أما هي فدخلت على سيدتها فإذا بها لا تزال مستلقية على السرير وعيناها تذرفان الدموع، فدنت منها وقبلتها مبتسمة وقالت: «تجلدي يا سيدتي وتبصري فيما سأقوله، فإن الأمر يحتاج إلى الحزم، وثقي جيدا أن قسطنطين لن ينال منك شعرة بهمة سيدي أركاديوس، إنما علينا أن نعلم أركاديوس بما تم حتى يأتي لنجدتك، ولا شك عندي أنه يجيء مسرعا إلينا، وقد يكون مجيئه في النجدة التي سيرسلها أبوه إلى بلبيس، فكيف نعلمه بذلك؟»
قالت: «قلت لك يا بربارة إني لا أملك حواسي، فافعلي ما تشائين، ولكنني خائفة من سوء العاقبة.»
فقالت بربارة: «لا تخافي يا سيدتي، بل تجلدي، وأصغي لما أقوله لك.» قالت: «قولي ما بدا لك، وافعلي ما ترتئينه.»
فقالت: «أين هو خاتم سيدي أركاديوس؟» قالت: «هو في جيبي.» فأخرجته، وجاءت بقطعة من البردي، وختمتها به، وكتبت اسم أرمانوسة بالقبطية إلى جانب الختم، وأحاطت الاسم بدائرة سوداء، ولفت الورقة وجعلتها في حق صغير، وخرجت بالحقين إلى الرسول وخلت به، وأعطته قطعة من الذهب وقالت: «هذه هدية من السيدة أرمانوسة.» فأثنى عليها، فقالت: «خذ هذين الحقين، فادفع هذا إلى سيدك المقوقس حيثما وجدته، وهذا ادفعه إلى أركاديوس بن الأعيرج يدا بيد. أفهمت ما أقول؟ واحذر أن يراك أحد، فإن سيدتي أوصت والدها بأن يزيد في عطائك إذا قمت بما أقوله لك.» فقبل الحقين وخبأهما في جيبه، وخرج إلى جواده فركبه وسار قاصدا حصن بابل فرحا بما نال.
وعادت بربارة إلى سيدتها، وجعلت تطمئن قلبها، وتخفف عنها، فقالت أرمانوسة: «لا شيء يعزيني يا بربارة أبدا، فإن يوقنا اللعين سيأتينا قريبا فبماذا نجيبه؟»
قالت: «نقول له أننا لا نستطيع إجابة طلبه قبل وصول الجواب من سيدي المقوقس.»
قالت: «وما الفائدة من ذلك؟ فلعل أبي يجيبه إلى طلبه، أليس هو الذي ألقاني في هذا المأزق؟! سامحه الله.»
قالت: «أراك لا تنظرين إلى الحوادث إلا من وجهها المظلم، خلي عنك الظنون؛ لأننا لا ندري ما يكنه القضاء لنا، وأراني شديدة الأمل في سيدي أركاديوس، فإنه سيدفع عنك كل غائلة بسيفه، وأنا أقول لك إننا لا نسلم أرمانوسة قبل وصول أركاديوس، مهما يكن الأمر، ومتى وصل كان الأمر إليه، وهو أكثر ميلا للدفاع عنك من كل إنسان.»
فأحست أرمانوسة عند ذكر أركاديوس براحة، وسكن روعها، وهانت عليها المشكلات، ثم نظرت إلى بربارة وقالت: «هل عاد رسولنا مرقس من مهمته؟»
قالت: «لا، لم يعد يا سيدتي، وأنا في انشغال بال عليه، وبالأمس جاءني والد خطيبته يسألني عنه؛ لأنهم ينتظرون مجيئه بفارغ الصبر، ولا يخفى عليك انتظار الخطيبة لخطيبها إذا كانت تحبه.»
Bog aan la aqoon