وكان الأوسطى محمد يؤكد للحاضرين أن هذا الصبي لو حاول إدارتها فستنفضه وتلقيه في الخليج.
وكان يتحدث في ثقة وإيمان كما لو كان يتكلم عن نفسه.
وعلى حين فجأة انبعثت تكتكة عنيفة، ثم انقطعت. •••
وانتهى الحديث في التو، وصمت الموجودون وكأن ألسنتهم ربطت إلى أوتاد. وتحولت الأنظار كلها إلى الأوسطى محمد الذي كان صامتا، وفي صمته دهشة غير قليلة، وفي أعماقه يغلي قلق استحوذ عليه، ولم يغب عن الأنظار. ورغم أن ثقته في نفسه وفي المكنة كانت لا حد لها إلا أن الفأر بدأ يلعب في عبه، فقام دون أن ينطق بحرف أو يسأله الحاضرون أين هو ذاهب. وتمشى على الجسر واضعا يديه خلف ظهره، ورأسه مائلة على صدره، وعقله يتأرجح بين الشك واليقين.
وقادته قدماه غصبا عنه إلى المكنة، وجلس على حافة المصلى القريبة وعيناه مصوبتان إلى بابها، وأذنه تتسمع دوي الوابور وهو يسخنها، وثمة ابتسامة واثقة غير مصدقة حائرة على شفتيه.
واتسعت ابتسامته وهو يشاهد الأوسطى الصغير يستعين بالحج على إدارة الحدافة، ولكن البسمة غاضت تماما من وجهه حين رأى البستم المعلون يلف ويدور ولا يقف، والحدافة قد انطلقت من نفسها كالمجنونة، وقد أخفت السرعة هيكلها وابتلعته، بينما المدخنة اندفعت تنفث حلقات الدخان في نظام لا تشوبه شائبة.
ولم يحتمل الأوسطى محمد، ففز من جلسته واقفا وهو يكذب ما يراه وما يسمعه، وشيء لاسع ينهش صدره، وهو يلمح الأوسطى الصبي يغادر الحجرة وعلى سيماه بشر كثير، والناس يتجمعون حوله، ويسلمون عليه، ويرحبون به، ويدخل بعضهم يتفرج على المكنة الدائرة، ويهنئ الحج ويشد على يده.
وقف الأوسطى محمد وحيدا مزروعا في مكانه، والناس رائحة غادية من أمامه لا يلحظونه ولا يلحظهم. وقبل أن يغادر مكانه انتزع من صدره تنهدة حارقة طويلة، وغمغم باشمئزاز، وكأنه الزوج يضبط امرأته متلبسة بخيانته: الله يلعن أبو صحابك.
ثم بصق ملء فمه.
شغلانة
Bog aan la aqoon