كان عبده في حاجة إلى قرشين.
ولم تكن هذه أول مرة يحتاج فيها عبده، فقد أمضى عمره باحثا عن القرشين.
كان في الأصل طباخا، تعلم على يد الحاج فايد الشامي، وأتقن الصنعة، حتى إن طبق «الدمعة» كان حين يخرج من يده محبوكا محوجا يحظى بإعجاب المعلم نفسه.
ولكن الحال لا تدوم على وتيرة واحدة، وهكذا اشتغل عبده صبيا في الورشة التي بجوار المطعم، ثم طرده صاحب الورشة، فعمل بوابا فترة من الزمن، وأشرف وحده على عمارة من عشرة طوابق، ثم أسلمه عوده الفارع وساعده القوي إلى عربات النقل، فأصبح شيالا حتى أصيب بالفتق .
وعبده كان له صوت، وصوته لم يكن جميلا، ولكنه كان قويا طازجا، وحين كان يبيع الخيار والشمام والعنب كان يلفت الشارع كله إلى بضاعته بنداء واحد.
وقد عمل عبده ذات مرة سمسارا، وكان يجوب الأزقة ليل نهار بحثا عن حجرة خالية، وكان يجدها، ويجد معها العشرة قروش، ثم استطاع أن ينفذ إلى كهنوت السماسرة، فيقبض القروش العشرة بلباقة من الزبون، ولا يجوب الأزقة أو يجد الحجرة.
وعبده في شغل القهاوي عجب، وكان أيام عزه يقف في أرضية القهوة وحده ليلة العيد، فلا يؤخر طلبا أو يكسر كوبا.
وكانت له زوجة، يسكن وإياها حجرة وحولهما الجيران. ورغم المعارك الصغيرة التي كانت تنشب بين نسائهم وامرأته، فقد كانوا على العموم أناسا طيبين، يواسونه ويقرضونه إذا لم يعمل ويدعون له، وأحيانا يقترضون منه إذا وجد العمل، والدنيا ماضية به وبهم تبيع لهم العيش بالميزان، وتنقص كل يوم في الميزان، وإنما هي الدنيا والسلام.
كان عبده في حاجة إلى قرشين.
وهذه المرة كانت حاجته قد طالت، ولم يكن هناك أمل في نهايتها، ومعارفه القدامى حفيت قدماه، وهو يلف عليهم ويدور، ويعود من لفه ودورانه بنفس وجهه المقطب العابس، ويديه الخاويتين، ويدق الباب فتفتح امرأته فلا يحييها، ولا تحييه، وينام على الحصيرة، ويسد أذنيه عن لغط نفيسة ودوشتها وهي تجره جرا إلى الذي يحدث كل يوم، وإلى تهديد صاحب البيت، وأنصاف الأرغفة الحاف وأرباعها التي يتصدق بها الجيران، والعيد القادم، وأقة الخوخ التي نفسها فيها، وتتوحم عليها، وابنته التي ماتت، وابنه الذي في الطريق والخوخة التي سيولد بها.
Bog aan la aqoon