166

Art and Its Schools in Arabic Poetry

الفن ومذاهبه في الشعر العربي

Daabacaha

دار المعارف بمصر

Daabacaad

الثانية عشرة

Noocyada

ومع ذلك لم يخرج عن الفصحى، وظلت عنايته بالمعاني تحول بين شعره وبين السقوط. والذي لا شك فيه أنه بسَّط لغة الشعر لا في مجال اللهو والغزل والخمر كما صنع بشار أحيانًا وأبو نواس غالبًا؛ بل أيضًا في مجال الزهد والمديح، فحتى المديح لم يقف عائقًا في سبيل هذا الأسلوب المبسط السهل، إذا انفك عن كثير من تقاليده القديمة من حيث مقدماته في وصف الصحراء والرحلة على النوق، وكذلك من حيث لغته الضخمة الجزلة وما كان يشوبها من الغريب عند بشار وأضرابه. وأدته هذه السهولة وما يدمج فيها من تبسيط إلى اختيار الأوزان الخفيفة والمجزوءة يصوغ منها شعره؛ بل لقد اندفع يجدد في الأوزان على نحو ما مر بنا في الفصل السابق مُظْهِرًا براعة فائقة.
٨- ظهورُ مذهبِ التَّصنيعِ:
كان ذوق التصنيع أو الزخرف والزينة يعم في كثير من جوانب الحياة العباسية؛ فقد كانت قصور الخلفاء والأمراء وكثير من القواد والوزراء والأشراف تكتظ بالستور والبُسط المعلَّقة على الحوائط والنوافذ متنافسة بألوانها الزاهية وما عليها من التصاوير المذهبة، وكانت الحيطان والسقوف والأبواب تُذَهَّبُ وتفضض، كما كانت الغرف والأبهاء تزدان بالأثاث النفيس والفرش الأنيقة. ويصف أحمد بن حرب المعروف بأبي هفان مجلسًا للأمين؛ فيقول: إنه دعا الشعراء، فدخلوا إليه في إيوان "بَهْو" فائح فاسح يسافر فيه البصر، جعل كالبيضة بياضًا، ثم ذُهِّب بالإبريز المخالف بينه باللازورد ذي أبواب عظام ومصاريع غلاظ تتلألأ فيها مسامير الذهب، قد قمعت رءوسها بالجوهر النفيس، وقد فرش بفُرش كأنها صبغ الدم، منقَّش بتصاوير الذهب وتماثيل العِقْيَان، ونضِّد فيه العنبر والكافور وعجين المسك، والتزايين"١ ويصف آخر دارًا للواثق فيقول:

١طبقات الشعراء ص٢٠٩.

1 / 172