وفي هذا اليوم لم يكن وراءه شيء أهم من النوم، ومن أجل هذا كانت استشاراته لنفسه لا تستغرق وقتا طويلا يعود بعدها لتستضيفه الملائكة.
واستيقظ مرة، وساءل نفسه كالعادة، ثم قرر أن ينام، ولكن قراره كان خيالا على وهم؛ فإن جسده كان قد تشبع ولم يعد فيه مكان لذرة نوم واحدة.
ولم يكن هناك حل إلا أن يتناوم، ويقنع نفسه بأنه في أحلى نعاس، وهو في أتم يقظة، وجازت الحيلة على جسده وفوتها على نفسه، إنما عيناه لم تحتملا أجفانهما المضمومة طويلا، فسرعان ما أزاحتا الأجفان وخرجتا إلى النور.
وسلم لعينيه المفتوحتين، وجابهته حينئذ مشكلة عويصة، فهو لم يكن يعرف الوقت، وساعته التي على «الكومودينو» بجانبه واقفة لا حراك بها، والضوء في ذلك الريف اللعين لا يعتمد عليه، فشعاعات الشمس قاسية فظة تنفذ من أسمك «شيش»، وتجعل السادسة تبدو كأنها الثانية بعد الظهر.
وتلوى في الفراش قليلا وتثاءب، وماء، وشد على جسده ملاءة السرير الزرقاء الرقيقة وأرخاها، وعرى ساقه فأحس بنسمة من البرودة تغطيها، وعرى حينئذ الثانية.
وما كاد يستريح إلى البرودة التي تلامس أطرافه حتى جذب الملاءة، فقد سمع أزيز ذبابة، ثم رآها، وجاءت وراءها واحدة ثانية.
وخلقت له الذبابتان مشكلة أعقد، فمن أين يجيء الذباب؟ وكيف يقتحم الناموسية؟ أيكون فيها ثقب؟ أتكون قد بليت؟ أم تكون الذبابتان قد قضيتا معه الليلة داخل الناموسية؟ وما يدريه أنهما اثنتان فقط؟ ألا يجوز أن ثالثتهما قد حومت حول فمه وهو نائم؟
وانقبض لهذه الخطرة، وانصرف عن المشكلة كلها إلى الوقت الذي لا يعرفه، كان عليه ليعلم الساعة أن ينادي على عبده، وفي النداء مشقة، وقد لا يسمعه أحد أو قد ترد الست تلومه على كسله، أو قد يضطر للنهوض من الفراش، وإذا نهض كان عليه أن يغتال الذبابتين بالمرة، وهذه مشقة أخرى.
من أجل هذا انصرف عن مشكلة الوقت أيضا، وقنع بالتحديق في أرجاء الحجرة، وكان الظلام المضيء المنتشر فيها يشع غموضا أعجبه، ويصنع من زرقة حيطانها ضفافا لبحيرة هادئة، وراح يسبح في البحيرة على زوارق من أحلامه.
وفجأة واتته الفكرة.
Bog aan la aqoon