قال ذلك وهم بالوقوف، فوقف مرقس وهو لم يفهم ما قيل، فوقف عمرو وقد أجاب زيادا إلى طلبه، ونادى وردان فحضر فقال: «هذان ضيفان علينا، وقد شعرت باستيحاش هذا القبطي لحديثنا لأنه لا يفهمه، فعليك بمحادثته بلسانه الليلة حتى لا يقول إنه رأى في ضيافتنا وحشة.»
فقال وردان: «لبيك»، واصطحب الرجلين وخرج بهما ولما أفهم مرقس ما دار بشأنه وهم خارجون أسف لتأجيل لأمر، ولكنه لم ير مندوحة عن الإذعان.
وسار بهما وردان إلى خيمته، وأنزلهما على الرحب والسعة، وقضوا بعض ذلك الليل في الحديث عن الإسلام وأخبار الصحابة والفتوحات، وما عرف به الخليفة عمر بن الخطاب من المناقب الحسان، وما يروى عن النبي من الأحاديث، فسحر زياد ومرقس بما سمعاه وقالا معا: «والله إن من كانت هذه مناقبهم وخلالهم لا غرو إذا دوخوا البلاد وفتحوا الأمصار.» وقد أعجبا بنوع خاص بما سمعاه عن عمر بن الخطاب حين جاء عرفجة بن مازن رسولا بكتاب من أبي عبيدة بما فتح الله على المسلمين، فوصل عرفجة إلى المدينة وعليه قباء فاخر من الديباج، وعلى رأسه مطرف خز مذهب، وهما من أسلاب الروم، فترجل عن ناقته، وسلم الكتاب إلى عمر وهو في المسجد يصلي، فنظر إلى عرفجة شزرا وقال: «من الرجل؟» قال: «عرفجة بن مازن» فقال: «يا ابن مازن أما كان لك في رسول الله أسوة حسنة؟ إن هذه ثياب الجبارين ومن جعل الله لهم الدنيا جنة، وهذا الديباج حرام على الرجال منا؛ لأنه لا يصلح إلا للنساء، وهذا الذي عليك تصدق به على فقراء المدينة. أما والله لقد دخلت يوما على رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وهو نائم على سرير مزمل بشريط، وليس بين جلده وبين الشريط شيء، وقد أثر الشريط في جلده، فلما رأيت ذلك بكيت فقال: «يا عمر ما الذي أبكاك؟» فقلت: «يا رسول الله إن كسرى وقيصر يعبثان في ملك الدنيا وأنت رسول الله بهذه المثابة.» فقال: «يا عمر ما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟» فناوله عرفجة الكتاب وسار من ساعته وخلع الديباج وأهداه إلى خالته.»
وحكى لهما وردان حكايات أخرى كثيرة مثل هذه فازداد إعجابهما، وكان يخاطبهما بالقبطية، وود مرقس لو كان المقوقس معهم ليرى أمر العرب وحالهم، ويزداد كرها للروم ورغبة في التخلص منهم، ثم رأى أن يستطلع من وردان أمر يوقنا وعلاقته بقسطنطين أو المسلمين، فقال: «وكيف ترون يوقنا؟» فالتفت وردان إلى مرقس وهز رأسه قائلا: «إنه يدعي الإسلام والقيام بنصرته، وقد وثق به أميرنا، ولكنني والله لا أظن به خيرا، ولا أعتقد صدق ما يدعي، وقد جاء أمام جيشنا ليحاربكم، ونحن لا نبالي إذا كان معنا أو علينا فإن سيوفنا تنصرنا حيثما حللنا.»
قال مرقس: «وهل قسطنطين بن هرقل يحبه؟»
قال وردان: «وكيف يحبه؟ إنه لو استطاع قتله ما تأخر لحظة عن إذاقته الموت الزؤام لأنه يحارب قومه.» ففهم مرقس أنه جاء بدسيسة للإيقاع بسيدته، فصبر ليرى ماذا يكون من أمره.
وباتوا ليلتهم، وأفاقوا في الصباح على أصوات المؤذن والمسلمون قيام للصلاة، وإذا بيوقنا قد جاء إلى خيمة عمرو، وخلا به برهة ووردان معهما، ثم خرج وردان فنادى الأمراء ليحضروا، فدخلوا خيمة عمرو، ولبثوا يتفاوضون، وجاء في أثناء ذلك وردان وأخبر زيادا ومرقس أن الأمير قد عزم على المسير إلى الفرما في ذلك اليوم.
فعظم الأمر على مرقس لأنه كان يود مخاطبة عمرو في أمر يوقنا حتى إذا كان قد جاء بدسيسة فعليه أن يحبط حيلته ويدبر وسيلة لإنقاذ سيدته أرمانوسة بواسطة عمرو، فبهت برهة ثم قال: «وما الذي حمله على سرعة المسير إلى الفرما، وقد كان في ظننا أنه يستريح بضعة أيام قبل مهاجمتنا؟»
Bog aan la aqoon