طبي الجاني
أليس هذا الفنول
1
روائح الشيطان؟
ولا تسلني عما
تقول فيه الريح
وعن سخاء لغيث
وعن دجاج يصيح
وعن جيوش الذباب
وعن صراخ العيال
وعن طبيخ كريه
كطبخ روث البغال
حتى تخيلت أني
ما عشت في (اسكندريه)
ولا بمسكن ريف
بترعة (الجعفريه)!
لكن غرفة نومي
وتلك بيت القصيد
كانت مصابا جليلا
في كل ليل يزيد
كم طقطقت ألواح
في أرضها عند مشيي
وطفلتي في انزعاج
تبكي فألعن ليلي
حتى اكتسبت أخيرا
تحايل الملاح
وصرت أعلم علما
دقائق الألواح
فصرت كلي انتباها
أسير مثل السفينه
محاذرا من صخور
ومن شباك كمينه!
لكن أقضي برغمي
وقتا طويلا بجوله
حتى أكاد لخوفي
في المشي أنفق ليله!
وقد سئمت انتقالي
من منزل لسواه
وصرت أوثر همي
إن لم تسؤ عقباه
حتى رأيت أخيرا
وعل رأيي صواب
إن المتاعب هذي
مدارس لا تعاب
فجئت أنشد فتوى
من الصديق (الشايب)
قد شاب في الدرس حقا
وصار مفتي العجائب!
في تأمل1
تأملت في خفة كابتسام
وما حجب الصدر إلا القليل
بثغر رقيق
كزهر قرير
ولحظ رشيق
بكم نضير
ووجه يبث المنى والسلام
يشم على البعد شما يطيل
وروح الغرام!
وفاء الجميل! •••
وذلك شعرك تاج يزين
ويسرى يديك تصون الكتاب
بلون غلا
كسفر الحياه
وموج حلا
خطير مداه
وفيه استحال الضياء الأمين
فماذا نويت لهذي الرقاب
نعيم الحزين!
فمنك الحساب؟! •••
وبين الأنامل ذاك القلم
تأملت يا فتنة للوجود
عشيق لفيك
وروح الزمان
ومنه يفيك
ومعنى المكان
حقوق الجمال بأحلى نغم
فجودي علينا بعطف سعيد
إذا ما احتدم!
يجازى الشهيد!
نادي الغزل
بدت (الرشاقة) من نوافذه كما
جعلت مقاصير الشبابا جنانا
طاب السرور به فكان أشعة
وحلا الغرام به فكان حسانا
فمررت أقرئه التحية حينما
شغلته دنيا الحب عن دنيانا
شغلته عن أملي وعطف تحيتي
وعن الصحاب فما درى نجوانا
لكن أطل (الحب) بعد فواتنا
فالتاع مما ساءنا وشجانا
ورأى - وما هذي بأول مرة -
كم ذاق شاعره الأسى ألوانا
يحيا بحرمان ويقطف غيره
حلو الجمال كأنه ما كانا
ويسائل العشاق عن ألحانه
وهم الذين أبوا له الألحانا
حرموه أمثلة الجمال فحاصروا
أنغامه واستسهلوا الحرمانا
حتى إذا افتقروا إلى أنغامه
لم تكف لا روحا ولا أوزانا
قبلة
أنعم بها قبلة
في ردهة السلم
خطفتها طائرا
فطيرت من فمي
لعلها حولت
لنكهة في دمي
وإن حلت في فمي
وزينت مبسمي
كأن حلمي بها
ولهفتي مغنمي
كأنما جددت
عمري وروحي الظمي
فما لغير الهوى
وسحره أنتمي •••
أنعم بها قبلة
في ردهة السلم!
بروحي ...
بروحي التي من جودها أسر مهجتي
وعينان نجلاوان تأتلقان
أهاب بقلبي خاطري أن يصونه
وكيف وقلبي في الغرام يعاني؟!
مشيت إليها كالجريح لحتفه
وأجمل بحتف في ظلال حسان!
مشيت إليها والهوى جاذبي لها
وفي ألق العينين كنز معان!
وقد عصبت ذاك الجبين فطوفت
وحدت منار السحر للمتفاني
فلما تلاقينا تهيبت حسنها
تهيبها حبي ونار بياني!
وما هي إلا نظرة فتوردت
لها طلعة تروي نعيم جنان
وما هي إلا بسمة فتفتحت
تفتح زهر في ربيع جنان
فأشرق ذاك الثغر بعد سحابة
وآمن فيها الحب بعد أمان
فحيت غرامي بالرشاقة مثلما
جعلت تحياتي خشوع لساني!
وقبلت منها راحة طاب لثمها
لروحي ولم تخلق لغير بناني
فأغنيت عن إعلان شوقي بلفظة
لدى قبلات في حياء غواني!
1
إلى أن دعتني للجلوس بقربها
فسرت لدنيا الحب في خفقان
وفي زرقة العينين طهر سمائها
وفي بسمة الإغواء زلة فان!
فألفت بين الطهر والإثم ناعما
وفي الحب مهما شط يأتلفان!
المفاجأة
من رسم كابان.
على غرة منها دنا (الحب) هاويا
عليها بتقبيل، فرف له القلب
تأمله يوفي الخد لثما معانقا
رقيقا، فيحييها ويبهجها السلب!
على صدرها ضمته في رفق لطفها
وفي لثمه روح وفي روحه رب!
فلله ما أحلاه كالطفل لاهيا
وإن كان هذا اللهو يتبعه الحرب!
ولله ما أسناه كالملك الذي
يجمله طهر وتحمله سحب
بدت في جمال للطبيعة فاتن
فمظهرها سحر ومظهرها طب
وما ازينت إلا بزينة حسنها
فتصبو إلى ثوب تدلى ولا تصبو
تحول فضفاضا عن الكتف التي
حلا مثلها جيد ولامسها (الحب)
ويا حسن شعر مرسل فوق جسمها
يحجب من شهب وتبدو به شهب!
ويا حسن هذا الوجه في بسمة الهوى
يفيض ببشر كله شغف عذب
ويا حسن عينيها انطباقا على منى
من الحلم والأحلام شيمتها الوثب!
وقد نظرت شزرا إلى (الحب) في رضى
وقد فنيت فيه كما فني الصب!
«حانوتي» الأدباء أو اللحاد
أقسم الغر أن يحقق دفني
قلت: أكرم بجوده المبرور!
عشت عمري عيش الفقير، وأخشى
ميتتي مفلسا وبؤس الفقير
فهنيئا لمهجتي بعد يأس
بضمين دفني بلا تقصير!
نفقات الجنازة اليوم هانت
فله الحمد من قرير شكور!
غير أني أخشى له الموت قبلي
ثم أخشى على المدى تعميري!
ومحال أن يستطيع جبان
دفن حي بالطعن والتزوير!
إن دفن الأموات سهل، ولكن
دفن بعض الأحياء جد عسير
إن وقف النجوم عن دوران
مثل طمس الأعلام بالتدمير
هو وهم المفتون لكنه يق
ضي على نفسه بشر مصير
ظلمة الفقر
كم سمت نفسي من قصوري عثرة
حتى جعلت مآلها التقصيرا
فكأنني ماض بها في حندس
أو أنني أعمى يقود ضريرا
وجعلت لومي للخصاصة وحدها
لولا الخصاصة لاغتديت بصيرا
إنا بعصر نوره من تبره
من فات روعته يكون فقيرا
رجائي
ألقيت في الحفلة الأدبية التكريمية التي أقامتها جماعة من أنصار الأدب الجديد بالإسكندرية بالاشتراك مع نقابة موظفي الحكومة في دار النقابة يوم الخميس 27 ديسمبر سنة 1928.
سمعت حديث الود والأدب الندي
فمن لي بشعر في مدى الشكر منجدي؟
حرام على قلبي قبول ثنائكم
إذا لم يكن طوع الهوى قلبي الصدي
سخوتم طويلا بالمديح وإنه
لمدح لكم، لا مدح ذهني ولا يدي
وهل أنا إلا فكرة قد تجسدت؟
وهل أنا إلا عبد فكري المجسد؟
فمن عزها فهو الأعز بحبها
ولا فخر لي إلا بديني الموحد
ولولا هواكم ما أضاءت وأشرقت
وهل كان نور دون نهج ممهد؟
أدين إليكم فوق محدود دينكم
إلي، وهذا الحفل أكرم مشهد
ومن قال إن الكون دان لفرقد
يبالغ، إذ كم خلفه ألف فرقد
فأنتم جميعا كالكواكب وزعت
أشعتها شتى لران ومهتدي
ويا رب نجم مزده بين جمعها
يكون أقل الجمع في القدر والدد
1
وذلك حالي في رعاية عطفكم
وذلك شأني ملء يومي وفي غدي •••
أودع في (الإسكندرية) جنة
عبدت بها آي الجمال المنضد
رق حواليها (الطبيعة) مثلما
ترق المنى حول السعيد المؤيد
لها خفة الطبع الأصيل وبهجة
على سفر الأجيال لم تتبدد
حننت إليها طول عمري كأنما
إليها تناهى أصل روحي ومولدي
وأتركها في حسرة حينما نما
بلبي افتتاني بالجمال الموطد
أودعها لكن بنفسي مثالها
يظل كريما في فؤادي بمعبد
ومن قال إن الحسن يسلوه عاشق
يعيش لهذا الحسن عيش مخلد؟
وهل كان شعري غير إيمان مهجتي
وعشقي وإحساسي ولحني المردد؟
أصوغ به نفسي كأني خالق
لها من جديد في نظيم مجدد!
وعوتبت من قوم لخصب عواطفي
وإنجابها للشعر غير مقيد
فقلت: عفاء أيها الناس إن أبت
كأبكم أو في مثل إحساس جلمد
2
رأيت القليل الشعر مثل كثيره
سخيفا إذا ما كان صنعة أرمد
3
ولكن شعر النفس إن قل أو ربا
4
سواء لنفس السامع المتودد
وحسبي صدقي في شعوري وأنني
أقاسمكم إحساس قلبي وسؤددي
وحسبي أني أبصر الحسن دائما
وأنفر من قبح الحياة المجرد
وأعمل جهدي آسيا ومداويا
بشعري كطبي بين مرضى وعود
أعيش لنوعي لا لنفسي وحدها
وأنشر روح الحب غير مبدد
ولي المثل الأعلى حياة تعاون
بها الحسن يسمو مثل عقل مسود
لذلك من قلبي أحيي إخاءكم
كما سامحت نفسي خصومي وحسدي
فلا خير في شعر لنفس حقودة
ولا في غناء من أثيم مغرد
فما ذاك حلوى تستطاب وإنما
هو السم معسولا لغير مفند
5
يؤدي مذاقا للخصومة والأذى
ويلفى الردى في طبعه الساقط الردي
وما نحن في دنيا الجريمة دائما
ولكن بدنيا في مدى الخير تغتدي
نعيش بها في نوعنا لا ذواتنا
وذلك أسنى من حياة التقيد!
وتمضي مضيا للجمال برفعة
يداني بها الإنسان أبعد مقصد
ومهما سما لم يختم نهضة السنا
ويبقى على الأحقاب في حكم مبتدي!
فأجمل بحسن لا حدود لخلقه
وأكرم بمجد لن يزول لمهتدي
خلقنا بلا مبدأ، ونلبث هكذا
بلا منتهى في سؤدد بعد سؤدد!
فيا عظم الفنان من صاغ روحنا
لتحيا على الأدهار أكرم عسجد!
إذا صهرت عادت نقاء وروعة
وتبقى على الآباد تنضو وترتدي!
ونشكو صروف الدهر والدهر ضاحك
فما كان يوما نحونا بممرد!
حمى نفسنا الكبرى وكم كان خادما
لها، ونراه في قساوة سيد
فأحرى بسامي النفس نسيان نفسه
إذا اندمجت في نوعه المتجدد
لذلك في رأيي تناسيت مهجتي
وبالنفس خلان العقيدة أفتدي
فذاك مثالي في الحياة ومذهبي
وذاك نعيمي في الهوى غير مفرد
ومهما لقيت الهم والبؤس والأذى
فلست بدين البشر يوما بملحد!
إذا اضطربت نفسي تبسم شطرها
وجود بآيات (الطبيعة) مسعدي
فأخجل من ضعفي وأرمق عطفها
قريرا بلحظ نافذ متوقد!
فيضحك مني جاهل بعد جاهل
ويسخر مني غافلا كل أبلد
وأشفق إشفاقا عليهم لأنهم
يعيشون في مثل الصفيح المصمد!
6
فما همهم إلا ظهور وشهوة
وشكوى على يأس كشكوى المطرد
7
غرور وعجز في تفلسف فاقة
فأعجب بها في ساخط وهو معتدي
أرى الأدب العالي التفاؤل دائما
فذلك للآتي الأعز كمرصد
نرى منه دنيا للجمال قريبة
تزود دنيانا بما لم نزود!
ونبصر شتى من حياة هنيئة
يراها المريض النفس في روع مرعد
8
فذلك ديني، ثم سعيي، وما له
أصوغ نظيمي وهو مجدي ومحتدي
9
فما قلت إلا كان قولي مشاعري
وإن هضمت علما وحكمة أيد
10
وما قلت إلا كان شعري رسالة
من القلب ناجت كل خل ومقتدي
فليس ثنائي دون صدق طويتي
وليس ثنائي غير حب مؤكد
فإن تقبلوه كان ذلك بهجتي
وزاد بكم عمري كشعري المعيد
بدر الحصاد أو قمر الصيف1
من تصوير السير فردريك ليتون.
بدر الحصاد قدمت أكرم مسبغ
نور الجمال على جمال حقول
راعيتها بمنازل لك مشرقا
2
حتى حللت بمنزل مأمول
3
وبدوت أزهى ما تكون ملاحة
ونظرت نظرة سحرك المعسول
فإذا الحقول من الغلال تلألأت
وتبسمت لسخائها المبذول
وإذا ضياؤك (للملاحة) و(الهوى)
بعد العناء تحية المسئول
تعبا بغرس قد لحظت نموه
ونفحته بالنور غير ملول
الشمس تكسبه الغذاء نهاره
وسناك يرقبه
4
لغير ذبول
حتى إذا تم الحصاد استسلما
للنوم في ملكوتك المكفول
ناما، وقد أبدى لنا مرآهما
لحظ الخيال بطيفك المنقول
وتعلقا بك في السماء، وبيننا
نعما بحلم للشباب عجول
مرأى حكاه الفن في تصويره
وحكاه هذا الشعر غير جهول
والحب غاية ما يؤمل غارس
أو حاصد في عالم مملول
لولاه ما فرح الألى تعبوا، ولا
دأبوا برغم دوافع وعقول
هو صفو إكسير الحياة لأهلها
وهو الضمين لحسنها المصقول
فإذا رأينا فيك رمز نعيمها
فتلق ما نبدي بروح قبول
الرائد1
إذا بلغ الأسماع صوتي فإنني
لأغنى به عن كل صيت وإكبار
فوا عجبي ممن يعيش لشهرة
ويفتن بالتصفيق فتنة مهذار
وما شهرة الإنسان إلا كمنبر
تعين على نشر لوحي وأفكار
فإن بلغت بالجهد فهو جلالها
وإن لم تزد عن كونها عون أوطار
ومن تخذ الصيت الفخار لزهوه
فأهون به في زهوه سخر أقدار!
فما الصيت يبقى للذي هو مجدب
ولا هو ينأى عن سخي بأثمار
وكل احتيال بعد هذا سخافة
وكل نضال بعد هذا من العار •••
وقال صديقي: ما أرى الناس قد رضوا
بما قلته، بل كان موضع إصغار
فقلت: كفاني أنهم شغلوا به
وأترك للأيام تقدير أشعاري
بحسبي أني قد هدمت حوائلا
من النفر الحساد للأدب الساري
وبلغت صوتي عاليا في كرامة
وهيهات أعنى بعد هذا بآثاري
سأتركها تطوي المدائن والقرى
على عجل، أو في تمهل أسفار
فأنى بها حسد العليم ولم أكن
لأجعلها جسرا لنشوة أغرار
كفاني أني قد ضمنت مسيرها
وحسبي علمي قدرها بين أقدار
وما حفل الرواد يوما بهاتف
ولا بجزاء من جحود وإنكار
وإني على ضعفي لرائد بيئتي
جريئا أوافيها بحبي وإيثاري
أجدد طورا، ثم أهدم تارة
وأبني الذي أبني مآثر للقاري
فإن صدفت عني فالدهر مسمع
يصون ندائي عن تجاوب أحجار!
بعد الصيف
اضحكي يا رمال
من هدير المياه
غاب ملك الخيال
وتجلى سواه •••
ذاك بحر الدموع
من بكاء الزمان
فهو دوما مروع
من مآل الهوان •••
كل حسن بناه
بيديه يزول
ومرارا رثاه
وأطال العويل •••
اضحكي يا رمال
من فتوني العظيم
أنا عبد الجمال
الضرير الحكيم •••
جئت أرجو لديك
فتنة اللاعبات
فحنوي إليك
هو للغانيات •••
أين أعشاشهن
الغوالي الحسان؟
أين لهو لهن
حوى الافتتان؟ •••
سامحيني إذا ما
عدت عود اليتيم
أتنزى سقاما
بعد موت النسيم •••
سامحي طول مكثي
والتفاتي إليك
تلك روحي ببحث
عن نعيم لديك •••
فتشت فيك عما
تعرف الذكريات
حينما البحر ضما
دولة الفاتنات •••
حينما قد مرحن
ونقشن الثرى
ثم غبن ورحن
بعد أسر الورى •••
ويعود الأسارى
يسألون الرمال
في ولوع الحيارى
عن خطوط الجمال •••
مثلها لن يضيع
رغم غدر السحاب
ذاك شعر بديع
خالد في كتاب •••
يقرأ الملهمون
في شعوري بيانه
عل شعر الجنون
فاق شعر الرزانة!
الوعود
إذا كان في دنياي شيء أعده
صدوقا وإن لم أبله فهو الموت!
سمعت وعودا في حياتي كثيرة
وصدقتها لكن تناولها الفوت
وقد ضحكت مني ولكنني الذي
ضحكت كأني بالعقوق تسليت!
كأني (پروميس) الذي لم ينل سوى
شقاء جزاء للذي كنت أسديت
فإن صالح الأقدار بعد تخاصم
فلست مصافيها ولا أنا عاديت
لتعبث بي الأقدار ما شاء حكمها
فإني لصبار وإن أنا عانيت
وما خوفي الإعصار بعد هبوبه
إذا انطفأ المصباح واندلق الزيت؟!
وأي جحيم بعد أخشى لهيبه
إذا احترقت نفسي كما احترق البيت؟ •••
وناجيت حظي ثم أغفلته وقد
تذبذب، حتى جاءني فتأبيت!
عرفت زماني بالغ اللؤم خائنا
وما (الحظ) إلا ابن له يوم ناجيت!
لئن نلت منه بعض بر محقق
فمن قاس ما أعطى بما أنا أعطيت؟
إذا هو حياني ففي غده أرى
نقيض الذي آنست منه ولاقيت
فأصبحت لا أبكي ضياع مروءتي
إذا الخل عاداني عقوقا وصافيت
ترقبت عمري أن أساء معاندا
دواما فأسقاني (الشقاء) وأسقيت
شربنا
1
على نخب الولاء كأننا
صديقان مذ كنا فدام ووفيت!
فإن عضني غدرا وصحت معانيا
ونحت تعلت حكمتي فتباكيت!
على أي شيء في الحياة مدامعي
وما وسعت بعض الذي قد تمنيت؟!
وأي جمال غير ما قد لمحته
بنفسي، فإن تشكر فما أنا حابيت!
رأيت بها (الدنيا) جمالا، ومهجتي
تقاسي، وكم أخفيت ما كنت قاسيت!
إلى أن أتتني فتنتي صحبة الهوى
بوعد برى نفسي لأني باليت
فحالت ظلاما بعد نور لناظري
وأنهيت أحلاما بهن تناهيت! •••
أما وفؤادي كاد يقتله (الهوى)
ويا طالما في الشعر بالحب داويت
وقد بات مثلي يجهل (الحسن) حقه
فأمسى بعيدا عن ندائي وأمسيت
وما زلت أجني غير ما قد بذرته
ويتبعني العذال واللو والليت
فبالله رفقا واتركيني لحسرتي
هنيئا، بلا وعد سما فوقه الموت!
غير فني
سئمت حقا
من لفظ «فني»
فلي صديق
عليه يبني
ولي خصيم
نفاه عني
وصار نوعا
من التغني
وكان أيضا
من التجني
فبات ما لا
تود مني
تراه لغوا «وغير فني!» •••
فقلت: أهلا
بنور ذهني!
سأصطفيه
لكل دجن
وأدعيه
لكل غبن
لدى الرمالي
وعند (يني)
وعند خصم
وعند خدن
وبنت روض
وبنت دن
به أسمي
به أكني
به ابتدائي
به أثني
به احتيالي
ومنه عوني
فأطعن النا
س أي طعن
وأبهم القو
ل والتمني
فأغنم الحظ
في تأني! •••
وحان دفعي
لرب بيتي
فقلت: أقصر
بغير لت!
ولا تضيع
ثمين وقتي
كفى سكوتي
وكظم مقتي
من احتمالي
حياة موتي
فإنما البيت «غير فني!» •••
وجاء طاه
يريد أجرا
وخادم مث
له تحرى
وكل من با
ع لي وقرا
كأن ذنبي
أن عشت شهرا
فقلت: عفوا
فلن أقرا
بأي دين «لغير فني!» •••
وهكذا عش
ت في مراح
بلا حياء
ولا افتضاح
أرد حقا
بلا سلاح
وأقتل الخي
ر في انشراح
وأفسد الجد
د في مزاح
وأعلن الصد
ق «غير فني!» •••
وكم دعي
رأيت حولي
يعيش والله
كالطفيلي
بغير لب
وغير عقل
وخير ما في
ه محض ختل
يعيش رمزا
لكل جهل
ويحسب الفن «غير فني!» •••
وعدت للصح
و رأي عيني
فعفت وهما
لأهل ظن
وعدت أرضى
بوحي فني
فذاك روحي
وذاك ركني
وليس زورا
وخبث مين
وليس لغوا
جنى ويجني
لكن حياة
سمت بوزن •••
إن عد تبري
شبيه تبن
وعد شعري
دليل شين
وكل قبح
مثال زين
وعيروني
بكل حسن
وكل شدو
به أغني
وكل معنى
يبز سني
تطيب منه
جنان (عدن)
فلا (ابن هاني)
ولا (ابن جني)
ولا نصيري
بشعر (هيني)
ولا شروح
من (الشمني)
وكل علا
مة وركن
بما يزكي
جلال فني!
القيثارة في المساء1
«أعد ذلك اللحن الذي قد بعثته
كسهم إلى قلب يخاف عليه
أعد! إن تكرار العذاب لذاذة
كتوديع من أهوى على شفتيه
أعد وتفنن جارحا ثم آسيا
لك النغم المحيي القتيل لديه
حنان يرد الروح واللب حالم
بل الروح هذا اللحن رق إليه
أعد يا نديمي مرجعا سالف الهوى
ليرقص هذا القلب بين يديه!» •••
فرجع ألحان الشباب وأنسه
بعزف به عز الغرام وتاها
ومال على أوتاره ميل قلبه
فذاب على أوتاره وتناهى
إلى أن غدا في العازف (الحب) ماثلا
إلى أن سما حسنا فكان إلها
فكانت كصوفي تناهى عبادة
إليه، وناجته فقبل فاها!
البيبة أو الغليون
(1) الأصل لصاحب الديوان
إذا أفلس الإنسان لم يبق عنده
سوى بيبة فيها يبدد بؤسه
فإن لم يجدها بات يزفر شاكيا
وفي زفرة الشكوى يبدد نفسه •••
وإن غنى الإنسان حن لبيبة
بما تبعث الأحلام يرقصن حوله
فإن لم يجدها لم يكن ذلك الغنى
بمغن، ولم يستمرئ المرء حوله •••
ألا ما ألذ العيش بالوهم هكذا
إذا سئم الإنسان صدق وجوده
تساوى الغنى والفقر والصفو والأسى
لديه، وساد الوهم من فرط جوده (2) الترجمة الإنجليزية للأستاذ محمد عبد الله مصطفى
THE PIPE
Should Poverty ever a man befall,
He would in a pipe solace find,
His wretched cares to enthrall
And comfort and ease bring his mind. •••
But if he perchance alleviation fail
With pipe his long sad night lend,
In gloom and pangs of grief will he curtail
His life and with piteous moans rend. •••
And should he ever with opulence meet,
So he would on aerial castees muse
Luil’d by the fumes of a pipe that dreams sweet
Rouse, of joys and deeds that amuse. •••
And if in his days of affluence
Without a pipe annoy’d tarry,
He will curse the truth of his existence
And all his life، fag، vex and worry. •••
O, how sweet is life in fancy’s realm
Whene’er a man life no more can bear,
Where him no want nor sorrow can o’erwhelm.
Nor riches nor revels his calm stir. •••
O fancy, thou shalt ever mistress reign,
With thy boundless bounty all to sustain.
المستقبل
(نقلها نثرا عن الفرنسية لإدمون روستان الأستاذ حسن صالح الجداوي، وصاغها نظما صاحب الديوان.) (1) الترجمة النثرية
أيتها الوالدات:
ليكن عصفكن ممزوجا بالاحترام،
ولتكن القبلات التي تضعها شفاهكن على جبين الطفل باحتراس وحذر،
ولتملأ الخشية ضحككن،
ولترهبن من حملكن المستقبل هكذا فوق حجوركن،
ولتذكرن كلما أخذتن تلك الرءوس الصغيرة بين أيديكن
تحاولن أن تقرأن ما في العيون البريئة من أسرار
أنكن قد تكن ممسكات عالما بين أيديكن! (2) الترجمة النظمية
أيها الوالدات بالروع مازج
ن حنانا لكن نحو البنين
ولتحاذرن عند تقبيل طفل
باحتراس على الوسيم الجبين
ولتحاذرن عند لهو وفي حم
ل جلال (الآتي) لكم في الحجور
وتذكرن كلما شاق أيدي
كن عطف يضم رأس الصغير
في احتيال لفهم ما حجبته
طاهرات العيون من أسرار
إنما تحتفظن ما بين أيدي
كن بسر لعالم جبار!
وساوس الهجر
وساوس الهجر باعديني
بل صادقيني وأسعديني!
تحولي بلسما لقلبي
وعللي مهجة الحزين
فليس من حائل كبير
إذا ترفقت بالغبين
تحولي نخبة الأماني
ولا تمتي إلى الظنون
كفى التياعي بطول وجدي
كفى شحوبي، كفى أنيني
سكنت نفسي بغير إذن
في خلسة السارق اللعين!
وحزت صفوي بلا حساب
ونلت ذخري من اليقين!
عبثت عبثا براح لبي
كالموج يطغى على السفين
فكنت أشقى على اصطبار
وكنت أرضى على جنون!
أليس هذا شفيع سؤلي
إليك من قلبي الأمين؟
فسامحيني وعلليني
فرب كفر شبيه دين!
وأرشديني إلى هدوء
يطيب لا أن تعانديني
وعندها يستحيل هجري
وصلا، فأقضي على شجوني
أرى التي تيمت فؤادي
في غير سعي لها خئون
أرى سناها يطوف حولي
في خطرة الحلم كاليقين
كما تصيرين لي حبيبا
كعالم الشعر والفنون!
فكم ليال طغيت فيها
أشد من ثورة المنون
وددت موتي وداد خل
بنزعة اليائس السجين
طعنت حتى لم يبق جزء
يصان من قلبي الطعين!
وعدت بعثا لكي ألاقي
مكررا من ردى دفين!
ولو ترفقت صنت نفسي
صيانة المعقل الحصين
فنكبة الهجر لا تضاهي
وساوس الهجر والحنين!
فأنت داء يحز دوما
إذا تماديت دون لين
وأنت إن شئت كنت عونا
كفيلسوف الهوى المعين!
فهل تلبين لي نداء
بوحيك الشائق الثمين؟
فإن هذا هو انتصاري
على غرام ومستهين!
الأسيرة أو المنشودة المنبوذة
رأيتك مثل (المجدلية)، إنما
عدمت حنانا (للمسيح) بدنيانا
وهبت الورى من لذة الحب ما اشتهوا
فجازاك لعنا من تقدم قربانا!
كأنك في صحراء من غدر حالهم
وقيدت تعذيبا وأرهقت كفرانا
ولكن نار الشمس تشفق مثلما
تبدل هذا الرمل في العطف إنسانا!
وتوشك جرداء الغصون لعطفها
تظلك بل تنمي لك الزهر ألوانا!
ويخجل قر الليل منك فيغتدي
سياجا ودفئا، بل يحوطك لهفانا!
فإن أنت لاقيت العقوق أو الأذى
فلم تعدمي الإنصاف في العيش أحيانا
بحسبك أن يعنى بهمك شاعر
وأن تجذبي فنا إليك وفنانا
وحسبك عطف (للطبيعة) بالغ
وإن سلب الجاني جمالك عدوانا
شكاك كما ضحاك حين وهبته
نعيما كما يهوى، وأفناك حرمانا!
وعدك من هدمته حينما اشتهى
غلوا وأفنى العيش والحظ سكرانا!
ولكنما الأغلال رغم ثباتها
ستفنى كما يفنى الجديدان بنيانا
فتغدين من بعد العذاب طليقة
كما يدرك الإنسان في النور ما كانا
ويبصر ما معنى الحياة ونبلها
ويحترم الأنثى وإن كان سلطانا!
التجديد والزمن
(1) الأصل الإنجليزي للشاعر جيمس رسل لويل
New times demand new measures and new men,
The world advances and in time outgrows
The laws that in our fathers’ days were best.
James Russell Lowell (2) الترجمة العربية لصاحب الديوان
جدد العصور تشاء حتما في الورى
جددا، وفي مثل القياس جديدا
والكون يمضي للأمام مسددا
وعلى الزمان يباعد التقييدا
فيفوت ما اشترع الجدود وإن يكن
في عهدهم قد قدروه فريدا
المثال1
أنت في وفاء الجمال النبيل
تحيي العليل
بلحظ كحيل
وثغر جميل
وعطف الخليلة نحو الخليل
برغم الزمان •••
ولكنها أقسمت أن تدوم
كزهر كتوم
لعطر نئوم
فطال الوجوم
وعادت تبدد هذي الغيوم
بنور الأماني •••
دعتني لأعلن عن سر فني
بشعر التغني
وحلو التمني
وما نم عني
من الحب في كل نظم أغن
2
كشعر (ابن هاني) •••
وشجعها من هواي ابتسامي
ونجوى غرامي
فزادت هيامي
بعذب الكلام
وجادت برأي كنفح المدام
لصب يعاني •••
دعتني لأرسمها في نظيمي
بروح وسيم
ولفظ سليم
ووصف كريم
وقالت: «سأجعل هذا نديمي
وآي افتتاني!» •••
فهزت فؤادي بلحن جديد
ومعنى فريد
لقلبي العميد
فكان السعيد
وقلت لها: «يا إلهي الوحيد
وأشهى جناني!» ••• «أينصف حسنك وحي الخيال
وأنت (المثال)
وأنت الجلال
وأنت الجمال
ألا فانزعي الثوب قبل الدلال
فيحيا افتتاني!» •••
فأزعجها من غرامي سؤالي
كأني المغالي
برسم الجمال
العزيز المنال
أليس المصور
3
في مثل حالي
يصيد المعاني؟! •••
وعادت إلى البشر
بشر الحبيب
بجسم رطيب
فلاح الأديب
وراح الأريب!
فقبلت (فينوس) شعرا يطيب
كوقع المثاني!
الجمال
(منقولة عن الفرنسية لإدمون روستان. ترجمها نثرا الأستاذ حسن صالح الجداوي، وصاغها نظما صاحب الديوان.) (1) الترجمة النثرية
كونوا عونا للجمال. كونوا ضد الجموع .
واذكروا دائما كلما أظلم الزمن
أن أنوار المثل الأعلى ساطعة باهرة. (2) الترجمة النظمية
كونوا معينا للجما
ل ولا تكونوا للجموع
ولتذكروا دوما إذا
ما أظلم الزمن المريع
أن المثال المشرق ال
عالي ليبهر في السطوع
صباح عيد الميلاد1
نم يا صغيري ملء حلمك هانئا
بين الدمى وكأنهن أناس!
نم بين عربدة الطفولة حينما
أنت الملاك يسوسنا ويساس
قد أسكرتك منى المعيد هكذا
فإذا بجسمك ما عليه لباس!
وذووك قد غفلوا بفرحة عيدهم
فتنظروك
2
لعيدهم وتناسوا
الألعبان مرحب بك ضاحك
وأصاب هذي الدمية الإنعاس
نامت بقربك وهي يابانية
فتفاهم الإحساس والإحساس!
وأرى الإوزة قربها بحراسة
ولو انها ليست لها أنفاس
وبدت على الكتل
3
الحروف كأنها
شعر الطفولة ما له مقياس
والنائم المزمار وهو مقبل
تفاحة في ثغره الإيناس
وبقربه كرة تلوح ككوكب
أنت المدبر له ومنك الباس
والساكن الصاروخ يرقب فرصة
للهتف حين يجيزها الحراس
دنيا حيالك يا صغيري ما لها
حد ولا يطغى بها الوسواس
وأراك أنت الفيلسوف منعما
من نور وجنته لنا مقباس
لك والدمى ملء الوداعة ملة
أنت اهتديت بها وضل الناس!
هيهات يبلغ منك يأسي حينما
قتل الرجال غرورهم والياس
وكأنما أنت (المسيح) وعيده
أنت البشير بأنسه، لا الكاس!
ديواني
عذر البخيل
سألت عن ديواني
وكله وجداني
بل كله أنت يا من
أخصها بافتتاني
فهل توسمت فيه
سوى لظى أحزاني؟
أخاف منها عليك
ومن فؤادي المعاني
لذاك آثرت كتمي
لشعري الولهان
وإن تلاهيت عني
كشأن كل الغواني
هدمت كل نعيمي
ولم أفت إيماني
وما أزال وفيا
لحسنك الفتان
وأنت سكرى بطعني
وخدعتي كل آن
وما غنمت بلهو
سوى ضياع الأماني
ومذ خذلت فؤادي
شقيت من خذلاني
أضعت عمري عذابا
وعشت في ألحاني
لكن كآثار ماض
عزيزة في هوان
نصان رسما ونقشا
ومجدها جد فان
فأي حظ يرجى
من هذه النيران؟
سخرية الحياة
قالوا الحياة لنا وهم وسخرية
وليس فيها سوى حس امرئ صدقا
ورغم تسخيرها للناس، عابثة
بهم، فأولى بهم أن يتركوا القلقا
أجدى لهم أن يعيشوا مثل ما رغبت
لهم وأن ينبذوا الأحزان والفرقا
فقلت في حس مشغوف بما وهبت
هذي الحياة ومن يرضى بها الحرقا
خذوا الحقيقة عني! ما الحياة سوى
أم لنا وأب في حبنا اتسقا
لا يعبثان بنا، كلا ولا خدعا
أحلامنا أو فؤادا بالهوى خفقا
إن الحياة مثال للسمو كما
هي المثال لحق يبغض الملقا
تعطي لنا فوق ما تعطي، وغايتها
أنا لها وبها كون بنا انطلقا
كون يسير لغايات الجمال بلا
حد، ويهزم دوما نوره الغسقا
ولن نضيع بها يوما، فآيتها
أنا نجدد فيها دائما ألقا
في كل شيء، فما معنى تخوفنا
منها؟ وما الفهم في سخط امرئ حنقا؟
وأي فلسفة في أن نصورها
خصما، وأنا الذي من كنزها سرقا؟!
وهي التي وهبتنا كل ما ادخرت
وجملت «نوعنا» في الدهر مؤتلقا
ووحدتنا بتقديس لروعتها
لكنه كان تقديس الذي عشقا
فكل آثارها صدق، ودعوتها
صدق، وناموسها عدل بنا رفقا
فإن قسا فهو في تأييد عزتنا
يقسو، ويمنحنا خيرا به وثقا
فلنترك البث جهلا عن أنانية
إن الحياة خلود للذي اعتنقا
فنحن منها إذا كنا نحن لها
ونحن أغراب عنها إن نعش فرقا
نماذج الشعراء ووحدة الحب
ساءلت عن غزلي وعن إيمائي
فيما دعوت «نماذج الشعراء»
فلم السؤال وذاك صوتك شاهد
حقا على عرفانك المترائي؟!
هل كان لي غزل سواك، وصورة
إلاك، في تصويري الوضاء؟
من يرسم الزهر النضير مهفهفا
فبذهنه نفح لروض نائي
وأنا كذلك في نواك تغزلا
وإن اتصلت بغادة هيفاء
كل الفواتن ما مثلن لخاطري
إلا مظاهر سحرك المشاء
عودي إذن إن أنت دنت لغيرة
تعد المنى في الجنة الفيحاء!
وإذا أبيت فسامحي معبودة
نظري ببعد الشمس للأضواء
وأنا الموحد في العبادة دائما
وأراك يا أملي صباح مساء
مثل الجمال إذا خطرن لناظري
مثلت فيهن الجمال إزائي
ما كان إشراكا بحبك بل غدا
صوفية المتبتل المتنائي
للفن أحكام إذا خالفتها
لم يحل لي شعر بحلو بهاء
نال المصور من نماذج فنه
ما شاء في بعد عن الرقباء
والشاعر الرسام يحرم غالبا
مثلا تعبر عن عزيز سناء
ويساءل الشعراء عند سكوتهم
باسم الملاحة عن نظيم وفاء
وهم الذين يحاربون لحبهم
ما شاق في خلق وفي أشياء!
فتدللي ما شئت، لكن جانبي
هجري، أصغ لك فرحتي وبكائي
ويحل جمالك حسن ما أنا ناظم
ويصر دلالك رقتي وروائي
هيهات ينضب لي معين صبابة
في حين وجداني وفي إملائي
ليس العذاب بما ينبه مهجة
يقظى على السراء والضراء
طبعت على الحب الصميم وغردت
بالشعر في شغف وفي استحياء
فحياتها شعر وإن هي صاحبت
يأسا وإن هي عللت برجاء
ما كانت الأحداث مبعث شدوها
بل كان صوت النور لا الظلماء
شعر التحرق ليس غير رجائها
في حالي النعماء والبأساء
غنيت سجيتها بألحان الهوى
فدعي الهوى ينطق بكل جلاء
هيهات يجديه فراقك باعثا
للشعر حين سناك خير نداء
لا تسقميه بطول بعدك، إنه
مهما أجاد يفته حسن أداء
هذا شعور لا أقاس بغيره
من صدق إحساسي بلا إخفاء
وعلي فرض مدافع عن رفقتي
في الفن والحرمان والأعباء!
حرموا النماذج ثم ليم عزوفهم
عن نظم شعر الحب والنعماء!
ولو انهم نظموا لجاء صناعة
كصناعة النجار والبناء!
لا خير في نقش الحياة بريشة
بيد الغبين يرد دون ضياء! •••
فتبسمت وتنهدت ودعت إلى
تحديثها عن سيرة الشهداء
فسألت: من هم؟ وارتبكت لوردة
في خدها ولوعدها بلقائي
قالت: أظنك قد نسيت حقوقهم
فتعال نبحث فتنة الشعراء!
روبوت أو الإنسان الآلي
رأيته واقفا بالباب منتظرا
في صورة شابهت تصوير إنسان
فقلت: من أنت؟ قال: العلم عد أبي
ولي (الطبيعة) أم، ثم حياني
وراح يصحبني في مشية صدقت
فما تعثر بل قد جاز حسباني
وهو المكون من سلك ومن خشب
ومن حديد بمقياس وميزان
هو الجماد ولا روح تشع به
فكيف جاوب تبياني بتبيان
فرن في ضحك من حيرتي ومضى
في سخره جد مغرور وفرحان
وقال: اعلم صديقي أنني بشر
للكهرباء ومن جدواك بنياني!
فكيف تفتن في شعر الخيال ولا
ترى فواتن شعر لي ووجدان
انظر! تأمل! تجد ما صغت من عجب
فاق الخيال بإبداع وإحسان
للشعر والعلم في مرآي قد جمعا
للنابه المتسامي حيث يلفاني
وما أساطير (خيمي)
1
حين تنظمها
أجل روعا ولا أوهام (يونان)
قالوا هو الشعر إحساس وأخيلة
ألا تراها إذا ناجيت سلطاني؟
ألست تذكر عهدا في الظلام مضى
وعهد نور بإعجاز وعرفان؟
ألست تلمح عهدا للنشوء كما
تطير حلما إلى عهد السبرمان؟
ألا تجيش بأحلام منوعة
وبالعواطف ألوانا بأزمان؟
ألا تحس بدنيا لن يكون بها
إلا التسامي بمجهود وإيمان؟
انظر فها نحن في عصر تقوم به
بدائع العلم في نفع كإخوان
حتى الهواء غدا للناس مزرعة
وفي الصناعات سحر جد فتان
وفي الأثير حياة كلها عجب
كأنما سابقت جنات (رضوان)
تموج فيه مسرات الحياة بلا
حد، وتسبح فيه روح ديان
وليس وقفا على شعب يخص به
ولا على ملة من دون أديان
انظر صديقي! تأمل! لا تقل أبدا
إن الحضارة ليست وحي فنان
لا تصغ حقا إلى من طالما عبثوا
بالفن ما بين محموم وسكران
يموهون بألفاظ منمقة
على الحياة وكل غافل هاني
ويحسبون التنائي عن حقائقها
فنا، وفي العلم خصما، مثل عميان
وما دروا خير ما توحي الثقافة في
عصر يبدل أكوانا بأكوان •••
وعندما قمت من نومي على خجل
جعلت نظمي هذا بعض قرباني
فإن أبى لي اصطحابا من أخص بهم
شعري فحسبي أن أعليت ديواني
وليمتلك أدب الترصيع مزدهيا
من شاء وليبق لي وحيي وقرآني
إني رضيت جمال العلم لي قبسا
إن دان غيري بنجواه لشيطان!
رثاء إله
أبكيك أنت كما يبكي الوجود منى
عند الشتاء فما يحظى بسلوان
أبكيك ملء هوى شعري، وملء سنا
فكري، وملء مدى حسي ووجداني
أنت النوافح، بل أنت الجوارح، بل
أنت الحياة بإحسان وإحسان
أبكيك أنت وما زلت الخلود وما
حولت عنك بلا حب وإيمان
أبكيك أنت على رغمي، كذا وبلا
رغم، فإنك لي نور كنيران
لم يصف حبك لي إلا ليخذلني
عمري فأنفقه ألحان أشجاني
كم من حسود يعاديني ويحسبني
حرا سعيدا فيؤذيني بعدوان!
لم يدر ثورة مقهور ولوعة مح
سور يكفنها في طي كتمان
لم يدر زفرة أنغامي، ولوعة أح
لامي، وشدة آلامي وحرماني
أقضي الحياة شريدا مثل مغترب
قد ظل ما بين بركان وخلجان
جنى المحيط عليه بالحياة سوى
حياة معتزل في صخرة عان
والناس تغبط مرقاه وتحسده
سلاحف ونسور دون حسبان!
وهو الذي ما له جدوى السمو، ولا
حظ النعيم ولا تقدير قربان
لم يبق عيشي الذي يدعو البكاء له
فإن عيشي وموتي الآن سيان
لكنني حين أبكي في الصموت بلا
دمع وكلي تباريح لغصان
أبكي بكل وجودي من مضت فمضت
عنها مآثر إبداعي وإتقاني
إن تغن عنها - ولن تغنى - فلم خلقت
نفسي؟ وما سر تغريدي وألحاني؟
وكيف أصبح شدوي كله حرقا
ولم يصف ملكها غيري بأوزاني؟
ماتت بدنيا الورى موتا وإن خلدت
في طي لبي بأوجاعي وأحزاني
وصار شعر بكائي بعث سيرتها
وإن يكن هو تقطيعي وفقداني
أبكيك أبكيك إذ أبكي هواي كما
يبكي القتيل المنى من حمق ديان!
خلقت دنياي خلقا ثم ما برحت
يداك عونا على هدمي وخسراني
فكنت مثل إله هد صولته
فهد مهجته في هد سلطان
وصار يرثيه مخلوق يقدسه
فقد حكى فانيا من ليس بالفاني!
الكرامة
(عن إدمون روستان، على لسان سيرانو دي برجراك يصفع بها وجوه من اتهموه بالادعاء والكبرياء، نقلها نثرا عن الفرنسية الأستاذ حسن صالح الجداوي، وصاغها بشعر مرسل صاحب الديوان.) (1) الترجمة النثرية
وماذا تريدونني أن أصنع؟
أتريدون أن أبحث لي عن سند قوي، عن سيد يحميني
كالطحلب الحقير الذي يتملق السنديانة ويتخذ منها وليا،
ويتسلق بالحيلة بدلا من أن يرتفع بالقوة؟ لا، شكرا!
أم تريدونني أن أهدي شعري - كما يفعل غيري - للموسرين؟
أم أن أصبح نديما يدفعني الأمل الدنيء إلى أن أسعى
لأرى على شفتي وزير ابتسامة ليست صفراء؟
لا، شكرا!
أم أن أتغذى كل يوم بضفدعة؟ وأن يتعب السير
معدتي؟ وأن تكون لي بشرة سرعان ما تتسخ عند موضع
الركبتين من أثر السجود؟ وأن أدرس فن الانحناء
والتعظيم؟ لا، شكرا!
أم أن ألاعب الشاة بيد وأروي الزرع بالأخرى؟
وأن أوزع بخور ثنائي كل يوم على شخص؟ لا، شكرا!
أم أن أنشر شعري بدفع ثمنه؟ لا، شكرا!
أم أن أدع الغافلين يرشحونني «بابا» في حاناتهم؟ لا، شكرا!
أم أن أسعى لأبني لنفسي مجدا حول قصيدة بدلا من
أن أنظم غيرها؟ لا، شكرا!
أم أن أخشى النقاد والصحف والناس؟ لا، شكرا!
أم أن أحتاط لخطوتي وأرتعب، وأفضل الرجاء والزيارات
على نظم الشعر؟ لا، شكرا، ثم شكرا، ثم شكرا!
ولكن ... أغني، وأتخيل، وأضحك، وأسير، وأكون وحدي حرا طليقا وأن تكون لي العين التي تحدق، والصوت الذي يرعد، وأن أضع قبعتي وقتما أشاء كيفما أحب، وأن أتبارز للفظة (لا) أو (نعم)، وأن أقرض الشعر، وأعمل غير ناظر لمجد أو ثروة، وأن أفكر إن شئت في سياحة للقمر، وأن لا أخط شيئا إلا من بنات أفكاري، وأن أقول لنفسي في تواضع: «أيتها النفس، كوني راضية عن الأزهار وعن الفواكه وحتى عن الأوراق ما دمت تقتطفينها في بستانك» فإذا ما فزت يوما - بطريق الصدفة - لا أكون مدينا بفوزي لأحد، بل أحتفظ لنفسي بالفضل كله، وبالجملة لا أكون الطحلب الطفيلي وإن لم أكن السنديانة الباسقة، فقد لا أرتفع عاليا ولكنني أرتفع بجدي. (2) الترجمة النظمية
أأرضى التملق كالطحلب تعلق في كنف السنديانه؟
وشاء التسلق في حيلة وعاف ارتفاعا على قوته؟
أهذا تريدون؟ لا، ألف شكر! ... أم القصد أن أحتفي بالغنى
وأهدي نظيمي إلى الموسرين كما هي عادة غيري بشعره؟
أم القصد أن أغتدي كالنديم فيدفعني الأمل السافل
وأسعى لأحظى ببسمة عطف خلت من دهاء بثغر الوزير؟
لا، ثم شكرا!
أم القصد أن أتغذى سقيما بضفدعة كل يوم وأشكو
وأفسد من بشرتي في سجودي دواما على ركبتي انصياعا؟
فلا، ثم شكرا!
أم القصد أني بيمناي ألعب والشاة حين بيسراي أزرع؟
وأني أوزع في كل يوم بخور الثناء لشخص جديد؟
فلا! ثم شكرا!
أم القصد نشر نظيمي ودفعي لذلك سعرا؟ فلا! ثم شكرا!
أم القصد أن أدع الغافلين يرومونني «باب» حاناتهم؟ فلا! ثم شكرا!
أم القصد بنيان مجد لنفسي حول نظيم قديم كسولا؟
فلا، ثم شكرا!
أم الخوف من عنت الناقدين ومن صحف في غلو وناس
فلا، ثم شكرا!
أم الحذر المتناهي بخطوي وإيثار خلق على نظم شعري؟
فلا، ثم شكرا، وشكرا، وشكرا! •••
ولكن أغني وأسمو خيالا وأصفو وأضحك وحدي طليقا
وأن تغتدي لي عين البصير وصوت هو الرعد عند احتياجي
وأني متى شئت زينت رأسي بقبعتي كيفما كنت أهوى
وأني أبارز لما أشاء للفظة «لا» أو لقولي «نعم»
وأن أقرض الشعر، أعمل لا أفكر في ثروة أو جلال
وأني أفكر إن شئت في علو إلى سفر للقمر
وأن لا أخط سوى ما حبته بنات لفكري ولبي ونفسي
وأني أقول وكلي اتضاع: «أيا نفس، كوني بزهر قريره
وكوني كذا بالثمار وحتى بأوراق بستانك الناضر
متى كان ملكك» حتى إذا ما نجحت فلست مدينا لغيري
ولكن أكون مدينا لنفسي ومحتفظا بامتناني لها.
وجملة حالي أني لا أكون شبيه النبات الطفيلي
وإن لم أكن تلكم السنديانة في مظهر البذخ الباسق
وإن لم أرتفع عاليا غير أني أرقى بجدي عزيزا كريما.
إلى حكامنا
لست الغبي - وإن عددت - فأدعي
أني الأحق بنصحكم أو حكمكم!
وعصمت من نزق الغرور فلن أرى
في موقف المغرى بكم في شتمكم
أنتم جميعا من عيون بلادنا
وأرى مذمة «مصر» غاية ذمكم
ولقد سئمت من السياسة مثلما
أسقمت من عقبى النزاع كسقمكم
عبثا أقول دعوا الخصام فإنه
داء يظن به الصديق كخصمكم!
لكن أقول دعوا العلوم وأهلها
فوق الخصام فغنمها من غنمكم
فلعلكم ولعل من شغلوا بكم
تجدون روح العلم مطلع نجمكم
فتقدسون على الإخوة دائما
معنى الحقيقة فهي ضامن حكمكم
وإذا حكمتم للحقيقة وحدها
فخصومكم إخوانكم من أمكم!
لله كم تجني السياسة ضلة
فلتحذروا إغواءها في حزمكم
وخذوا التسامح عهدكم من أمسكم
ودليل آتيكم وحكمة يومكم
وأنا الصغير فما ألوم، وإن أكن
فالشعر فوق ملامتي أو لومكم؟
ثغر كليوباطرة
(ألقى الناظم هذه القصيدة في الحفلة التكريمية التي أقامتها له (الجمعية الطبية المصرية) بالإسكندرية بصالة أتينيوس يوم 26 ديسمبر سنة 1928 قبيل انتقاله إلى العاصمة.)
أودع الثغر، لكن لم يزل فيه
بقية من هوى قلبي توافيه
واليوم زدتم فروضي من محبتكم
فلم يعد ذلك الشكران يكفيه
الذكريات لماضيه وحاضره
شتى، وأجملها من حسن ماضيه
من مجد (إسكندر) أو سحر فاتنة
أو نور جامعة أو من مغانيه
قد دام مسرح ألباب وأفئدة
ونبع فلسفة عليا لجاديه
روح الجمال وروح العلم مذ عرفا
تجليا فيه، بل لم يبرحا فيه
الحسن في الجانب الشرقي يرمقكم
والعلم في الغرب وافاكم بأهليه
1
جدتم سخاء بتكريمي فكرمكم
شعوركم فوق تقديري وتنويهي!
وكنتم الطب في أسمى مظاهره
نبلا، وكم نال قبلا حظ تأليه
من عهد (أمحتب)
2
دانت فراعنه
له، فكيف بمثلي دون تشبيه؟
أجدد العهد إجلالا لرابطة
الطب فيها عزيز في تجليه
تفي الزمالة حقا من رعايتها
كما يسامي بها المرعي راعيه
كم قلدتنا التآخي وهو جوهرة
فكلنا في تآخيه تباهيه
وازينت دائما عليا رئاستها
بمن ندين لإخلاص يحليه
من نال حظ جميل في رعايته
يغنم كغنم الذي بالطب يحييه
صفحا لكم في مغالاة أبجلها
ولا ذنوب لقلبي في تغاليه!
ولو نسيت - ولن أنسى - حقوق هوى
فكيف ينسى فؤادي حفلة التيه؟
لي عزة في فخار من نبالتكم
والنبل ليس له ند يساميه
والآن فلتسمحوا لي في مداعبة
بذكر ماض لذيذ في مجاليه
مودعا لي جراثيما منوعة
مستنبتات بتقديسي وتأليهي
كم كنت أزرعها خوفا فتنصفني
في حين خذلان مرجو لراجيه
أحيي الليالي لديها في مسامرة
كما يقضي هوى الصوفي لياليه
وكنت أحسب قربي من منابتها
حظا وفحصي غناها شبه ترفيه
والمجهر الصادق المحبوب يسعدني
كأنه الأدب العالي لتاليه
ما قلت يوما له «أف» بل اتصلت
عيني بعين له فيما نلاقيه
بادلته نظراتي حين بادلني
علما ثمينا، فهل أنسى أياديه؟
قد كان ملجأ أحزاني إذا اضطربت
نفسي من الخلق في لؤم تواليه
ما كان يجحد إخلاصي لصحبته
إن خان عهدي صديق لي أفديه
ولست أنسى (خليلا) حين يزعجني
صياحه في تقاضيه وناديه!
نخاف منه (أميبات) أراقبها
خوف النواغض
3
من برد أواريه
4
ولست أنسى (عفيفي) في أشعته
مسددات إلينا دون تنبيه
حتى تكهرب (محفوظا) وترقصه
كما تجنن (صبري)
5
في تشكيه
كلاهما طبه طب المسيح فما
أغنى أمام سهام من معاديه
و«العبد لله» مصدوعا يبارزها
ولا سلاح له إلا كراسيه
واليوم قد بات هذا كله خبرا
من بعد شكوى بمجلى الأنس أرويه
كذا الحياة فنون لا حدود لها
الجد فيها كهزل في مناحيه
وليس تبقى لذكرانا نقدسه
إلا جمال التآخي في تعاليه
الطمأنينة
فؤادي بالمحبة يستقل
ويمنحها القلوب، فلا تقل
وما لي حظ إشعاع ولكن
لي الحظ الذي يلقاه ظل
وما فضلي وروحي فضل رب
أنير بنوره وبه أحل
فأنقل كالأثير سناه بينا
كياني الظل لا النور المطل
على أن الظلال ذوات روح
سواء تعتلي أو تضمحل
إذا هي بددت كان اندماجا
تبددها بنور يستقل
فعمري لا يقاس بعمر جسمي
ونفسي لن تذل ولو أذل
وهذا الجسم ليس له فناء
فكيف الروح وهو هو الأجل؟
وأقسم أنني أحيا كأني
أعيش على الدوام ولا أضل!
ولي ملك (الطبيعة) وهي حولي
كأم كم تعين وكم تدل
تعاف لي الفناء وكيف ترضى
فنائي وهي لي أم وخل؟
وما فيها ممات بل حياة
لها في كل مرحلة محل
أخاطبها بإحساسي ولبي
وينقل عطفها ألق وطل
فأستملي المحبة من رضاها
وليس لمهجتي حقد وغل
وأنعم بالحقيقة مطمئنا
وهل غير الحقيقة ما يجل؟
وكم من عائب إيمان نفسي
ونفسي ونفسه، والجزء كل!
سوى أني الطليق بلا حدود
ومن كان الطليق فلا يمل
وغيري ساخط في غل نفس
ومن تقييدها أبدا يزل!
وأضحك من غيوم الدهر علما
بما خلف الغيوم وأستقل
فما مرت برغم البؤس نفسي
وماثل شهدها صاب وخل
ووحدت الوجود أمام ذهني
وصاحبت الغنى وأنا المقل!
وما أشكو الملال، فليت شعري
برغم محبتي أأنا أمل؟
المكتاب
نقرت على المكتاب حتى أنطقت
تلك الحروف رسالة ترضاها
فنرى الحروف نوازعا وخوافقا
مثل القلوب إذا أطعن هواها
تجري الأنامل فوقها بتسلسل
رغم الوثوب كأنها تتلاهى!
وتخط في جري اليراعة، بل ترى
قبل اليراعة في سباق مداها
وكأنما قلم الألوهة عاجلا
ما خط، لا ما أبدعته يداها!
فسألتها: يا ليت شعري ما الذي
نمقت؟ هل راعيت فيه الله؟
هذي أناملك الحسان قديرة
ولقد تعز كما تذل جباها!
فتبسمت ومضت تدق ولم يكن
غير التبسم لفظها، فكفاها!
وسألتها: هل لي لديك رسالة
من بعد إن فات الكلام شفاها؟
فتبسمت أيضا كلطف أشعة
في الحزن إن ناجى الحزين إلها!
فتنفست روحي ابتسامة ثغرها
وتشربت ما أرسلت عيناها!
وحييت في وجدي دقائق بعدها
فوق الحياة ببخلها وجداها
حتى عييت من التأثر وانتهت
من نقرها وتنبهت لفتاها!
قالت: حسبتك فاهما لغة الهوى
فلكم وهبتك لفظها وشذاها
كم قبلة في كل دقة أنمل
لم تدرها، وشغلت عن لقياها!
فخجلت، ثم ضممتها فرحا إلى
صدري، وناولت الصبابة فاها!
أتمرضين؟
أتمرضين؟ فهل لا يخجل المرض؟
أتحجبين؟ فمن للحسن يعلنه؟
ومن يداوي هموم الناس في نظر
وينشر (الحب) جذابا تفننه؟
حجبت يا مهجتي عمن وفى فأبت
عيناي صفوا سوى عينيك يفتنه
ورحت أشوق مشتاق فما سمحت
دنياه إلا بحرمان يجننه
أطوف حولك في بيت سجنت به
كما يطوف حيال السكر مدمنه!
فلا أفوز بكأس من مرنحة
ويحرم القلب إلا ما يؤبنه!
واها على زمن في البعد ضاع سدى
وزاد سقم فؤادي حين يحزنه
من يستطيع افتقاد الشمس غائبة؟
وأي نبت زكا والليل يدفنه؟
ولو بروحي وهبت الروح مغتبطا
فصحة العاشق الولهان تغبنه!
عودي! تعافي وحييني أعد مثلا
للبعث في الحب إعجازا يكونه!
أنا العليل شبيه الميت من جزعي
والدهر يحسده جهلا ويطعنه!
وليس غيرك يدري بي فيرحمني
ويدرك الشوق في نفسي فيعلنه
محمد والمرأة
(لمناسبة ظهور كتاب الأستاذ عبد القادر المغربي عضو المجمع العلمي العربي في دمشق.)
لي صديق قد غاب عني أعواما ولكنه مقيم بنفسي
فإذا قال كان في أكثر القول مثالي، والحس عنوان حسي
نفح النابهين في وثبة منه حديثا بفن بحث ودرس
عن نبي الإسلام في نصرة المرأة من بعد عيشها عيش وكس
صدق الباحث الجليل وأوفى حق بحث له وإنصاف أمس •••
أيها الناقدون والله لم تدروا جلال النبي في كل قبس
كان نورا بحلمه، وكذا كان عظيما بخلقه لا يقسي
ملؤه رحمة وفلسفة عزت وعرفان كابر النفس نطس
جعل المرأة الحياة فأعطاها حقوق العلا بديلة بخس
ولها الحب والتجلة إذ عدت بتعليمه منارة شمس
خبر الخلق والمنازع والدنيا وأهواء كل شعب وجنس
فحبا الناس ما يلائمهم جمعا على الدهر دون غش ولبس
جهل العابثون آيته الكبرى إذا سخروا النساء بحبس
مثل جهل الألى تدلوا وأسقوها صنوف الهوان كأسا بكأس
من سواه الذي أغاث حجاها ورآها أهلا لنبل وبأس
حين كان الفرنج في ظلمة الجهل ينادون أنها غير إنس؟!
في ضروب الحياة قدم مثواها وفي جنة الخلود الأمس
فإذا نحن قد غفلنا وحولنا تعاليمه لطمس ونحس
فعلينا مغبة الجهل والخسر وعقبى يأس لنا بعد يأس
ليت شعري متى نرى الدين إحياء ونورا، وليس ظلمة رمس؟!
توديع الشائب
(نظمت في توديع الأستاذ العلامة أحمد أفندي الشايب لمناسبة تعيينه في كلية الآداب بالجامعة المصرية.) (إسكندرية) حان توديع الذي
يأبى الوداع له ويرضى الصاحب
قضت المواهب بالمسير لحظه
أبدا، فكان النجم هذا الشائب
تأبى العواطف أن يودع أنسه
وتريده همم وعقل صائب
فاليوم (قاهرة المعز) فخورة
وعلاك أنت به الفخور العاتب
تتبادلان تحية في نخبه
والحب بينكما لها متجاوب
وصدى الروائع في نفوس جمة
يأبى ادعاءكما له ويطالب
رجل له في اللوذعية موطن
أنى ترحل فهو حر ناخب
لكن علي - ولا أخون أمانة -
إفشاء حب فيه ليس يغالب
فلكم فتنت فؤاده بملاعب
لسناك لم تعدل بهن ملاعب
ولكم تغزل في رباك وما اشتكى
يوما إذا لاقاه بحر صاخب
بل كنت جنته ونار فؤاده
وهو السعيد بك الطروب الراغب
حتى إذا الأدب المهيب بفضله
نادى عنا، وهو الغبين الكاسب
وكذاك آمال الرجال إذا سموا
ليست تحددها علا ومناقب
فإذا احتفلت به - وذلك بعض ما
يوحيه إخلاص لأهلك دائب -
فلديك غيرهمو نفوس جمة
قرأنه فهي - كما أحب - كتائب
تهدي إلى الأدب الصميم بشخصه
إعجابها فوق الذي أنا حاسب
إيكو الجديدة1
تجليت حورية المغرمين
ومن حولك الماء يأبى المسير
يحف بك النبت كالمعجبين
بل العابدين البهاء النضير
وما أسن الماء في وقفة
وذلك نورك يحيي الموات
ولكنه صار من خفة
للطفك يؤثر هذا الثبات!
تألق في وجهه الطحلب
كما مال نحوك عشب قرير
وتلك الحشائش لا تجذب
إذا غاب عنها سناك الأمير
وقفت وقوف التثني الجميل
وللغاب خلفك روح تسر
له روعة بين ظل ظليل
ونور لعوب به لا يقر!
ووجهت طرفك نحو السماء
وأعليت ساعدك السائلا
تحيين بل تجذبين الفضاء
إليك ليعشق هذي الحلى!
وتسند رأسك أخرى يديك
فيفتننا المرفق الباسم
فكل الذي شاق مرأى لديك
إليك انتهى حسنه الحاكم
قفي وأطيلي وقوف الدلال
ونادي تجبك قلوب العباد
فقد صار حلمك غير الخيال
وقد عم ملكك حتى الجماد
وأنت لنا الصوت ثم الصدى
كما أنت نرجس هذي العيون
وكل لحسنك صار الفدى
فما بات حسنك يوما يهون
الأقواس أو الذكرى الغامضة
(مترجمة عن نظم الشاعر الفرنسي الشهير إدمون روستان، نقلها نثرا إلى العربية الأستاذ حسن صالح الجداوي، ووضعها نظما بشعر مرسل صاحب الديوان.) (1) الترجمة النثرية
لقد كنا هذا المساء تحت سنديانة باسقة (سنديانة ربما لم تكن إلا شجيرة الزيزفون!)
وكنت - حبا في أن أجثو عند ركبتيك على الأرض -
قد تركت كرسي الهزاز يتموج وحده
وكنت كالشقراء كالصور المنشورة بالمجلات
وكان كرسيك يهتز بك كالزورق في الماء
وكان يغني فوق الشجرة بلبل (بلبل ربما لم يك إلا عصفورا!)
وكانت تبلغ آذاننا نغمات موسيقية نائية (نغمات ربما لم تكن إلا ضجيجا!)
وكان فرع الشجرة الأخضر المتدلي نحونا يعصف به الهواء
أشبه بعازف يلعب على قيثارة
وكانت السماء كلها كصفحة حمراء
وكنا نلمح على بعد خيال أشجار يهتز على لجين بحيرة (بحيرة ربما لم تكن إلا مستنقعا!)
وبينما الأمل يبسط جناحيه (أمل ربما لم يك إلا رغبة)
كانت ملابسك تلمس خدي
وأصبعي تحاول أن تمسكها
وكنت أحاول أن أتبين عدد ثنايا ردائك
وكنا - وقد أذهلنا الحب - نتبادل أحاديث (أحاديث ربما لم تك إلا كلمات!)
وصعدت على ملابسك حشرة سوداء
كبقعة الحبر على الصحيفة البيضاء
ورمى الخوف بك بين ذراعي (خوف ربما لم يك إلا وسيلة!)
وأفضنا بأسرارنا في الظلام
وخيل إلي أنني أرى بعينيك الحانيتين الحائرتين
روحا عميقة دقيقة الإحساس (روحا ربما لم تك إلا نظرة!) (2) الترجمة النظمية
كنا بذاك المساء تظلنا سنديانه (وربما هي كانت شجيرة الزيزفون)
وكنت من فرط حبي الدنو من ركبتيك
أجثو وأترك كرسي يموج ملء اهتزازه
وكنت شقراء كالصورة تختار زينة صحف
وكان يهتز كرسيك مثل هزة زورق
وكان سحرا يغني على الشجيرة بلبل (وربما لم يكن ذا إلا مغن حقير!)
وكان يبلغ أذنينا صوت بعيد غنائي (وربما لم يكن ذا إلا ضجيج ثقيل!)
وقد كان ذلك الغصن الذي تدلى إلينا
في وسط عصف الهواء كعازف القيثاره
أما السماء فكانت كصفحة حمراء
وكان في البعد يبدو خيال أشجار هزت
على لجين البحيره (وربما هي في حقيقة مستنقع!)
وحين كان جناحا الرجاء يمتدان (وربما كان هذا الرجاء أبسط رغبه!)
كانت ثيابك هذي باللطف تلمس خدي
وأنملاتي افتتانا قد حاولت مسكها
وكم تحايلت حتى أدري ثنايا ثيابك
وكان والحب يقضي على النهى بالذهول
لنا حديث مبادل (وربما كان هذا الحديث لفظا يسيرا!)
ثم اعتلت فوق ملبوسك حشرة سوداء
كانت كبقعة حبر بصفحة بيضاء
فلذت بين ذراعي وقد رمى بك خوف (وربما كان هذا في الحق محض وسيله!)
وفي الظلام أفضنا بسرنا دون حد
وكنت ألمح روحا عميقة حساسه
في نور عينيك هاتين بحيرة وبعطف (وربما هذه الروح لم تكن غير نظره!)
نمو الحب
(مترجمة عن الإنجليزية لشاعر الملك الدكتور روبرت بردجز.) (1) الترجمة
إن ذات الأسماء أسماء ما يع
شق تسمو عزيزة في النفوس
حينما ذكرها يجمع حسنا
من معان لها كحسن العروس
وشبيه بها وجوه تجلت
باصطحاب الغرام عهدا طويلا
قد نما لطفها فراقت، ولولا
صحبة الحب لم تنل تجميلا (2) الأصل
Growth of Love
The very names of things beloved are dear,
And sounds will gather beauty from the’r sense.
As many a face through love’s long residence,
Growth to fair instead of plain and sere.
Robert Bridges
وهدة لوثا1
(للمصور الإنجليزي هارولد سبيد.)
لدى وهدة من
جمال حبيب
عزيز خصيب
كحلم الأديب
حوتها الصخور
بسور عجيب
كشعر الخيال
دقيق الجمال! •••
تجلى السكون
بسحر الحياة
ونور وجاه
ففيما حواه
معاني الخلود
وذات الإله
ووحي أمين
لأهل اليقين! •••
وقد نسق الصخ
ر وهو المنيع
كغاب بديع
وحصن رفيع
فلون الخريف
به والربيع
حليفا اللقاء
بغير انقضاء! •••
وقد نبت العش
ب فوق الصخور
كرهط الطيور
بظل ونور
كما سقط الماء
وهو العثور
سقوط السكارى
تهاووا حيارى! •••
يفيض انسكابا
بأشهى الخرير
كشعر الضمير
بحس يثير
وينعكس النور
وهو القرير
عليه مرارا
مباحا معارا! •••
ويهوي أخيرا
إلى بركة
بلا حدة
على شدة
ولكن كرا
ع بلا غفلة
يلبي الرجاء
بباقي العطاء! •••
ولم لا يلبي
وفي قربه
على حبه
تجلى به (لفينوس) شوق
إلى جذبه
كشوق إليها
بموج لديها؟! •••
نضت عن جمال
فريد نضير
ثياب الأسير
لنوم يسير
على العشب والزه
ر حال ينير
بهذا البهاء
وروح الصفاء •••
فجاءت إليها
فتاة الرعاه
بعشق الفتاه
لحسن غناه
غنى للقلوب،
غنى للحياه
ولكن بحيره
لسلم وثوره •••
وقد جلست جن
بها في ذهول
بلحظ خجول
وثغر سئول
فكان الجمال
بعطف يقول
تعال إلي
كزهر لدي! •••
وأما أنا ف
سألت الخيال
بهذا الجمال
وهذا المثال
ولكنه ما
أجاب السؤال
بغير ابتسام
رشيق يرام! •••
فقدست كل ال
جمال البديع
ففيه الرفيع
يساوي الوضيع
ولم أنس حتى
خراف القطيع
فكل (الطبيعه)
لحبي مطيعه! •••
ولكن رقد
ة (فينوس) تبدو
لقلب يود
ككأس تعد
بخمر تفيض
بها لا ترد
لذوق الفنون
وبث الفتون! •••
تأمل إذن في اح
تيال الجمال
فليس التغالي
به كالمحال
تأمل وذق خم
رة في ابتهال
فهذي عباده
وهذي سعاده!
الخطاط الفنان
ولي صاحب مبدع في النظيم
ومن نظمه خطه المستحب
تأملته وهو يجلو الحروف
تأمل صب فخور بصب
تكاد أنامله الموحيات
تحيل الخطوط حياة تدب
وما زهو من أوغلوا في السماء
بأبلغ من زهو حرف يصب
كأن له طاقة المستحيل
فيخلق ما يشتهي كل قلب
إذا خط نسخا تبينت فيه
رشاقة حسناء لا تكتئب
وإن خط رقعته لم تجد
سوى رقعة الظرف طي الأدب
وفي الثلث المستعز الجريء
ثلاثة حزم وتيه ودأب
وفي الفارسي القوي الجهير
فروسة إقدامه المرتقب
أطالع من خطه نبل نفس
وإعجاز فن وآية رب
وألمح في وجهه للنبوغ
خطوطا يقدرها من أحب
هو الفن مرتسم كالصبا
حة
1
فوق الجمال وملء الطرب
فينظر غيري إلى خطه
سريعا روائعه في عجب
وأرقب مكتفيا وجهه
فأرقب سحر النبوغ الأحب
وأتلو معاني النظيم الخفي
بروح تجلى كرسم غلب
فلا بدع إن كان في الشاعرين
وإن كان (سيد)
2
خط وهب
التاريخ التصويري
(إلى الصديق الأستاذ كامل كيلاني لمناسبة إصدار كتابه «مصارع الخلفاء».)
قل يا أرق الكاتبين، فأنت من
يلفى بكل طريفة مشغولا
صور لنا الماضي تزد أعماره
عمرا، وتشعرنا الحياة الأولى
ما كل من عد المؤرخ وصفه
أثر تزيد به المآثر طولا
أوجزت إيجاز البخيل، وإنما
كان الغنى في طيه محمولا
في كل سطر للوقائع معرض
وبكل فصل ما يعد فصولا
نتأمل الفنان في إبداعه
كالجوهري تأنقا وأصولا
ونطالع الإحسان في آياته
من كل فاتنة ترد عجولا
ونصاحب التاريخ في أيامه
صورا، ونلمس سره المنقولا
شأن الأديب الألمعي بيانه
يغدو الجمال بروحه مأهولا •••
راحت «مصارعهم» وقد تركت لنا
عبرا تسائل أنفسا وعقولا
ومضوا، وما كان سوى خبر لهم
فإذا المقاتل صاحب المقتولا
حتى إذا همت يراعة (كامل)
صار الدفين ممثلا موصولا
و(الفن) أقدر من يعيد معالما
درست، وأكرم من يشوق ملولا
النيروز الثاني
(في حفلة تكريم الدكتور شوشة بك مدير معامل الصحة.)
وافى الخريف فجاءتنا بشائره
و(النيل) مؤتلق والزهر بسام
وسابق العيد (بالنيروز) ملهمنا
عيدا تقر بما يوحيه أفهام
حيث التفوق مرفوع له علم
وطالما طويت من قبل أعلام
عيد النبوغ وعيد (النيل) قد جمعا
كما تؤلف أرواح وأنغام
فإن يهنأ (علي) في مكانته
كما يهنأ بالإقدام مقدام
فقد تعالت به نفس معززة
عما تنافس فيه الناس أو هاموا
إن الكرامة جنب العلم منزلة
هيهات يصغرها جهل وأوهام
حقيقة قد وفى فضل الرئيس
1
لها
ومثله برجال العلم علام
فبر (بالنيل) في أبنائه وغدا
بحكمه مثلا تتلوه أحكام
من قال مصر يباب لا رجال بها
فحزبه في ظلام الوهم نوام
إن التجاريب عون للرجال ولا
يبني الرجال ضلال الحكم والذام
فيا (علي) تهنأ ولتزد شرفا
بكل بحث له شأن وإحكام
ويا كئوس أضيئي بالشراب كما
تضيء فينا مسرات وإلهام
إنا جمعنا بوحي الحب في شمم
وكلنا مزده بالحب بسام
تكريم شرف
(ألقيت في حفلة تكريم الدكتور محمد شرف بك، صاحب المعجم الطبي العلمي المشهور، التي قامت بها (الجمعية الطبية المصرية) يوم 7 يناير سنة 1930 برئاسة الأستاذ الدكتور علي بك إبراهيم، عميد كلية الطب.)
شكرا عميد الطب ما أهديته
من مدحك الغالي إليك يعود
لو أن أعلام البلاد تمثلوا
بحجاك ما طويت لمصر بنود
قدرت ما بذل النبوغ ببيئة
فيها النبوغ مشرد محسود
و(الطب) حولك في ذويه مرحب
و(النيل) يسمع صوتنا فيجود
هذا جمال البر في استعلائه
هل كان إلا للوفاء خلود؟
شرف الزمالة أن يمجد ماجد
ما دام للنبل الصحيح وجود
ومن البطولة في زمان تناحر
هذا الإخاء الشائق الممدود
شرف رعاة الطب هذا الصدق في
خلق وهذا الحفل وهو عهود
هذي مواثيق الحياة وجوهكم
من نال تقدير الحياة يسود
و(محمد) في اللوذعية من له
سير، ومن إنجابه محمود
رجل بنى، حين العديد حياله
هدموا، وحين معينه مفقود
عشرون عاما قد مضت في جهده
فإذا المجامع
1
ذلك المجهود
حتى حبا اللغة العزيزة كنزه
في معجم إفصاحه مشهود
شهدت روائعها بروعة ذهنه
منها نعل ولا نزال نرود
وببرها استغنى عن الحظ الذي
حرمته أقوام بمصر قعود
حتى أضاء له جميل إخائكم
فإذا جمال إخائكم معدود
فليلق من إنصافكم ما فاته
عملا، فما للمنصفين حدود
حق النبوغ حفاوة من قدره
تجدي فتثمر من جناه وعود
والنيل أحرى أن يكافئ أهله
بذلا وذاك سخاؤه معبود
إلى الآنسة مي
في وفاة والدها
لو عد للذكر العزيز نهاية
لعددت خطبك لا عزاء بمثله
أنت العزاء لنا، وأنت لمن مضى
نعم العزاء، فأنت آية فضله
يحيا بسيرته، ويحيا مشرقا
بالعبقرية في يتيمة نبله
والمرء يعجزه الخلود بنفسه
وأبوك عاش بفرعه وبأصله
فلئن جزعت فإن خطبك فادح
ولئن صبرت فقد بررت بمثله
يا أم!
(1) الأصل لصاحب الديوان
يا أم! فاتوك دهرا
فأصبحوا جاهليك
تفرقوا وتناسوا
آثار فضل يليك
أخرجتهم من جمود
وعيشة حجريه
إلى ثقافة غرس
ونشأة المدنيه
والآن عادوا ولكن
لم يعرفوا أمهم
أم الشعوب جميعا
من هذبت علمهم
وأنقذتهم قرونا
من الظلام البهيمي
لولاك دموا هوانا
في مثل عيش البهيم (مصر) التي في ثراها
ما زال كنز دفين
والموت فيها حياة
والخلد فيها رهين
واليوم هم يسألون
أأنت بلغت رشدا
حتى تساوي شعوبا
في الحكم أشرقن مجدا؟!
ما بالهم ينسون
سؤال (يونان) قدما
بل كل شعب عريق
في المجد بعدك هما؟!
إن كنت يا أم لهفى
من العقوق الأليم
فلتضحكي إن فيه
سخر الحياة العظيم! (2) الترجمة للأديب الفلسطيني هاني قبطي
MOTHER!
For ages past thou wert forsook,
And thus ignored by folk and ken,
They parted and no notice took
Of your blest tender care and pain, •••
Out of the dull and timid life
Of stone age hast thou brought them right,
Uato a dawn of civil strife
Of culture knowledge and of plight, •••
And, aft their absence, they repair
In vain to know their mother still:
The mother of all countries fair,
Who gave all knowledge, wit and skill; •••
Who saved them since the days of yore,
From every gloominess and glen.
were’t not for you no progress nor
No gentil, humane، decent men. •••
Thou; Egypt, in whose earth remains
A buried treasure safely hid:
Where death is life: where one obtains
Immortal life, but fairly bid. •••
Isnt, now.a.days, the queries stand
Whether maturity you’ve attained!
And thus are able in command,
As nation is have their reiga sustained! •••
How be it, they would feign to have
Forgot, to ask old Greece and yea
All other nations mighty brave,
Who rose but after so to say! •••
So, mother, if you’re grieved at this,
Their fell ingratitude forlorn,
You should but laugh, for in it is!
life’s greatest ridicule and scorn!
مجد الرجال
(نظمت لحفلة تكريم الدكتور محمد شرف التي أعدها الأستاذ الدكتور محمد خليل بك عبد الخالق.)
محضناك الثناء وليس يكفي
فإنك واحد بمقام ألف
وهبت الجيل تكرمة المعلى
بإخلاص وإبداع وعطف
فكل تجلة أغنيت عنها
كما تغنى العلا عن كل وصف
وحسبك ما بعثت من الغوالي
فكان تحية لك كل حرف
كفتك شهادة (الفيروزبادي)
وإعجاب (ابن سيدة) بعد يكفي
فما جئنا لنشكر أو لنهدي
إليك الحب في عطف وعرف
فلست بحاجة لبيان صدق
من الإحساس لا يقصيه مخفي
ولكنا نكرم فيك أسمى
أمانينا التي حانت لقطف
وهبت الطب مثل العلم كنزا
من التعبير صفا بعد صف
وكنت لحرمة (الضاد) المرجى
وقد مات الألى عاشوا لقصف
ولم أر في ربوع النيل فذا
بعزمك أو بجهدك أو بكشف
سوى الرجل الذي قد جل حتى
عن التعريف، لم يوصم بخوف
نراه الباحث العلام فينا
ويأبى صيت مفتون بعزف
ويعطي فخره لجلال (مصر)
كوقف لا يقاس بأي وقف
فلست إذن مسميه فإني
أبجله بأيماني وطرفي
لأنت أخوه في مجد وكد
وكان أخاك في شرف موف «خليل»
1
للعلوم بلا جفاء
يعز خليل عرفان ولطف
فيا (مصر) ازدهي ببزوغ فجر
يسل به اليقين أحد سيف
ويلمع للتعاون فيه نور
وكان الحقد يعبث والتشفي
إذا عرف الرجال حقوق بعض
لبعض نزهوا عن كل ضعف
وقامت من تضافرهم حياة
قد استذرت بلا عسف وحيف
فتنتظم البلاد بهم وتسمو
ويغدو الفرد معدودا كألف
عرس الصديق
(إلى الصديق الأستاذ حسن صالح الجداوي في حفلة اقترانه بالآنسة المهذبة زينات إمام فهمي.)
أي عرس وفى بأكرم أنس
جعلته الأحلام أبهج عرس
لك يا صاحبي العزيز ويا خل
لي الذي يفدى بنفسي
غاية الحب مبدأ لجديد
من هوى بالغ ومن فيض أنس
وضمنت الذي رجوت من الآ
تي كما قد ضمنت أحلام أمس
لك من مهجتي التهاني التي كا
نت لنفسي عن شطر روحي الأمس
وعزيز علي أني بعيد
عن مجالي السرور نضو التأسي
حرمتني الأيام قربك أعوا
ما فكنت المحروم روضي وشمسي
وتمنيت أن أعوض حرما
ني فكان التعويض إيلام حسي
ومن الصفو ما يكون شجونا
ومن البؤس ما يرى غير بؤس
وعذيري على احتجابي هدى قل
بك في علمه بشوقي وبأسي
وأراك المسامح المتفادي
عن ملامي إن لمت دهري ونحسي
كن صديقي كما يشاء لك الحظ
يكن لي العزاء هذا التحسي
اشرب الكأس من نظيمي بذكرا
ك كما قد شربت بالحب كأسي
منشدا في الضمير ما أنت من حس
ن عزيز ومن طموح وبأس
فأراك الحري من نعم الدنيا (بزيناتها) لقلب ورأس
عرفتك الأخلاق والأدب الغا
لي كمعبودها الكريم المؤسي
وارتضاك البيان فارسه المب
دع مثل ارتضاء حر بحبس
ويوافيك جمعها بتهاني
ه، فأجمل بجمع دنيا بعرس
جبران خليل جبران
روع الشعر أن يكون المعزي
والمعزى للرزء في (جبران)
وبكت عنده (منرفا) حبيبا
وهب (الحكمة) امتثال البيان
شاعر أنجبته أمة شعر
وشقته العيون في (لبنان)
غاب عنها وذاب فيها دموعا
وهو ملء الأجرام والأوطان
عاش لا يرتجي سوى لفظة الرو
ح بمعنى يعيش فوق المعاني
عشقت وحيه (الطبيعة ) حتى
جذبته برغمنا في حنان
وتجلى لسمع الشاده الخا
لد ما غاب من قرون الزمان
مات حيا في كل معنى سرى
سريان الأمواج بالألحان
مات موت الأبطال في عهد (يو
نان) وبز الأبطال في الإحسان
شرف العقل بالنفيس الذي يع
لو بقدر الأرواح والأبدان
تلك آياته: معان من الخا
لق سبحانه بلفظ ثان
صورت صورتين: إحداهما الشع
ر، وأخراهما نقوش غوان
ملء كلتيهما عواطف قلب
دائم الحس، دائم الخفقان
تخذ الرمز في الحياة لهيبا
هو نفس تثور كالبركان
قدمتها يد إلى الناس إعزا
زا لحب الإنسان للإنسان
ذاك (جبران) في الحياة وفي المو
ت: رسول الخلود والإيمان
فوزي المعلوف
فقيد الشعر وصاحب ملحمة (شاعر في طيارة)
حيت ربوع النيل أول طائر
قد شق ليل سمائها بضياء
وأتى كنجم زائر متشبث
بالمجد والعلياء في الأنواء
ونعيت أنت فطرت أكرم طائر
منح السماء مشاعر الأضواء
والناس حسرى في نواك، وبينهم
شعري يئن بلوعة وبكاء
ما كنت أحسب إذ نقدتك أنني
أبكيك، أو أن المديح رثائي
شعر كشعرك لا يموت، وربه
حي على الأنداء والأضواء
بزغت (بلبنان) الجميلة روحه
وبدا بطهر ثلوجها البيضاء
غنت بروح منه في جولاتها
نحل الربيع كما نظمت غنائي
وتلفتت تدعوه أزهار الربى
ليقيم طي رحيقها الوضاء
وتراشقت تلك الأشعة حوله
في معرض التكريم والإرضاء
فالعبقرية لا محل لكنهها
أبدا وليس جلالها لفناء
كل الجمال مطوع لجمالها
كل الوجود يخصها بدعاء
تحيا وتفنى، والحياة وضدها
سيان في ملكوتها المتنائي
ستعيش أنت بكل شعر فاتن
أو خالق لمواهب القراء
ستعيش في دنيا الجمال بما وعت
من رقة وعواطف وغناء
تتهافت الآيات في جناتها
دوما على إبداعك المشاء
ويظل صيتك ند ما خلدته
من وصف آثار الجلال النائي
وتغيب في بدء الربيع، وإنما
تعطيه روحك في جديد نماء
وينوح من يرثيك وهو منعم
بك في مآثر عمرك المعطاء
حتى يقر النابهون بأنهم
ألفوك بين مخلدي الأحياء
السندباد
(إلى الصديق الأستاذ كامل كيلاني لمناسبة هديته «السندباد البحري»، وهي الحلقة الأولى من سلسلة «قصص للأطفال».)
شكرا إلى أدب الصديق وإن يكن
في غنية عن أن أكون شكورا
وافت عديته النفيسة عندما
آنست من (عيد الزهور) زهورا
1
ووددت تقبيلا لطفلك حينما
أدركت أنس شعوره مسطورا
والطفل عبد للخيال وسيد
في الناس يحكم آمرا مأمورا
هو (مصطفاك) فما اصطفيت لذهنه
إلا الذي ملأ الورود عطورا
جددت لذة (ألف ليلة) قادرا
ووهبتنا جزرا لها وقصورا!
وأعدت خلق السندباد كأنه
أضحى نشاركه منى وشعورا
قلم حباك الله من رضوانه
مج المداد شهاده والنورا
يستمتع الآباء من معسوله
ويصفق الأطفال منه حبورا
ويتابعونك في عوالم وصفه
كالفاتحين المالكين عصورا!
الراجعين لنا على أحلامهم
بمواعظ تذر الصغير فخورا
شكرا وإن أنكرت شكري دائما
متواضعا مهما بذلت شهورا
وهوى إلى الطفل العزيز مؤملا
في عيده
2
نورا يزيدك نورا
وثناء أولادي إليه لوحيه
إبداعك المستعذب المبرورا
صرنا عيالك كلنا بسرورنا
فاقبل تحيات لنا مسرورا!
الأدب القصصي
(تصدير كتاب «مختار القصص» للصديق الأستاذ كامل كيلاني.)
إن الحياة إذا اعتبرت رواية
فاستوح من قصص الحياة خيالا
وتلق ما رسمته ريشة (كامل)
مما يشوق روعة وكمالا
بالأمس كان مرنحا أطفالنا
1
واليوم رنح جهده الأبطالا
يستخلص العظة الكريمة جوهرا
ويجود مغتبطا، ولا يتعالى
فترى التألق في حياة سطوره
وترى الحياة بها تفيض جلالا
وتشم من عبق التفنن نفحة
وتذوق من خمر البيان حلالا
وترى التصرف بالخوالد زادها
خلدا، وزاد مآلها آمالا
يختار من قصص الورى مختارها
كالنحل تعشق زهرها العسالا
فإذا أقل فما تراك محيرا
وإذا أطال فما تقول أطالا
سيان في إنعامه إبداعه
ما فات إكثار له إقلالا
فإذا اغتبطت من اضطراد نشاطه
كالنور حين يزيدنا إقبالا
فلقد غدا الأدب الجديد بجهده
كلفا وصار بوده مختالا
مجد العلم
(إلى الدكتور علي باشا إبراهيم.)
علا نلتها، لكن لها مجدك الأسنى
فللعلم مجد في العظائم يستثنى
فتحت سبيل الرائدين، ومن يكن
له عزمك الغلاب يستصغر الحصنا
وكنا تغنينا بمنف وطبها
فلما تناجينا رأينا بك المعنى
ولما افتقدناها، وللشعب عزة
بماضيه جددت الجلال، الذي كنا
ويا رب فرد في المكارم أمة
ويا رب نفس حولها أنفس تغنى
لتهنأ بك الأيام أنى تطلعت
إلى الطب يشفيها ويورثها الحسنى
أأذكر فيك النبل والناس ما دروا
من النبل إلا أن يكونوا له غبنا؟
تعود مريضا شافيا جرح نفسه
وجثمانه حتى تجدده مثنى
فيعرف بعد اليأس فسحة مأمل
وقد كاد من هم ومن علة يفنى
أأذكر فيك العلم ملء تواضع
كما تخفض الأثمار من جودها الغصنا؟
وما كنت بالمنان يوما وكم أرى
دعيا على البانين للعلم ممتنا
أأذكر فيك اللطف وهو سجية
ملكت بها ألبابنا فتمتعنا؟
فتسكب مثل البدر رغم اعتلائه
نداك على جمع تحييه أو مغنى
أأذكر آيات الرجولة حينما
شقينا بمن آذوا عواطفنا طعنا؟
كأنا بدنيا للشياطين والأذى
فتلقى جهير الناس بالكيد مفتنا!
فكنت مثالا لكمال مجسما
وكنت إماما للكرامة بل أسنى
ولم ترض يوما لامرئ جاء شاكيا
من الغبن إلا أن تكون له عونا
فكنت نصيرا للنبوغ ببيئة
تحاربه جهرا وتدفنه دفنا
وترفض أن يعزى إليك انتصافه
وتأبى إباء أن تخص به دينا
شمائل عزت في بلاد فقيرة
إلى مثلها؛ إذ ليس عنهن يستغنى
فإن كرمتك الناس فالناس كرموا
بك العلم والأخلاق والنبل والفنا
الدائن العظيم
(نظمها الشاعر يوم 28 ديسمبر سنة 1928 قبيل مغادرته الإسكندرية ترحيبا بالدكتور طه حسين حين كان يحاضر في الشعر العربي بمدرسة الليسيه الفرنسية بالشاطبي.)
أتجيز لي قبل الرحيل الداني
إنشاء إعجابي وحب جناني؟
رددت من قبل الثناء ورددت
بعدي السنون، فما اكتفى وجداني
حتى تلاقينا فضمخ مسمعي
لطف بإحسان على إحسان
وأصخت للأدب الصميم يزينه
نور الذكاء وشعلة العرفان
فسمعت أفصح منطق متسلسل
كتسلسل الألحان في الغدران
وسع القديم مع الجديد فأكسبا
من طبعه الفنان حلو معان
علما أراك، بروحه من عصره
ما طاب من حسن ومن ألوان
قد كنت تعجز بالكلام كتابة
حتى خطبت فخانني حسباني
تتدفق الألفاظ منك بعزة
كتدفق الإلهام من فنان
في تؤدة مرموقة كرشاقة
غنيت عن التزويق والإعلان
تستأسر الألباب في رفق كما
يستأسر الأحلام لطف غواني
غنيت غنى عن موقف وإشارة
بروائع التعبير والإيمان
فتتابع الغيب الذي جددته
من سالف الدولات والأزمان
لك عالم في ذهنك الجبار بل
قامت لديك عوالم الأذهان
ودرست أعصارا دراسة جائل
فيها، وعدت لنا بحذق الباني
فخر لهذا الجيل عمرك مثلما
هو فخر ما يعتز في الإنسان
من كل موهبة تألق حولها
للعبقرية شائقات بيان
قل يا إمام العصر في نقد وفي
بحث وفي كد وفي إتقان!
يصغى إليك العائبون كأنهم
في أخذهم خروا إلى الأذقان
ونصيخ نحن إليك في إعجابنا
كالمنصتين إلى نبي حان
أحييت موتى الغافلين وكم أرى
في الناس أمواتا بلا أكفان!
ورفعت للتجديد راية نهضة
فاقبل أقل الدين من عرفاني
ميلاد شاعر
(نظمت لمناسبة تكريم الشاعر المصري الأستاذ محمود أبو الوفا في عيد ميلاده، 25 ديسمبر سنة 1931.)
صداحة الروض أحيي الروض ألحانا
وودعي اليوم أتراحا وأحزانا
واستقبلي مثلنا عيدا تضيء به
هذي المحبة والإخلاص ألوانا
أضعت إنشادك الماضي فما استمعت
إلا نفوس تداوي شجوك الآنا
اليوم عيدك لا عيد نخص به
إن الجمال مشاع أينما كانا
ولدت للشعر والألحان من أزل
فكم يناجيك من يهوى ومن عانى
أبى الوفاء سوى ذكراك في فرح
كما ذكرناك في تبريح شكوانا
يكفي مكانك في إلهام شاعرنا (أبي الوفاء) فمن ذكراك غنانا
فتى هو الشعر تصويرا ومنزلة
ورقة ومنى شاقت ووجدانا
يطير بالروح في الدنيا بأجمعها
ويعتلي خفة ما شاء أكوانا
فهل من العدل أن يبقى الأسير بها
جسما، وهل كان رب الشعر جثمانا؟
رنت له صيحة هزت مشاعرنا
كما تجيب الصخور الصم بركانا
فأيقظتنا وكان الموت يشملنا
وحركتنا فبات الصخر إنسانا!
وصار عيدا لنا معنى أخوتنا
في عيد من لم يكن في الهجر ينسانا
والحب إن لم يكن للناس أمثلة
تحيا فعالا فلا كانوا ولا كانا
الضريرات
(في حفلة ملجأ الضريرات بالزيتون.)
إذا عرف العقل البصير مكانه
فكل ضرير كالبصير بصير
وإنا بعصر ليس يسمو لعزة
سوى العقل، فهو الكون وهو جهير
سلام رجال النور، إن جهودكم
حياة بها لب الحياة ينير
لكم كل فخر بالذي زان حفلكم
من الحب، والحب السليم أمير
إذا أخلص الإنسان في نفع قومه
فكل صغير بالوفاء كبير
فكيف وأنتم حفلكم بات شاملا
وتعشق منه بسمة وعبير؟
شملتم بعطف الملجأ السمح كل من
إليكم تناهت تشتكي وتشير
فبدل منها الخوف أمنا، وأصبحت
تودع ليلا عاقها وتسير
تسير بدنيا العلم والفهم في غنى
من الصفو والتحرير وهو كثير
غنيتم بما قدمتمو من مروءة
عن المدح يزجى منتهاه قدير
غنيتم بهذا النصر للروح في مدى
على الجسم في حال عداه نصير
فكل ثناء دون إحساس من لها
بإحسانكم دنيا سمت وأثير
تمثل هذا العطف تمثيل حسها
وتشهد منها حرقة وزفير
ونحمد أنا في الأخوة هكذا
جنان وقلب نابض وضمير
الغراب والبستاني
(1) الأصل لصاحب الديوان
إني لأذكر فنانا سررت به
نعيمه كله في حظ بستاني
يهوى الجمال ويوفيه عبادته
وإن تنوع في شكل وألوان
ما كان يؤثر منه مظهرا أبدا
بل كان يعشق منه روحه الساني
كل المظاهر كانت عنده شرعا
وحبه هو صنو النور روحاني
لكنما فتنته زهرة بسمت
كأنما هي جمع الحسن في آن
فصار يعنى بها من عهد نشأتها
وزاد عمرا لها من بره الحاني
وخصها بأغانيه ومهجته
في اليسر والعسر، في صفو وأشجان
وغاب عنها، ولما عاد في شغف
وكله خشية من بعده الجاني
قال الغراب له: لا تخش سقطتها
فقد خدمتك عرفانا لإحسان
انظر إليها، تجدها لم تزل ملكا
في عالم الزهر، قد خصت بتيجان
فراح يشكر هذا الود مغتبطا
وأم زهرته في شوق جذلان
فلم يجد عند رؤياها سوى شبح
قد شوهته جنايات لغربان! (2) الترجمة إلى الإنجليزية للأستاذ عبد الله مصطفى
THE CROW AND THE GARDENER (Au Allegory)
An artist I ver’ly remember,
Whose lot was that of a blest gard’ner. •••
With love of beauty him did the Muse
Instil and enchant with her forms and hues. •••
This shape or that design should she take,
His love, light-begot, never did shake. •••
Once charmed was he by a blooming bud,
Which he with tender care did fain tend, •••
Until a flower did she become
And smile and shine in fragrance wholesome. •••
Of her radiant grace he sang and thought
In times of joy, grief, plenty and naught; •••
Yet was he doomed by absence to part
From the adored concern of his heart, •••
And when he with yearning did return,
His exalted symbol to discern, •••
A crow, to him obliged for favours,
Him on the way did meet with murmurs •••
And unto him did say earnestly: “The flower have I treated kindly •••
Thou wilt anon behold her a queen
Crowned in a halo of lustrous sheen”. •••
Deluded by the crow’s sham saying,
To the flower goeth hastening •••
The Gardener, her to fiad defiled
By the mischiefs of crows fierce and wild.
الربيع الوليد
(ألقيت في الحفلة السنوية لجمعية الاتحاد والإحسان السورية للرجال والسيدات بطنطا.)
تغنى الربيع بروح الحياه
فقرت عيون وطابت شفاه
ومذ قبس الشعر منها مناه
أتى يتهادى ويحبو غناه
مآثركم في مجالي الحياه
سمعنا لكم دعوة الاتحاد
وآية إحسانكم في البلاد
وعرفانكم للتآخي فزاد
بدعوتكم حبنا للجهاد
لنشر المحبة في كل ناد
وما استأذن الشعر إلا الغصون
وما حملت من معاني الفتون
بزهر ونحل وصوت حنون
لدى وقعه كل غال يهون
فذلك وحي الهوى والفنون
فقالت أزاهيرها في حبور «ستظفر من بعد نوري بنور
حبته الحسان لأهل الشعور
بإحسانهن الشريف الغيور
ومجهودهن لمحو الشرور»
وقالت عزيزات نحلي الغوالي «هنالك شهد حليف الجمال
فلا تنسني فالربيع الموالي
وإن جاد يعجز في أي حال
عن الجود مثل ذوات الحجال
فذق حلو إحسانهن المباح
لرفع الشقاء وبرء الجراح
ونشر المعارف نشر الصباح
من الشمس فوق الربى والبطاح
وهل غير ذلك معسول راح؟
سأرقب عودك وهو الحميد
بشهد جديد وروح جديد
فيغدو كلانا بحق سعيد
ونجعل من يومنا يوم عيد
نقدس فيه الربيع الوليد»
كذلك تجتمع الآيتان
كما اجتمعت حولنا الشعبتان
1
رجال لهم وثبة في الزمان
لإنقاذ إخوانهم من هوان
وإحلالهم في أعز المكان
وأسمى عتاثلنا الميرات
ذوات الهبات لماض وآت
غرسن الحياة محل الممات
وما اخترن إلا جمال الصفات
وساما تهيم به الكائنات
فيا مجمعا جاء كالهيكل
ويا همما في المكان العلي
كذا فليكن شأن من يعتلي
ويحمل للناس في مأمل
شعاعا ويملأ قلب الخلي
Bog aan la aqoon