الاربعون حديثا :283
ويرجع هذا المعنى الاول حسب المتفاهم العرفي الى معنى الذكر ، او الى المعنى الثاني بناء على ان الذكر اشمل من القول . ولم يذكر الحديث غياب الاخ ، لأنه مفهوم من معنى الغيبة فلا حاجة لذكره . ومن الواضح ايضا ان المقصود من الاخ هو الاخ في الايمان لا في النسب . و(ما يكره) تعبير عن كل ما فيه نقص عرفا . وارادة الإنتقاص والطعن وان لم تذكر في الحديثين الشريفين : لأبي ذر ، والنبوي المشهور ، ولكنها مستفادة من فحوى الكلام . بل ان صدر رواية ابي ذر يدل على ذلك ، فكان مستغنيا عن ذكره . لأن في صدر الرواية «الغيبة اشد من الزنا . قلت : ولم ذاك يا رسول الله ؟ قال : لأن الرجل يزني فيتوب الى الله فيتوب الله عليه والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها ثم قال : ... وأكل لحمه من معاصي الله» (1) ويفهم من هاتين الجملتين ان الذكر مع قصد الانتقاص ، يكون غيبة وان كان ذكر الغير بقصد الشفقة عليه لما كانت غيبة حتى يحتاج الى طلب المغفرة . ولما كانت من اكل لحمه . ويستفاد من رواية عائشة ان الغيبة اعم من الذكر القولي : «قالت : دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي انها قصيرة فقال صلى الله عليه وآله وسلم : اغتبتيها» (2) بل العرف لا يفهم من اخبار الغيبة ، خصوصية للفظ ، وانما تعرض له من جهة انه اسلوب من اساليب التفهيم ، بمعنى ان الغيبة غالبا تكون باللفظ ، لا من جهة ان للفظ خصوصية مميزة .
يبقى مطلب واحد وهو ان المستفاد من أخبار الغيبة ان كشف ستر المؤمنين حرام بمعنى انه يحرم اظهار عيوب المؤمنين المستورة ، من دون فرق بين ان تكون هذه العيوب خلقية او خلقية او سلوكية ، سواء كان الشخص المتصف بالعيب راضيا بكشف عيبه او لا . وسواء كان هناك قصد انتقاص ام لا . ولكن يستفاد من مراجعة عدة روايات في المقام ان لقصد الانتقاص والطعن دور في حرمة الغيبة ، الا اذا كان العمل بنفسه من الامور التي يحرم شرعا ذكره واشاعته . بأن يكون معصية وتعديا على حقوقه سبحانه حيث لا يجوز لصاحب المعصية اظهارها للآخرين ، وانها من اشاعة الفاحشة . وهذا لا يكون مرتبطا بحرمة الغيبة . ولا يبعد ان يكون اظهار المستور من عيوب المؤمنين عند عدم رضاهم بذلك محرما ، حتى وان لم يكن هناك قصد للانتقاص منهم . وعلى اي حال ان التفصيل في هذا الموضوع ، اكثر مما ذكرنا ، يكون خارجا عن المطلوب .
فصل:
اعلم ان حرمة الغيبة محل اتفاق اجمالا ، بل تعد من ضروريات الفقه ومن المعاصي الكبيرة والموبقات المهلكة . ويكون البحث في ذلك والموارد التي استثنى منها ، خارجة عن الاربعون حديثا :284
Bogga 283