Aram Dimishiq Wa Israa'iil
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Noocyada
9
اعترض طريقه في محاولة منه لعون ميتاني، فهزمه ثم قبض عليه وأرسله أسيرا إلى حاتي، ووضع مكانه على عرش قادش ابنه المدعو إيتوغاما، الذي حول ولاءه من ميتاني إلى حاتي. بعد ذلك تابع مسيرته نحو أوبي فاستولى عليها وهزم ملكها المدعو أريوانا. وعند هذه النقطة في الجنوب السوري تنتهي حملة شوبيلوليماس ويقفل عائدا إلى عاصمته في الأناضول، بعد أن فتح صفحة جديدة في التوازن الدولي، حيث غابت ميتاني باعتبارها قوة عظمى، ووقفت حاتي وجها لوجه أمام مصر.
10
ويبدو أن حملة حاتي على سوريا الوسطى والجنوبية لم تعزز مواقعها تماما إلا في قادش، التي بقي ملكها المعين من قبل الحثيين إيتوغاما يسعى جاهدا لرعاية مصالحهم في المنطقة، ويتدخل في شئون الدويلات السورية والفلسطينية إبان فترة الاضطرابات التي سادت المنطقة خلال حكم الفرعون إخناتون. وفي مقابل ملك قادش الذي كان يرعى مصالح حاتي، يتكرر في رسائل تل العمارنة ذكر شخصية عسكرية هامة اسمها بيرياوازا، ولا نعرف على وجه التحديد منصب هذا القائد العسكري؛ لأن الرسائل كانت تشير إليه بالاسم فقط وكأنه أشهر من أن يعرف. ويبدو أنه كان المفوض المصري الأعلى في المنطقة، رغم أنه من أصل آري لا من أصل مصري.
11
ويرتبط اسم بيرياوازا هذا بمدينة دمشق، إذ نعرف من إحدى الرسائل المتبادلة بينه وبين الفرعون أنه قد هرب من وجه أعدائه وانسحب إلى دمشق. ثم نعرف أنه قد انتقل من دمشق إلى مدينة كاميدو في البقاع الجنوبي، ومن هناك أرسل إلى الفرعون قائلا إنه متحصن الآن في مدينة الملك. من هنا يعتقد بعض دارسي رسائل تل العمارنة بأن بيرياوازا كان حاكما لمدينة دمشق، ويدعوه الباحث وليم فوكسويل أولبرايت بأمير دمشق. لا ندري كيف عادت أوبي وقطنة إلى الجانب المصري بعد حملة شوبيلوليماس، ولكن المؤكد أن دمشق وقطنة كانتا مواليتين للفرعون إخناتون ومفوضه بيرياوازا خلال الأحداث التي تغطيها تلك الرسائل. نقرأ في رسالة من ملك قطنة إلى الفرعون قوله: «إن قطنة خاضعة تحت قدمي مولاي مثل دمشق في بلاد أوبي ...» لكن إيتوغاما ملك قادش كان دائم التآمر ضد الممالك الموالية لمصر، معتمدا بشكل رئيسي على عازيرو ملك آمورو، الذي تعاون مع جماعات العابيرو المرتزقة، وشكل حلفا من الدويلات المناهضة للنفوذ المصري، فكانت قطنة وأوبي من جملة الدويلات التي عانت من تعدياته، على ما نفهم من تقارير بيرياوازا إلى البلاط المصري. غير أن أوبي لم تسقط على ما يبدو في يد التحالف المعادي لمصر، لأننا نعرف من رسالة تعود إلى أواخر عصر العمارنة أن ملك أوبي المدعو زلايا كان مواليا للفرعون، لأن الفرعون يطلب إليه في تلك الرسالة أن يبعث بفريق من جماعات العابيرو المرحلين من المنطقة لإسكانهم في النوبة بمصر العليا. وقد وجدت الرسالة في كامد اللوز بالبقاع الجنوبي، وهو موقع كاميدو القديمة.
12
بعد وفاة إخناتون استمر التوتر على المناطق الحدودية بين القوتين العظميين، وخصوصا في مناطق أوبي والبقاع وقادش. ففي السنوات الأخيرة من حكم توت عنخ آمون تخبرنا السجلات الحثية عن حملة مصرية على قادش، وكان ملكها القديم إيتوغاما ما زال على العرش. وقد رد شوبيلوليماس على العدوان المصري بهجوم على منطقة البقاع، إلا أن كلا الحملتين لم تسفر عن نتيجة حاسمة بالنسبة إلى الطرفين. وبعد ذلك بمدة قصيرة توفي توت عنخ آمون في ريعان الصبا، وسادت مصر فترة اضطرابات استغلها الحثيون بإرسال حملة جديدة إلى المنطقة لم تكن حاسمة أيضا، وعاد الجنود إلى الأناضول حاملين معهم وباء الطاعون الذي تفشى في المملكة الحثية، ومات الملك شوبيلوليماس نفسه بالمرض، وخلفه ابنه مورشيلي الثاني عام 1346ق.م. وقد عاصر مورشيلي الثاني الفرعون حور محب، القائد العسكري الذي أنهى فترة الاضطرابات، مما أعقب وفاة توت عنخ آمون واعتلى عرش مصر. وقد عمل حور محب على دعم ثورة محلية في سوريا ضد حاتي، تركزت في منطقة قطنة ومنطقة نوخاشي (بين حمص وحلب)، فأرسل فرقا عسكرية مصرية لدعم المتمردين، ولكن مورشيلي قضى على المتمردين وهزم الفرق المصرية المساندة لهم.
13
كان الفرعون حور محب آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة، ومات دون أن يكون له وريث على العرش، فخلفه رمسيس الأول، الذي أسس الأسرة التاسعة عشرة وحكم مدة سنتين فقط، ثم مات وخلفه سيتي الأول، الذي حكم من 1302 إلى 1290ق.م. وقد وطد سيتي الأول سيطرة مصر على مناطق نفوذها في فلسطين وسوريا الجنوبية، وقام بحملة على قادش فأعادها إلى النفوذ المصري، ثم انقلب نحو الساحل السوري فأخضع مملكة آمورو، الصديق التقليدي للحثيين، وأخبار حروب سيتي الأول موثقة في نصوص قصيرة منقوشة تحت عدد من المنحوتات البارزة في معبد الكرنك، تصور مشاهد حروبه في سوريا، التي تدعوها النصوص المصرية من تلك الفترة ببلاد ريتينو. نقرأ في أحد هذه النصوص تحت مشهد يصور عودة الفرعون: «عودة جلالته من ريتينو العليا بعد أن وسع حدود مصر.» وتحت مشهد آخر نقرأ: «تقديم القرابين من الفرعون إلى أبيه آمون رع، لدى عودته من بلاد حاتي بعد سحق المتمردين وبلدانهم. وقد أتى معه بأمراء ريتينو الأوغاد ليضعهم في معبد أبيه آمون رع.» وهناك مشهد يصور حصار مدينة قادش كتب تحته: «صعود الفرعون لتدمير قادش وبلاد آمورو.» وقد تم العثور في موقع مدينة قادش على حجر تذكاري للفرعون سيتي الأول، الأمر الذي يؤكد صحة الروايات المصرية.
Bog aan la aqoon