Arnabka Ka Baxsan Koofiyadda
الأرنب خارج القبعة
Noocyada
تأليف
محمد أبو زيد
مقدمة
لم تحفظ ذاكرة الزمن سوى صورة واحدة للفنانة التشكيلية الفرنسية، سيرافين دو سينليس (1864-1942)، تقف بجوار إحدى لوحاتها، وقد رفعت رأسها إلى أعلى. حين طلبت منها المصورة وقتها أن تنظر تجاهها «لماذا تنظرين إلى الأعلى؟ انظري إلي، كي أستطيع أن أصورك بشكل جيد»، أصرت سيرافين على موقفها «أنا أنظر إلى الملائكة، أصدقائي، هم الذين يساعدونني دائما في الرسم ويمنحونني هذه الأشكال.»
ربما لم تقصد سيرافين «الملائكة»، ربما كانت تريد أن تتحدث عن الوحي، والإلهام، عن ذلك المكان الغامض الغريب الذي يأتي منه الفن، عن المس، عن السحر، عن لسعة النار الأولى التي تصيب المرء فيظل يشعر بها إلى الأبد، وتجعله يهرول إلى ريشته أو قلمه كلما باغتته. ربما كانت تقصد الدهشة، المظلة التي كانت تحميها من صهد الواقع.
حياة سيرافين، التي تحولت إلى فيلم عام 2008 من إخراج مارتان بروفوست وبطولة يولاند مورو، تبدو مدخلا جيدا للحديث عن الدهشة وعلاقتها بالجمال والفن وإعانتها على احتمال الحياة.
كانت سيرافين دو سينليس خادمة ريفية طيبة، ورثت مهنتها من والدتها، وعاشت حياتها محملة بإرث عائلي ثقيل، تعيش وحيدة، بلا أصدقاء، تتكلم باقتضاب حتى تظن أنها نسيت من أين تخرج الحروف، وهكذا ظلت حتى يومها الأخير. كان يمكن أن تمر مثل ملايين غيرها، يولدون ويموتون دون أن يشعر بوجودهم أحد، لكنه ذلك السحر الذي مسها يوما، فحولها إلى فنانة دخلت التاريخ دون قصد ودون أن تدرك ذلك .
لم تكن سيرافين تعرف القراءة ولا الكتابة، وكانت معدمة تماما، لا تكفي النقود التي تحصلها من عملها كخادمة لسد رمقها، خاصة مع حالة الكساد الاقتصادي التي ضربت البلاد بسبب الحرب العالمية، لكنها رغم ذلك، كانت تشتري بهذه النقود القليلة مواد تحولها إلى ألوان ترسم بها لوحات مبهرة، وعندما لا تجد تعتمد على عطايا الطبيعة وأوراق الشجر في تجهيز ألوانها وموادها الخام التي لم يكتشف أحد سر سحرها الخاص ولا مكوناتها حتى الآن.
كان يمكن أن تموت سيرافين وهي تمارس هذا الفن دون أن يعرف أحد، ودون أن تعرف هي أن ما تفعله يساوي آلاف الدولارات، لم تكن تعرف أحدا من رسامي عصرها ولا العصور السابقة، لكنها كانت تؤمن بما تفعله، تؤمن بأن هذا السحر، هذه الدهشة، هي التي تجعلها تحتمل الحياة، وتصل الليل بالنهار لتكمل لوحات لا يراها أحد. لم يكن هناك دافع إلا الدخول إلى مناطق الدهشة والمتعة والجمال.
تعلمت سيرافين الرسم بنفسها؛ لأنه كان معينها الأول على احتمال الحياة، وكانت تعتبره حياتها، فكانت تفضل أن تشتري طلاء على أن تشتري خبزا. وعلى الرغم من أن أعمالها تصنف باعتبارها أقرب إلى «الفن الساذج»، فإنها في قيمتها توازي أعمال فان جوخ. لم يكن لديها مصادر للتعلم إلا الطبيعة؛ لذا في الفيلم الذي قدم عنها، نجدها عندما تجد شجرة تذهب لتحتضنها؛ فهي مصدر الدهشة والمتعة والجمال بالنسبة إليها.
Bog aan la aqoon