فأمسكتها بربارة بيدها وأخذت تقبلها قائلة: «قولي يا حبيبتي، ليس في الحب عار، ألم أقل لك إنك بمنزلة ابنتي، وقد ربيتك وعقدت النية على خدمتك إلى آخر حياتي؟»
فتنهدت أرمانوسة وأسندت رأسها إلى كتف بربارة برهة في صمت، ثم عادت فقالت لها: «إني قد وقعت في الحب، ولكن لا سبيل إلى بلوغ مرامي؛ لأني أحب عدوا لوالدي كما نطقت أنت، إني أحب أركاديوس بن الأعيرج، فكيف لا أندب حظي؟!»
فقبلتها بربارة وجعلت تخفف عنها قائلة: «لا تيأسي يا بنيتي من نعمة الله، فأنا نصيرة لك ولحبيبك إلى الممات. أما أنت فإنك بالغة المراد بإذن الله فلا تخافي، وعلي تدبير هذا الأمر، طيبي نفسا ولا تجزعي.»
فانتعشت أرمانوسة وصاحت قائلة: «أصحيح ما تقولين؟ هل تسمح الأيام بذلك؟ آه، إني إن نلت مرامي أكن أسعد فتاة على وجه هذه البسيطة، وإلا فأنا أشقى خلق الله.»
فقالت لها: «لا سمح الله بما يضرك . قري عينا واعتصمي بالصبر الجميل، وعلي ضمان ما تريدين، ولكن أخبريني كيف عرفت هذا الشاب وكيف علقت به؟ وهل هو يحبك مثل حبك له؟»
فتأوهت أرمانوسة وقالت: «لا تسألي عما جرى كيف جرى، فهذا هو الواقع. أما حبه لي فلا أشك فيه، وربما كان عنده ضعف ما عندي، وقد عرفت ذلك جيدا، فدبري الأمر بحكمتك.»
فقالت بربارة: «سكني روعك الآن، ولنعمل الفكرة في وسيلة توصلنا إلى المرام، فاتركي هذه المخاوف، وهلمي الآن إلى الفراش فقد آن وقت الرقاد، وفي الغد نرى ما يكون.»
فقالت أرمانوسة: «من أين يأتيني الرقاد وأنا على هذه الحال؟! ولكنني سأذهب إلى فراشي التماسا للراحة، وأرجو أن تتحققي أكان أركاديوس في جملة من دخلوا الحصن مع المدافعين أم هو باق في الإسكندرية أو في مكان آخر؛ لنرى ماذا يكون من أمره وأمر أبي وذلك الخطيب، آه منه!»
فقالت: «طيبي نفسا وقري عينا وتوكلي على الله. أما أبوك فلا تعارضيه واذهبي إلى بلبيس كما أراد، وسنرى كيف ينتهي الأمر، ولا تظهري شيئا من نفورك لئلا يزداد الخرق اتساعا.»
فقالت أرمانوسة: «كيف أستطيع الرضا بهذا الحكم الجائر؟! وكيف أذهب وأنا أخشى ألا أعود؟!» قالت ذلك وأخذت في البكاء، فضمتها بربارة إلى صدرها وأخذت تطمئن بالها وتعدها بإنقاذها من كل شر تخافه وأن تدبر ذلك بنفسها، وكانت أرمانوسة شديدة الاعتماد عليها فأجابت طلبها وذهبت إلى فراشها، ولكنها لما خلت بنفسها عادت إليها هواجسها ولم تستطع الرقاد تلك الليلة قبيل الفجر.
Bog aan la aqoon