من هذا الذى نحن قائلوه يقتنع من طلب علم النفس أنه ليس حس غير الحواس الخمس، أعنى البصر والسمع والشم والذوق واللمس. — وذلك أنه إن كان لكل حى حس لمس ونحن ذوو حس وندرك جميع ما يعرض للملموس، لمسا، فبالاضطرار أنه إن بطل حس واحد بطل من أجله عضو حاس. وإن كل ما أحسسنا به عند مماستنا إياه إنما ندركه باللمس، وما لم ندركه بمماسته إنما ندركه بمتوسط بيننا وبين الملموس، كالهواء والماء. وهذا هكذا، فلذلك إن كنا ندرك بحس واحد أشياء كثيرة مختلفة فى جنسها، فبالاضطرار أن من له كهذا الحس يدرك أشياء كثيرة مختلفة فى جنسها (كقولك إن كان الحس من هواء، فالهواء 〈متوسط〉 القرع واللون)؛ ولغير ذلك إن كانت الحواس شيئا واحدا مدركة شيئا واحدا (كاللون، والهواء والماء شىء واحد لأن كليهما ذو صفاء) فمن انفرد بأحدهما أدرك ما كان مدركا بكليهما. — فتكون الحواس من هذين المتوسطين فقط، أعنى الماء والهواء (وذلك أن الحدقة من ماء، والسمع من هواء، والشم من كليهما)؛ ثم لا تصير النار حاسة لشىء واحد، بل تكون شائعة بينهما (لأنه ليس يكون شىء حاس بغير حرارة)؛ وكذلك الأرض إما لم تكن لشىء من الحواس، وإما كانت بالحرى للمس مخالطة له مختصة به. وآخر ما تحصل أنه لا يثبت حس من غير هواء وماء. وقد نهى هذان لبعض الحيوان. فلا محالة أن جميع الحواس موجودة فيما لم يكن منقوصا أو معلولا، وقد نرى الخلد وله أعين تحت جلده. لذلك إن لم يكن 〈جسم〉 آخر أو عرض غير ما يعرف لما شاهدناه من الأبعاد، فليس يتعطل حس من الحواس.
Bogga 63