واستطرد عوف والقهقهات تترى من حوله: أنا سايب الولية من غير عشا يا جدعان!
ولعلعت الضحكات، ووضع البعض أيديهم على بطونهم، حتى لا تتمزق، بينما تعبت بطون الآخرين.
ولما لم يجز عليهم ما في وجهه من جد ولا ما في ابتسامته المؤدبة من تردد، ولا ما في ملامحه من حزن وتأثر، هز رأسه في يأس، ووسع ابتسامته على قدر ما استطاع، وتلفت حوله وهو يدير رقبته في استسلام، وعلى يمينه كان هناك جالس قد استحوذ عليه النعاس رغم كل تلك الضجة، وراح يفقر، ورأسه تهوي على صدره، ثم تنتفض عائدة إلى مكانها فوق رقبته.
ومضى عوف يتأمل الرأس الصاعدة الهابطة عن يمينه وقد ران عليه تفكير عميق، وكأنه أمام معضلة لا حل لها. وكان الجالسون ينظرون إليه، ثم إلى النائم، ولا يستطيعون بعد هذا أن يملكوا زمام أنفسهم فيضحكون. وبدا على عوف أنه قد وجد الحل، فقرب فمه من أذن النائم، ثم قال بأعلى صوته، وكأنه يهش على جدي كبير: سك، سكك دبحه!
وثارت عاصفة ضحك عاتية، واستيقظ النائم على ثورتها نصف مذهول، واسترد وعيه وهو يضحك، ثم أسرف في الضحك حتى قهقه، ولما رأى العاصفة مستمرة قام، وخلع طاقيته الصوف ورماها، وداس عليها بقدمه الغليظة، ثم سب أبا الدنيا وقعد وهو يبتسم في سذاجة وذهول.
ونسي عوف نفسه وسوق الماشية والكيلة وما بعد العشاء، وقد أعجبه ما أشاعه فيهم من ضحك وحياة، بل إنه أحس بشيء غير قليل من الفخر والتيه، وهو يرى كلماته تتلاعب بعقولهم، فتحركها أنى تشاء.
ونسي الحاضرون أنفسهم هم الآخرون، ونسوا حياتهم.
وما كان يأتيهم النسيان إلا بعد عناء.
وبدءوا يضحكون ضحكا حقيقيا.
وأيضا ما كان يأتيهم الضحك إلا بشق الأنفس.
Bog aan la aqoon