بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نزل القرآن العظيم، والفرقان القويم، وهدى به عباده إلى الصراط المستقيم، وبين فيه كل شيء وفصله تفصيلا بغاية التوضيح والتقسيم، وأوضح به جميع العلوم ومواضع التعلم والتعليم، ثم بينه بسنة نبيه الكريم، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكمل صلاة وأفضل تسليم.
وبعد؛ فهذه:
((أربعون حديثا في فضل القرآن))
دعاني إلى جمعها من يعز علي من أهل الفضل، وجمعتها من كتب الحديث، ليس فيها واه ولا موضوع، ووشحتها بتفسير الغريب، والله المستعان، وعليه التكلان.
Bogga 27
الحديث الأول
1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فمن وقر القرآن فقد وقر الله، ومن لم يوقر القرآن فقد استخف بحق الله. حرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده.
القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، فمن شفع له القرآن شفع، ومن محل به القرآن صدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار.
Bogga 28
حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله، الملبسون نور الله، المتعلمون كلام الله، من عاداهم فقد عادى الله، ومن والاهم فقد والى الله.
يقول الله: يا حملة كتاب الله، استجيبوا لله بتوقير كتاب الله يزدكم الله حبا ويحببكم إلى خلقه.
يدفع عن مستمع القرآن سوء الدنيا، ويدفع عن تالي القرآن بلوى الآخرة، ولمستمع آية من كتاب الله خير له من صبر ذهبا، وتالي آية من كتاب الله خير له من ما تحت أديم السماء.
Bogga 29
وإن في القرآن لسورة تدعى العظيمة عند الله، يدعى صاحبها الشريف عند الله، ويشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة ومضر، وهي سورة يس)).
رواه الحاكم في ((تاريخه))، ورواه أبو نصر في ((الإبانة))، عن عائشة رضي الله عنها، وقال: ((هذا من أحسن الحديث وأغربه، وليس في إسناده إلا مقبول ثقة))، ورواه الحكيم الترمذي، عن محمد الباقر، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
Bogga 30
[شرح الغريب]:
ومعنى: ((شافع مشفع عند الله))؛ أي: شافع مقبول عند الله ما يرد.
ومعنى: ((ماحل))؛ أي: خصيم مجادل.
((مصدق))؛ أي: إذا شهد لصاحبه أو شهد عليه.
ومعنى: ((من جعله أمامه))؛ أي: اتبعه وعمل بما فيه.
ومعنى: ((من جعله خلفه))؛ أي: أعرض عنه وخالفه.
و((صبر)) في قوله: ((خير له من صبر ذهبا))؛ أي: من مثل (صبر) ذهبا، وهو: جبل كبير باليمن يقال له: جبل صبر، وجبل صبير، بالياء المثناة بعد الموحدة، وتركها.
الحديث الثاني
Bogga 31
2- عن علي بن أبي طالب -أيضا- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إنها ستكون فتنة))، قلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم.
هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه.
هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا. يهدي إلى الرشد فآمنا به}.
من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم)).
رواه الترمذي، والدارمي.
[شرح الغريب]:
ومعنى ((هو الفصل))؛ أي: الفاصل بين الحق والباطل.
ومعنى ((قصمه الله)): أهلكه الله.
Bogga 32
ومعنى (لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة)): أنه محفوظ بحفظ الله، ومعلوم بالتواتر المتصل سلفا عن خلف في جميع حروفه، {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}.
ومعنى ((لا تشبع منه العلماء)): أن من يفهم معانيه لا يشبع منه؛ لأن الفهوم تتجدد فيه كل حين، والعلوم تتفجر منه بكل عين.
وهو معنى ((لا يخلق على كثرة الرد))؛ أي: لا يزال جديدا كأنه يوم نزل طريا، كأن سامعه لم يسمعه قبل من كثرة الرد، أي: الترديد ، كلما أعاده قارئه فهم منه معاني أخر غير التي فهمها قبل الإعادة، فكأنه غير خلق، والخلق -بكسر اللام-: القديم العتيق.
ومعنى: ((من عمل به أجر)): أن ألفاظه يؤجر فيه القارئ: كل حرب بعشر حسنات وإن لم يعرف معناه، والله يضاعف لمن يشاء إلى سبعمئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
الحديث الثالث
3- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد استصغر ما عظمه الله))، رواه الطبراني.
Bogga 33
4- ورواه الخطيب أيضا بلفظ: ((من قرأ القرآن فرأى أن من خلق الله أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد صغر ما عظمه الله، وعظم ما صغره الله. لا ينبغي لحامل القرآن أن يحد فيمن يحد، ولا يجهل فيمن يجهل، ولكن يعفو ويصفح لعز القرآن))، انتهى.
وسيأتي تفسير: ((يحد فيمن يحد)).
Bogga 34
ومعنى ذلك: أن القرآن أكبر كل نعمة على العبد إذا أوتيه، لما في بقية أحاديث له: ((غنى لا فقر بعده))، وأنه: ((دواء من كل داء))، وأنه: ((شافع مشفع))، وغير ذلك، فهو أكبر نعمة يؤتاها العبد.
الحديث الرابع
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار، يحل حلاله، ويحرم حرامه، خلطه الله بلحمه ودمه، وجعله رفيق السفرة الكرام البررة، وإذا كان يوم القيامة كان له حجيجا، فيقول: يا رب، كل عامل يعمل في الدنيا يأخذ بعمله، إلا فلانا، كان يقوم بي آناء الليل والنهار، فيحل حلالي، ويحرم حرامي، يا رب فأعطه.
فيتوجه الله تاج الملك، ويكسوه من حلل الكرامة، ثم يقول: هل رضيت؟ فيقول: يا رب، أرغب له في أفضل من هذا، فيعطيه الله عز وجل الملك بيمينه، والخلد بشماله، ثم يقال له: هل رضيت؟ فيقول: نعم يا رب.
ومن أخذه بعدما يدخل في السن، فأخذه وهو يتفلت منه، وهو لا يدعه، أعطاه الله أجره مرتين)). رواه البيهقي في ((الشعب)).
Bogga 35
6- وروى أيضا هو والطبراني، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، بلفظ: ((من قرأ القرآن وعمل بما فيه ومات في الجماعة بعثه الله يوم القيامة مع السفرة الكرام والحكام البررة.
ومن قرأ القرآن وهو يتفلت منه لا يدعه، فله أجره مرتين.
ومن كان حريصا عليه ولا يستطيعه، ولا يدعه، بعثه الله يوم القيامة مع أشراف أهله، وفضلوا على الخلائق كما فضلت النسور على سائر الطير، وكما فضلت عين في مرج على ما حولها، ثم ينادي مناد: أين الذين كانوا لا تلهيهم رعية الأنعام عن تلاوة كتابي؟ فيقومون، فيلبس أحدهم تاج الكرامة، ويعطى الفوز بيمينه، والخلد بشماله. فإن كان أبواه مسلمين كسيا حلة خيرا من الدنيا وما فيها، فيقولون: أنى هذه؟ فيقال: بما كان ولدكما يقرأ القرآن))، انتهى.
[شرح الغريب]:
ومعنى قوله: ((حجيجا))؛ أي: محاجا له، ومجادلا عنه.
Bogga 36
ومعنى: ((آناء الليل والنهار)): ساعتهما.
وقوله: ((مع السفرة))، أي: رسل الله من بني آدم والملائكة. والسفير: الواسطة، فهم وسائط بين الله وخلقه.
و((التاج)): شيء يلبسه ملوك العجم، وقد تلبسه العروس.
ومعنى: ((يتفلت عليه))؛ أي: هو عليه شاق.
ومعنى: ((ولا يستطيعه ولا يدعه))؛ أي: يتركه.
((بعثه الله مع أشراف أهله))، أي: أهل القرآن.
وفضل النسور على الطير: بالقوة، وطول العمر، وغير ذلك.
و((المرج)): الأرض الواسعة، ذات النبات والأشجار.
ومعنى ((أنى هذه؟)): من أين هذه؟ والله أعلم.
الحديث الخامس
7- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من قرأ ثلث القرآن فقد أعطي ثلث النبوة، ومن قرأ نصف القرآن فقد أعطي نصف النبوة، ومن قرأ ثلثيه فقد أعطي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن كله فقد أعطي النبوة كلها، غير أنه لا يوحى إليه، ويقال له يوم القيامة: اقرأ وارق فيقرأ ويرقى بكل آية درجة، حتى ينجز ما معه من القرآن، ثم يقال: اقبض، فيقبض، ثم يقال له: هل تدري ما في يديك؟ فإذا في يده اليمنى الخلد، وفي الأخرى النعيم)). رواه البيهقي، وابن عساكر.
Bogga 37
8- وروى أحمد، من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من قرأ القرآن في سبيل الله كتب مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا)).
9- وروى الطبراني ومحمد بن نصر، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله، وصغر ما عظم الله، وليس ينبغي لحامل القرآن أن يسفه فيمن يسفه، أو يغضب فيمن يغضب، أو يحتد فيمن يحتد، ولكن يعفو ويصفح لفضل القرآن))، انتهى.
وقد مر -في الحديث الثالث- بلفظ: ((يحد))، وهو بمعنى ((يحتد)): من الحدة، وهو: نوع من الغضب.
Bogga 38
10- وروى الرافعي، عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا قرأ الرجل القرآن، واحتشى من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت هناك غريزة، كان خليفة من خلفاء الأنبياء)).
الحديث السادس
11- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من قرأ القرآن فحفظه واستظهره، وأحل حلاله وحرم حرامه، أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار)). رواه الترمذي، والبيهقي، وابن عساكر.
Bogga 39
ورواه الخطيب، عن عائشة رضي الله عنها.
الحديث السابع
12- عن سعيد بن سليم، مرسلا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من شفيع أفضل منزلة عند الله يوم القيامة من القرآن، لا نبي ولا ملك ولا غيره)).
Bogga 40
13- وروى الطبراني، عن ابن مسعود رضي الله عنه: ((القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار)).
14- وروى مسلم، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرأوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، يحاجان عن أصحابهما، اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة)).
[شرح الغريب]:
وقوله: ((الزهراوين))، تأنيث الأزهر، وهو: المضيء.
وقوله: ((غمامتان))؛ الغمامة: السحابة.
و((الغياية)) كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة أو غيرها.
و((الفرقان)) -بفتح الفاء- من الطير: القطعتان.
و((الصواف)): الباسطة أجنحتها، تفضل ببعضها بعضا، جمع صافة، والله أعلم.
الحديث الثامن
15- عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)). رواه النسائي، وابن ماجه، والحاكم.
Bogga 41
16- ورواه الخطيب بلفظ: ((آل القرآن آل الله)). انتهى.
Bogga 42
17- وروى الطبراني، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((حملة القرآن عرفاء أهل الجنة)).
[شرح الغريب]:
و((العرفاء)): الرؤساء.
و((الآل)) و((الأهل)) بمعنى، وفي (آل) معنى التعظيم.
الحديث التاسع
18- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). رواه البخاري.
Bogga 43
19- وفي رواية لابن عساكر: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).
الحديث العاشر
20- عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن)). رواه أبو نعيم.
21- ورواه أبو نصر، عن أنس بلفظ: ((أفضل العبادة قراءة القرآن)). انتهى.
Bogga 44
وإنما كان أفضل العبادة لأنه ذكر، وعلم، وحفظ، وغير ذلك.
الحديث الحادي عشر
22- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لو كان القرآن في إهاب ما أكلته النار))، رواه الإمام أحمد وغيره.
والإهاب -بكسر الهمزة-: الجلد مطلقا، وقيل: خاص بغير المدبوغ.
23- ورواه الطبراني، عن عصمة بن مالك، بلفظ: ((لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقته النار)).
Bogga 45
24- ورواه أيضا، عن سهل بن سعد: ((لو كان في إهاب ما مسته النار)).
[شرح الغريب]:
قال أبو عبيد: ((المراد بالإهاب: قلب المؤمن، وجوفه الذي قد وعى القرآن))، وقال غيره: ((معناه: أن من جمع القرآن ثم دخل النار فهو شر من الخنزير)).
Bogga 46