212

Arbacin Mughniyya

كتاب الأربعين المغنية بعيون فنونها عن المعين

Noocyada

769- وقد ثبت في القرآن تسميته سبحانه بالأول، ومتى كان معه شيء لا يصدق عليه هذا الاسم، فلا يكون أولا على الإطلاق حتى يكون قبل كل شيء، ومتى كانت المخلوقات لازمة له، كالضوء عن الشمس، لم يكن قبل كل شيء ولا يكون أولا، وفساد هذه المقالة وبطلانها أظهر من أن يطنب فيه، لكن العجب ممن يستدل لنزعة فلسفية بأحاديث نقلية، وهي لو كانت موافقة لمذهب أهل السنة لم تكن مفيدة لليقين، إذ هذه المطالب لا تثبت إلا بالأدلة العقلية، فكيف وهي منابذة لأصول الإسلام، ومعارضة للأدلة القاطعة العقلية.

770- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وكان عرشه على الماء)): (كان) هذه هي التامة، بمعنى: (حدث ووجد)، و(على الماء): في موضع الحال، وإن قدرت (كان) هي الناقصة، و(على الماء) خبرها، فتكون الواو هنا بمعنى (ثم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: ((ثم خلق السماوات والأرض))، أي: بعد خلق العرش، ولا يجوز أن تكون (كان) هنا بمعنى القدم؛ لأنه على خلاف قوله صلى الله عليه وسلم أولا: ((كان الله ولا شيء غيره))، ولا يصح إثبات شيء قديم مع الله تعالى أصلا؛ لأنه سبحانه هو المنفرد بالقدم وما سواه حادث بإيجاده وتخصيصه إياه بحال حدوث.

771- والعرش خلق من مخلوقاته تعالى، أوجده بعد أن لم يكن، ومحال أن يكون الحادث قديما، وبهذا يتقرر أن استواءه سبحانه على العرش ليس بمماسة ولا باستقرار ولا بصفة احتياج أصلا، ولا يلزم على ذلك تأويل الاستواء بالاستيلاء، نثبت له هذه الصفة ونكل علمها إلى الله تعالى، مع القطع بأن الظاهر الموهم للحدوث والجسمية والافتقار غير مراد، والله سبحانه وتعالى أعلم، وبه التوفيق.

Bogga 515