٤ - ولا يفوتنا أن نذكر أن المرقش الأصغر والمرقش الأكبر من أسرة طرفة الشاعر. فالمرقش الأصغر ٥٦٠ م عم طرفة. والمرقش الأكبر ٥٥٢ م عم المرقش الأصغر.
ومن أقارب طرفة خاله المتلمس ٥٨٠ م. ويعد من الطبقة الثانية عند بعض النقاد، وله قصيدة سينية في الجمهرة وقد نظمها بعد قتل ابن أخته طرفة يوقظ فيها بكرًا ويدعوها إلى الانتقام من عمرو بن هند ملك الحيرة، ويقول فيها:
يا آل بكر ألا لله أمكمو ... طال الثواء وثوب العجز ملبوس
أغنيت شاتي فأغنوا اليوم تيسكمو ... واستحمقوا في مراس الحرب أو كيسوا
وتتصل حياة المتلمس بحياة طرفة اتصالًا وثيقًا، كما سترى فيما نقصه عليك في القريب. وترجم له ابن قتيبة.
ويقول صاحب الأغاني عنه: "وهو من شعراء الجاهلية المغلين المفلسين ويرى صاحب "الأدب الجاهلي" على مذهبه من إنكار الشعر الجاهلي أن شعر المتلمس "مخترع منحول"، وأنه قد يكون المتلمس نفسه أيضًا شخصًا روائيًا مخترعًا وهو رأي غريب.
نشأة الشاعر وحياته
١ - لا ندري متى ولد طرفة على وجه التحديد. وإن كان قد أدرك عهد عمرو بن هند ملك الحيرة، وأمر عمرو بقتله في أوائل حكمه، وقد حقق بعض المؤرخين والمستشرقين أن عمرو بن المنذر الثالث المشهور بابن هند تولى ملك الحيرة عام ٥٦٢ م، فإذا كان طرفة قد قتل في مطلع حكمه، فيكون تاريخ موته نحو عام ٥٦٥ م، وإن كان جورجي زيدان يذكر أن وفاته سنة ٥٥٠ م.
وقد قتل طرفة وهو شاب صغير في العشرين أو الخامسة والعشرين أو السادسة والعشرين من عمره على اختلاف الروايات، إذ تقول أخته الخرنق تبكيه:
عددنا له ستًا وعشرين حجة ... فلما وتوفاها استوى سيدا ضخما
فجعنا به لما رجونا إبابه ... على خير حال، لا وليدا ولا قحما
فيكون ميلاد طرفة نحو عام ٥٤٠ ميلادية وتكون حياته على الراجح من سنة ٥٤٠ إلى ٥٦٥ م. ويجعل باحث آخر ميلاده عام ٥٣٨ م، والرأيان متقاربان.
٢ - نشأ طرفة في هذه البيئة العامة من بلاده، وتلك البيئة الخاصة من أسرته وحسنها، يجول ببصره في هذه الفيافي المترامية القبح ومشاهدها، ويصعد بفكره في هذه الحياة البدوية، وما خالطها من أفكار وأديان ومبادئ ليفهمها ويتمثلها، وأخذ يعيش بين حسب كريم وعدد كثير وحمية ظاهرة. ولكنه فوجئ وهو طفل صغير بوفاة والده، فكان لذلك أثره البليغ في نفسه وحياته، فكفله أعمامه وقاموا بواجب تربيته.
وبعثت بيئته وحياته ووراثته مواهب الشاعرية في نفسه، فنظم الشعر وهو صغير، يصف فيه مناظر الصحراء وألوان حياته فيها، ولذاته منها، وما يجده من قومه من تقصير في حق رعايته، ويشيد فيه بمجد قومه وأحسابهم، ويذود عن شرفهم وحياضهم ويهجو خصومه وخصومهم.
وكان ليتمه أثره الواضح فيه منذ حداثته فشب متوقد الذهن، مضطرم الشعور، حاد العاطفة سريع التأثر والغضب قوي الفطرة، صادق النظر يفزع إلى هجاء من يشعر منه بتقصير نحوه كما كان لحسبه ومجد قومه أثره في اعتزازه بنفسه، وتمجيده لشخصيته، وحبه الظهور بمظهر البطل الشجاع والشاب المقدام.
وأول شعر قاله هو هذه الأبيات التي أنشدها حين وجد أعمامه يظلمونه ويغتصبون حقًا لوردة أمه إذ أبوا أن يقسموا مال أبيه، ومنعوا حق أمه منه فثارت نفسه واشتعلت شاعريته، وقال:
ما تنظرون بحق وردة فيكم ... صغر البنون ورهط وردة غيب
قد يبعث الأمر العظيم صغيره ... حتى تظل له الدماء تصبب
والظلم فرق بين حي وائل ... بكر تساقبها المنايا تغلب
إلى أن قال:
أدوا الحقوق تفر لكم أعراضكم ... إن الكريم إذا يحرب يغضب
٤ - وأخذ الشعر يميل إلى اللهو ويسرف فيه ويعتنق البطالة والدعة والعبث ويهجو قومه وسواهم، ويسير وفق رغبات نفسه ونوازعها. ويذهب إلى حوانيت الخمر ويشربها مع نداماه وأصدقاء لهوه. فأخذ أهله يلومونه وينصحونه ويعاتبونه، حتى ضاق بعتابهم، فاقتاد راحلته يسير متنقلًا بين القبائل والأحياء.
سار إلى اليمامة وأناخ راحلته بفناء قتادة بن سلمة الحنفي فمدحه بقصيدة، ذكر فيها طرفة إسراف ابن عمه عبد عمرو في تنقصه وشتمه، ثم افتخر بنفسه، وخلص إلى مدح قتادة، وذكر ما كان من صنيعه مع قومه حين أتوه في قحط أصابهم فأكرم وفادتهم وبذل لهم من ماله وأكرم مثواهم ورفدهم، قال:
1 / 58