Ashhar Khutab Wa Mashahir Khutaba
أشهر الخطب ومشاهير الخطباء
Noocyada
أما في الدولة العباسية - وهي في اعتقادنا سبب انحطاط شأن العرب لنزوع الخلفاء نزعة دينية محضة - فإن الخطابة فقدت في عصرها صفة الارتجال وملاءمة الخطبة للظرف المحيط بالخطيب. وصارت الخطب تنسخ نسخا وتحفظ حفظا، فيفيض سجعها غثاثة ويشبه أولها آخرها في قلة المعنى واتساق النباهة.
ثم اجتاح المغول الدول العربية ومحوها من الوجود إلا صورة أبقوها في الخلافة العباسية، وما كان أغناهم عن ذلك لأن الخلفاء العباسيين كانوا أنفسهم من حيث الدم مغولا في ذلك الوقت.
وحكم المغول من كرد وترك وأفغان وسائر الآسيويين الذين تسلطوا على البلاد العربية لم يتقلص ظله في الواقع إلا منذ نحو مائة سنة حين نهض العرب في مصر وسوريا. وكانت مصر هي البادئة المتبوعة فظهر فيها خطباء، وكان أول ظهورهم في الثورة العرابية.
رأي أديب عربي في الخطابة
كان إبراهيم بن جبلة يعلم فتيان العرب الخطابة فمر به بشر بن المعتمد فوقف يستمع، فظن إبراهيم أنه إنما وقف ليستفيد. فقال بشر: «اضربوا عما قال صفحا، واطووا عنه كشحا!» ثم دفع إليهم صحيفة من تنميقه وتحبيره يصح أن نعتبر ما جاء فيها أساسا لما جرى عليه بعض العرب في تأليف الخطب.
قال بشر في هذه الصحيفة: «خذ من نفسك ساعة نشاطك وفراغ بالك وإجابتها إياك، فإن نفسك تلك الساعة أكرم جوهرا وأشرف حسبا وأحسن في الاستماع وأحلى في الصدور وأسلم من فاحش الخطأ. وأجلب لكل عين من لفظ شريف ومعنى بديع، واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة، والمجاهدة بالتكليف والمعاودة، ومهما أخطأك لم يخطئك أن يكون مقبولا قصدا، وخفيفا على اللسان سهلا، كما خرج من ينبوعه ونجم من معدنه. وإياك والتوعر فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك. ومن أذاع معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما؛ فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن يصونهما عما يفسدهما ويهجنهما وعما تعود من أجله إلى أن تكون أسوأ حالا منك قبل أن تلتمس إظهارهما وترهن نفسك بملابستهما وقضاء حقهما. فكن في ثلاثة منازل:
فأول ذلك أن يكون لفظك رشيقا عذبا أو فخما سهلا، ويكون معناك ظاهرا مكشوفا وقريبا معروفا. إما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت وإما عند العامة إن كنت للعامة أردت. والمعنى ليس يتضح أن يكون من معاني العامة، وإنما مدار الأمر على الشرف مع الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام من المقال. وكذلك اللفظ العامي والخاصي. فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك وبلاغة لفظك ولطف مداخلك وقدرك في نفسك على أن تفهم العامة معاني الخاصة وتكسوها الألفاظ المتوسطة التي لا تلطف على الدهماء ولا تجفو عن الأكفاء فأنت البليغ التام.»
وقد عاش بشر في أيام الرشيد وكانت وفاته في سنة 183ه (800م) وكان معتزلي المذهب وانفرد بمسائل فصار رئيس طائفة يقال لها البشرية. (2) خطبة لقس بن ساعدة
كان قس خطيبا في جاهلية العرب وأدركه النبي فقال فيه: «يرحم الله قسا إني لأرجو يوم القيامة أن يبعث أمة وحده.» وينسب إليه أنه أول من قال: «أما بعد.» خطب في سوق عكاظ فقال:
أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. ليل داج ونهار ساج وسماء ذات أبراج. ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراه. إن في السماء لخبرا. وإن في الأرض لعبرا. ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟! أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا؟ يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه، إن لله دينا هو أرضى لكم وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه. إنكم لتأتون من الأمر منكرا.
Bog aan la aqoon