Ruuxyada Gadoodsan
الأرواح المتمردة
Noocyada
وقفت بين القبور الثلاثة وقفة مؤبن أرتج عليه وانعقد لسانه لوعة فانسكب دمعه متكلما عن عواطفه. وحاولت التفكر والتأمل فعصتني نفسي لأن النفس كالزهرة تضم أوراقها أمام الظلمة ولا تعطي أنفاسها لخيالات الليل.
وقفت ومن دقائق تراب تلك القبور ينبثق صراخ التظلم انبثاق الضباب من خلايا الأودية ويتموج حول مسامعي ليوحي إلي الكلام.
وقفت ساكتا ولو فهم الناس ما تقوله السكينة لكانوا أقرب إلى الآلهة منهم إلى كواسر الغاب.
وقفت متنهدا ولو لامست شعلات تنهيداتي أشجار ذلك الحقل لتحركت وتركت أماكنها وزحفت كتائب كتائب وحاربت بقضبانها الأمير وجنوده وهدمت بجذوعها جدران الدير على رؤوس رهبانه.
وقفت ناظرا ومع نظراتي تنسكب حلاوة الشفقة ومرارة الحزن على جوانب تلك القبور الجديدة: قبر فتى دافع بحياته عن شرف عذراء ضعيفة وأنقذها من بين أظافر ذئب كاسر فقطعوا عنقه جزاء شجاعته، وقد أغمدت تلك الصبية سيفه بتراب قبره ليبقى هناك رمزا يتكلم أمام وجه الشمس عن مصير الرجولة في دولة الحيف والغباوة. وقبر صبية لامس الحب نفسها قبل أن تغتصب المطامع جسدها فرجمت لأن قلبها أبى إلا أن يكون أمينا حتى الموت. وقد وضع حبيبها باقة من زهور الحقل فوق جسدها الهامد لتتكلم بذبولها وفنائها البطيء عن مصير النفوس التي يقدسها الحب بين قوم أعمتهم المادة وأخرسهم الجهل. وقبر فقير بائس أوهت ساعديه حقول الدير فطرده الرهبان ليستعيضوا عنها بسواعد غيره، فطلب الخبز لصغاره بالعمل فلم يجده، ثم رجاه بالتسول فلم ينله، وعندما دفعه اليأس إلى استرجاع قليل من الغلة التي جمعها بأتعابه وعرق جبينه قبضوا عليه وفتكوا به، وقد وضعت أرملته صليبا على قبره ليستشهد في سكينة الليل نجوم السماء على ظلم رهبان يحولون تعاليم الناصري إلى سيوف يقطعون بها الرقاب ويمزقون بحدودها السنينة أجساد المساكين والضعفاء.
وتوارت الشمس إذ ذاك وراء الشفق كأنها ملت متاعب البشر وكرهت ظلمهم. وابتدأ المساء يحيك من خيوط الظل والسكون نقابا دقيقا ليلقيه على جسد الطبيعة، فرفعت عيني إلى العلاء وبسطت يدي نحو القبور وما عليها من الرموز وصرخت بأعلى صوتي: «هذا هو سيفك أيتها الشجاعة فقد أغمد بالتراب، وهذه هي زهورك أيها الحب فقد لفحتها النيران. وهذا هو صليبك يا يسوع الناصري فقد غمرته ظلمة الليل.»
مضجع العروس1
خرج العريس والعروس من الهيكل يتبعهما المهنئون الفارحون وتتقدمهما الشموع والمصابيح، ويسير حولهما الفتيان المترنمون بالأهازيج والصبايا المنشدات أغاني السرور.
بلغ الموكب منزل العريس المزدان بالرياش الثمينة والأواني المتلمعة والرياحين العطرة فاعتلى العروسان مقعدا مرتفعا وجلس المدعوون على الطنافس الحريرية والكراسي المخملية حتى غصت تلك القاعة الوسيعة بأشكال الناس. وسعى الخدام بآنية الشراب فتصاعدت رنات الكؤوس متآلفة مع هتاف الغبطة، ثم جاء الموسيقيون وجلسوا يسكرون النفوس بأنفاسهم السحرية ويبطنون الصدور بألحانهم المنسوجة مع همس أوتار العود وتنهيدات الناس وحفيف الدفوف.
ثم قامت الصبايا يرقصن ويتمايلن بقامات تلاحق مقاطيع اللحن مثلما تتابع الأغصان اللينة مجاري هبوب النسيم، وتنثني طيات أثوابهن الناعمة كأنها سحب بيضاء يداعبها شعاع القمر، فشخصت إليهن الأبصار وسجدت لهن الرؤوس وعانقتهن أرواح الفتيان وتفطرت لجمالهن مرائر الشيوخ، ثم مال الجميع يستزيدون من الشراب ويغمرون أميالهم بالخمور، فنمت الحركة وعلت الأصوات وسادت الحرية وتوارت الرزانة وتضعضعت الأدمغة وتلهبت النفوس واضطربت القلوب وأصبح ذلك المنزل بكل ما فيه كقيثارة مقطعة الأوتار في يد جنية غير منظورة تضرب عليها بعنف وتولد منها أنغاما جامعة بين التناسق والالتباس، فهنا فتى يبوح بسرائر حبه لفتاة أولاها الجمال تيها ودلالا، وهناك شاب يستعد لمحادثة حسناء مستحضرا إلى حافظته أعذب الألفاظ وأرق المعاني، وهنالك كهل يجرع الكأس وراء الكأس ويطلب بلجاجة إلى المنشدين إعادة أغنية ذكرته بأيام صبابته، في هذه القرنة امرأة تغامز بأطراف أجفانها رجلا ينظر بمودة إلى سواها، وفي تلك الزاوية سيدة قد بيض الشيب مفرقها تنظر مبتسمة نحو الصبايا لتنتقي منهن عروسة لوحيدها، وبجانب تلك النافذة زوجة قد اتحذت سكر حليلها فرصة فاقتربت من خليلها وجميعهم غارقون في بحر من الخمر والغزل مستسلمون إلى تيار الغبطة والسرور متناسون حوادث الأمس منصرفون عن مآتي الغد منعكفون على استثمار دقائق الحاضر.
Bog aan la aqoon