رواية معربة بقلم أحد الأدباء
اطلعنا في أحد أعداد من النشرة التونسية على خبر، رواه أحد وكلاء الدعاوي في تونس، أحببنا إثباته هنا؛ ليرى القراء أن ما نقل عن جود أهل البادية وعن تفانيهم في إكرام الضيف وتأهيل الغريب في القرون الغابرة قد توارثه العرب المحدثون، كخلفة شريفة يبذلون دونها نفسهم ونفيسهم، ويتفاخرون بها مرددين قول الشاعر:
الله يعلم أنه ما سرني
شيء كطارقة الضيوف النزل
ما زلت بالترحيب حتى خلتني
ضيفا له والضيف رب المنزل
قال الراوي: دعتني واجبات مهنتي في أواسط شهر آب سنة 1893، إلى بلدة تدعى زاوية المعيصرة شمالي «قربة» في أنحاء رأس الدار
Cap-Bon ، فعقدت فيها جلسة لاستنطاق بعض الجناة، ثم اتخذت لي دليلا من عرب الناحية نحو الساعة الثانية بعد الظهر؛ ليسير بي إلى «نابل» قبل ورود الليل، وما كنت لأباشر سيرا كهذا في فصل القيظ، لولا أني رأيت أديم السماء قد غطته السحب فلطفت ودائق الحر.
فلما صرنا على مسافة بعض أميال من «قربة» اكفهر الجو، وومض البرق الخاطف للأبصار، وعصفت الريح، فثار من الأرض عجاج كحل العيون بذراته، ولم يلبث قصيف الرعد أن دوى، ومزق أديم الزرقاء، وأجرى الأمطار كالسيل المدرار، فصارت ثيابي بعد قليل كعصير الماء إلا أن رفيقي صاح بي قائلا: «بارك الله فيك يا سيدي، فإن سفرك لميمون، دونك المطر غسال البيدر، ولكن لا سبيل إلى مواصلة السير، فهيا بنا نحل في هذا الدوار على شمالنا في جانب الطريق.»
فأذعنت لقول دليلي، وركضت جوادي إلى حيث أشار، فلما اقتربنا من المكان هرت في وجهنا الكلاب، وكادت تهجم علينا، وإذا برجل من أهل الدوار خرج فتقدم إلينا، فابتدره رفيقي بالسلام وقال: بشراك يا شيخ أحمد، هو ذا السيد ب. وعبدك أتيناك طالبين ضيافتك، فنسكن عندك ريثما يأذن الله في ركود الريح وهدو العاصفة. - بارك الله فيك وفي السيد القادم.
Bog aan la aqoon