Arstaqraatiyada: Hordhac Kooban
الأرستقراطية: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
لعدة قرون ظلت الصورة التقليدية للأرستقراطي - المثالي - هي صورة رجال البلاط الملكي. فمع وابل الاستنكار الذي اكتنف هجوم الثورة الفرنسية على النبلاء، كانت معظم العادات والادعاءات المنسوبة للنبلاء بوجه عام مرتبطة بالبلاط؛ مثل الازدراء المتعجرف، وعدم الاكتراث بالأقل منهم مكانة، والخنوع للأعلى منهم في المكانة، والنفاق، والجشع، والتبذير، والديون، والمحسوبية، والفساد الأخلاقي بكافة أشكاله. تستند هذه التهم على تراث أدبي طويل، صقل معظمه بعناية نبلاء ناقمون ليست لديهم القدرة على تحمل تكاليف حياة البلاط، وكانوا يطالعون تلك الحياة بمرارة من بعيد. والمفارقة أن جميعهم في النهاية وسموا بالصفات السيئة نفسها. مع هذا حدد البلاط بالفعل معيارا مثاليا حتى وقت متأخر من القرن التاسع عشر. حذر تشسترفيلد ولده قائلا: «اللغة والمظهر الخارجي والملابس وسلوكيات البلاط هي المعيار الحقيقي الوحيد ... فالإنسان الموهوب، الذي تربى في البلاط، وكان يصاحب أفضل الناس، سيميز نفسه ويختلف عن عامة الشعب، بكل كلمة وتصرف وحركة، بل وحتى بكل نظرة.»
كانت عوامل الجذب في البلاط هي السلطة والمكانة والأجر، وجميعها وثيقة الصلة بعضها ببعض. فكان البلاط «منزل» الملوك، الذين كانوا، بالإضافة إلى السلطة التي كانوا يستخدمونها ويوزعونها، يتفاخرون بكونهم أول نبلاء في ممالكهم - أرفع النبلاء مكانة بلا جدال - وهم من يحددون معايير المظاهر والسلوك الأرستقراطي الذي يحاكى - وفقا للموارد المالية - على مدى التسلسل الهرمي للنبلاء. لقد كانت ثقة الملوك هي مفتاح سلطتهم، وكانوا يمنحونها فقط لمن يعرفونهم. وفي المقابل شعر كبار النبلاء بأنهم أهل لهذه الثقة، لكن حتى يكتسبوها كان لا بد لهم من الوصول إلى الحاكم، وأن يشاهدوا بصحبته، ويشاركوه متعه وهواياته، وجذب انتباهه. ولم يكن البلاط قط حكرا على النبلاء؛ فقد كان نواة لشبكات واسعة من الوظائف والخدمات التي يديرها إلى حد كبير عامة الشعب. إلا أن النبلاء وحدهم هم من كانوا يشعرون بأنه من حقهم الوجود في هذا المكان، وكان يجذبهم بشدة لدرجة أن بعضا منهم كان بحاجة إلى أن يتم إبعادهم عنه. إن نظام «ألقاب البلاط الشرفية» الذي أنشأه لويس الخامس عشر في فرنسا (1715-1774م)، والذي استثنى منه أي عائلة ليست نبيلة لم تحصل على مكانة النبالة منذ القرن الخامس عشر من المثول بين يدي الملك أو الذهاب إلى الصيد معه، لم يكن يهدف لاسترضاء كبرياء العائلات بقدر كونه أداة لوجستية تهدف إلى تقليل الأعداد.
مع هذا لم تكن تبقى كثير من العائلات المؤهلة داخل البلاط حتى بعد حصولها على اعتراف شعائري؛ فقد كان المؤهل الحقيقي للبقاء داخل البلاط هو القدرة على تحمل نفقاته؛ فالتغير الدائم في الموضة، وأساليب الترفيه المترفة، والمقامرة الراقية، فضلا عن الحاجة إلى اتباع الملك في جولاته الملكية؛ كانت جميعها من الأمور الباهظة التكلفة. وشعرت أسر رجال البلاط كذلك بالحاجة إلى الاحتفاظ بمنازل في المدن الرئيسية، وهي أماكن أنيقة وباهظة التكلفة. فحتى أكبر الدخول تدمرها مثل هذه المتطلبات، وأحد الأمور التي استحوذت على اهتمام رجال البلاط المستمر حصولهم على هبات لا يحصل عليها غيرهم؛ من معاشات ومناصب ووظائف تدر دخلا جيدا دون جهد، تأتي من عائدات الملك. ومن هذا المنطلق، كلما قلت قدرتهم على تحمل نفقات البقاء في البلاط، زادت حاجتهم إلى الوجود فيه.
في ظل الحكم الملكي المطلق، الذي ساد في معظم الدول حتى القرن التاسع عشر، كان البلاط منتدى للسياسة العليا، وموقعا لجميع عناصر القوة، ومكانا للحماية والترقي والمحسوبية. فحتى في بريطانيا العظمى، التي كانت دولة برلمانية منذ أواخر القرن السابع عشر، كان شرف الجلوس مع الملك عظيما، وكانت المكافآت الشرفية والمادية الناتجة عن ذلك هائلة، على الأقل حتى وفاة زوج الملكة فيكتوريا؛ فلم يكن يطمح كثير من الوزراء حتى توليها الحكم في الاحتفاظ بأغلبية برلمانية لوقت طويل دون الدعم الصريح من الملك. وعندما نصب نابليون نفسه إمبراطورا، شعر بالحاجة إلى دعم مكانته عن طريق إحياء شيء كالبلاط الذي كانت قد دمرته الثورة الفرنسية. وجعل سقوطه الدول التي جاءت من بعده تعزف عن تقليده، وشهد القرن التاسع عشر تقلصا في حجم البلاط ودوره السياسي. ويلي هذا دور البلاط كمركز للموضة؛ ففي النهاية أصبح البلاط في الواقع يعبر بالتأكيد عن كل ما هو قديم الطراز. إلا أن هذه الآثار التي فقدت رونقها وكانت في وقت ما مسارح متألقة للسلطة، ما زالت مقرا لسلطة وراثية عليا، وفيها ظهرت بوضوح أسس الدور الاحتكاري للأرستقراطيين المنتمين للعائلات الأرستقراطية القديمة أكثر من أي وقت مضى. وحتى وقت متأخر من القرن العشرين في بريطانيا العظمى كانت ذروة موسم الأحداث الاجتماعية الحضرية تأتي عندما ترسخ السيدات الشابات من العائلات العريقة مؤهلاتهن عن طريق تقديم أنفسهن رسميا للملك على أنهن «مبتدئات» في حياة المجتمع الراقي، وذلك كما كان يطلق عليهن في لغة بلدة فيرساي القديمة. (6) التنوع
رغم دور النبلاء في وضع المعايير، لم يقترب قط من البلاط إلا قلة قليلة منهم؛ فالمؤكد أن كثيرا منهم كرهوا رجال البلاط لكونهم جشعين وطفيليات محظوظة دون إنصاف. وفي المقابل كره رجال البلاط وسخروا من التصرفات الريفية أو البرجوازية من جانب النبلاء. وإن مثل هذا العداء، الذي أطلق عليه في إنجلترا في القرن السابع عشر اسم «البلاط في مقابل الريف»، لهو أحد الفجوات التي لا تعد ولا تحصى بين الأرستقراطيين في كل بلد، وعلى جميع المستويات. فقد عمل عنصر انعدام المساواة الأساسي في أي فكرة تتعلق بطبقة النبلاء على تمييز النبلاء بعضهم عن بعض تماما كما كانوا يتميزون عن الغالبية العظمى من الشعب.
إن طبقة النبلاء نسيج رقيق من اختلافات دقيقة يعتز بها كثيرا، ويشكل كل منها أساسا لنوع من التميز أو الدونية؛ ومن الواضح أن العداوات بين البلاط والريف كانت مظهرا مهما من مظاهر التفاوت في الثراء. إلا أن النبلاء الجدد، الذين كانوا دوما أغنياء، تعرضوا أيضا لازدراء رجال البلاط وملاك الأراضي الصغار بالمثل؛ نظرا لافتقارهم أجدادا من النبلاء. فكانت شجرة العائلة تقدم طرقا لا حصر لها للنبلاء لمقارنة أنفسهم بعضهم ببعض. وقد تكون العداوات أيضا مهنية؛ فنادرا ما كان يتوافر وقت لدى العسكريين من أجل القضاة أو العاملين في وظائف إدارية كتابية مملة، الذين لا تتطلب وظائفهم أي قدر من الشجاعة ولا يحققون أي نوع من المجد، ومع هذا يتحكمون في مصير الجيوش أو المتقاضين. والمعتاد أن تحتقر العائلات الحاملة للألقاب العائلات التي لا تحمل ألقابا، وكان الوعد بالترقي داخل التسلسل الهرمي للألقاب أحد أكثر حوافز الملوك الفعالة. ظهر دور كل هذه الاعتبارات عندما فكرت العائلات في عقد تحالفات عن طريق الزواج ؛ فلم يكن أحد يرغب في الزواج من أسر أقل منه مكانة، مع هذا كان ثمة استعداد دوما للتغاضي عن أي تفاوتات ملحوظة بين الزوجين المحتملين إذا كان أحد الطرفين يتمتع بمميزات طاغية في المكانة أو الثروة في أغلب الأحيان. فحتى أكثر الأسر عراقة ورقيا - وثراء أيضا - كانت تتغاضى عن كبريائها نظير إمكانية ضم وريثة إليها أقل مكانة لكن أكثر ثراء.
لم يحدث قط أن كان هناك تشابه تام بين نبلاء دولتين مختلفتين. كانت بولندا والمجر وإسبانيا تعج بالنبلاء من ذوي الرتب المنخفضة، الذين لم يكن معظمهم بالضرورة من الأغنياء، وفي مقاطعات معينة في شمال إسبانيا، كان كل ذكر يعتبر نبيلا «هيدالجو»؛ بمعنى ابن لأب شهير. وعلى العكس من هذا، في الجزر البريطانية، لم يحظ قانونا بلقب النبلاء إلا ذوو الأصل العريق؛ لذا ظهرت بالضرورة تفاوتات كبيرة في نسبة السكان الذين تمثلهم مجموعات متباينة بهذا الوضوح، لكن النسبة لم تتخط كثيرا 1-2٪ إلا في الدول التي تتسع فيها طبقة النبلاء على نحو كبير، مثل بولندا أو أجزاء من إسبانيا، وتضاءلت فيما بعد عندما زاد العدد الإجمالي للسكان. بالإضافة إلى هذا، رغم انتشار الفكرة المثالية بالعيش من دخل الأراضي، كان يظهر دوما نبلاء لا يملكون أراضي جراء تطبيق قوانين الميراث، التي عادة ما كانت إما تقسم المواريث أو تحابي الابن الأكبر على نحو غير متكافئ. فعثر بعض هؤلاء النبلاء الذي لا يملكون أراضي على فرصة للعمل في وظيفة الجنود المحترمة، لكن الكثير منهم أجبر على العمل في وظائف تزدرى عادة في الأوساط الأرستقراطية؛ منها التجارة، سواء البيع بالجملة أو بالتجزئة. وحتى النبلاء الذين استطاعوا الحفاظ على ما يمتلكونه من أراض كما ينبغي، فقد انتزعوا الفائض الذي ينتجه المستأجرون بطرق كثيرة متنوعة؛ في أوروبا الغربية، على نحو متزايد عن طريق الإيجارات النقدية، التي تضاف بمقادير متفاوتة من الرسوم الإقطاعية المتبقية والخدمات التي يقدمها التابعون، وفي شرق نهر إلبه، من العمل الإجباري للعبيد الملازمين للأرض، أو المملوكين للأفراد (في روسيا).
شكل 3-3: الكونت ستانيسلاس بوتوتسكي، أحد أصحاب النفوذ البولنديين الكبار. رسمها جاك لوي دافيد، 1781.
كذلك فإن السلطة التي استخدمها النبلاء في مجتمعاتهم لم تكن بأي حال من الأحوال واحدة؛ ففي المدن الجمهورية، مثل البندقية أو جنوة، تمتع جميع النبلاء بسلطة جماعية؛ فقد كان الشلاختا في بولندا قبل تقسيمها يرون أنهم يمثلون دولة مكتملة، وانتخبوا ممثلين ليحكموهم على جميع الأصعدة، وصولا إلى الملك نفسه. وبالمثل كان البرلمان البريطاني تسيطر عليه إلى حد كبير مصالح الطبقة الأرستقراطية حتى أواخر القرن التاسع عشر، ولم يقض نهائيا على عرقلتهم للسلطة في مجلس اللوردات إلا في عام 1911م. وأينما وجدت مؤسسات برلمانية في أي مكان آخر قبل القرن التاسع عشر، سواء على مستوى الدولة أو الأقاليم، كان النبلاء عادة ما يحصلون على أماكن مخصصة لهم، لكن سلطاتهم المحددة لم تكن متماثلة قط. وقد أشفق النبلاء الذين تمتعوا بالحكم الذاتي الذي وصفوه بالحرية على نظرائهم الخانعين المجبرين من الحياة تحت سلطة الحكام المطلقين؛ فقد كان هؤلاء الحكام يصنفون أي مظهر من مظاهر استقلال النبلاء على أنه ثورة، أو تأييد للنظام الجمهوري. وقد عاش هؤلاء الحكام في خوف من رعاياهم المفرطي القوة. ومع هذا لم يحلم أي منهم قط بمحاولة إدارة الدولة دون تعاون النبلاء في جميع المستويات، وإذا حدث واختاروا وزراء رتبهم منخفضة، فإنهم يغدقون عليهم الألقاب والمكافآت حتى يمكنوهم من مواجهة الرعايا دون خجل. وحتى مع وجود النبلاء تحت سلطة حكام مطلقين، اختلف حكمهم الذاتي اليومي إلى حد كبير، بناء على حجم المملكة، والقوانين المختلفة للممالك التي أصبحت كيانا واحدا عن طريق اعتلاء سلالة للعرش مصادفة أو غزو غير متوقع، وقوة تقاليد الخدمة والولاء.
يبدو أن الخطوط العريضة لماهية الأرستقراطية، قديما أو في العصر الحالي ، ولسلوكيات الأرستقراطيين؛ تصبح غير واضحة المعالم عند فحصها بناء على مجرد مجموعة متنوعة من الأمثلة والاستثناءات. والنبلاء أنفسهم لم يكونوا ينخدعون؛ فقد كانوا يتعرفون على أبناء جنسهم عندما يرونهم، أيا كانت الاختلافات. وكذا الحال بالنسبة إلى باقي أفراد المجتمع، الذين تأثروا - نظرا لتقبل سيطرتهم في جميع نواحي الحياة - تأثرا عميقا بقيمهم ونماذجهم. وإلى حد ما لا يزال هذا الوضع قائما.
Bog aan la aqoon