Aram Dimishiq Wa Israa'iil
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Noocyada
من الممالك الآرامية التي تكونت في سياق عصر الحديد الأول، واستمرت خلال عصر الحديد الثاني مملكة بيت بحياني في حوض الخابور، وكانت عاصمتها جوزان في موقع تل حلف، الذي يقع في أقصى الشمال السوري عند منابع نهر الخابور. وقد تم اكتشاف موقع جوزان عام 1899 صدفة من قبل المنقب الألماني فون أوبنهايم، واستمر التنقيب فيه حتى عام 1929 على فترات متقطعة. ونظرا لقلة المواقع القديمة المعروفة في سوريا خلال ذلك الوقت، فقد صنفت آيات النحت العظيم والعمارة الراقية لتل حلف تحت تسمية جديدة، هي «الفن الحثي الجديد»، وأخذ دارسو فنون وثقافة هذه الممالك بالبحث عن الروابط التي تجمعها إلى فنون وثقافة كل من آشور وحاتي، وذلك دون النظر إلى الطبيعة الخاصة لهذه الثقافة وتفردها. ورغم أن تسمية «الحثي الجديد» قد بقيت مصطلحا تاريخيا وفنيا وأركيولوجيا لفترة طويلة من الزمن، إلا أن الاتجاهات الحديثة في علم الآثار وتاريخ الفن في سوريا القديمة قد أخذت تتلمس الشخصية المستقلة لهذه الثقافة السورية في عصر الحديد، وترى فيها طابعا آراميا رغم تأثرها بالثقافتين الحثية والآشورية، وهو أمر طبيعي يفرضه تداخل التاريخ والجغرافيا لهذه الثقافات المتقاربة. ويجب ألا ننسى أن هذه المناطق من الشمال السوري قد استوعبت عددا كبيرا من المهاجرين من آسيا الصغرى عقب انهيار المملكة الحثية، وأن هؤلاء المهاجرين قد ساهموا في بناء ثقافة عصر الحديد السوري. ويقول المؤرخ وعالم الآثار المعروف باولو ماتييه، مكتشف مدينة إيبلا، بخصوص مصطلح «الحثي الجديد»: إن هذا المصطلح من أكثر المصطلحات والمفاهيم التي كونها الباحثون المبكرون دوغمائية وخطأ، وهو يحرم الفن السوري من كل أصالة وإبداع خاص.
1
وإلى الغرب من مملكة بيت بحياني الآنفة الذكر ظهرت مملكة بيت عديني التي شملت الأراضي الواقعة بين نهر بليخ والفرات. وقد اكتشفت عاصمة هذه المملكة، واسمها تل برسيب، في موقع تل أحمر على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وعلى مسافة 20كم إلى الجنوب من بلدة جرابلس الحالية على الحدود التركية. وعثر في الموقع على كتابات تذكر اسم ملكها المدعو آخوني المعروف في السجلات الآشورية. كما عثر في بوابة قصر تل برسيب على أسود بازلتية ضخمة عليها نقوش للحاكم الآشوري، الذي ولي المدينة بعد أن ألحقها الآشوريون بممتلكاتهم، وحكموها بشكل مباشر.
2
وفي منطقة الفرات الأعلى قامت مملكة كركميش، التي اكتشفت عاصمتها التي تحمل الاسم نفسه قرب بلدة جرابلس على الفرات، وقد تبين من الألواح المسمارية المكتشفة في الموقع أن المدينة كانت مزدهرة قبل وصول الآراميين إليها. كما أن الوثائق الكتابية من مدينة ماري ومن مدينة حاتوسس عاصمة الحثيين تذكر كركميش كمدينة كبرى مزدهرة في عصر البرونز الوسيط، وخصوصا خلال عصر الإمبراطورية الحثية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ونستطيع في هذا الموقع القديم أن نتابع تشكل الفن المدعو بالحثي الجديد منذ بداياته الأولى، ومن خلال تطوره الذاتي، لنستكشف ملامح هذا الفن المتميز وتفرده كفن سوري أصيل.
3
وإلى الشمال الشرقي من كركميش قامت مملكة حداتو. وقد اكتشفت عاصمتها التي تحمل اسم حداتو في موقع أرسلان طاش على مسافة 30كم شرقي الفرات. وأهم ما تم العثور عليه في الموقع مجموعة من المنحوتات العاجية، التي تعبر عن مدرسة فنية سورية متميزة، وتظهر روابط واضحة مع عاجيات فينيقيا وفلسطين.
4
وفي مناطق غربي الفرات قامت مملكة بيت جوش في منطقة حلب، وعاصمتها أرفاد، التي يرجح أن تكون في موقع تل رفعت على مسافة 35كم إلى الشمال الشرقي من حلب. وفي أقصى الشمال الغربي قامت مملكة يأدي التي سيطرت على منطقة جبال الأمانوس، وقد اكتشفت عاصمتها شمأل في موقع تل زنجرلي الحالي. ومن أهم ما أفاض به هذا الموقع من آيات فنية هو مجموعة من المنحوتات البارزة الضخمة على بوابات قلعة المدينة، تشكل في حد ذاتها مدرسة سورية متميزة في هذا النوع من الفن. وقد ألحقت هذه المنحوتات، من قبل مكتشفيها الأوائل في مطلع القرن العشرين، بمدرسة النحت البارز الآشوري، أما اليوم، وبعد أن توفر لدينا ما يكفي من الأعمال الفنية المشابهة، فإن الوقت قد حان لدراسة النحت السوري في استقلاله وتميزه كمدرسة قائمة في حد ذاتها.
5
Bog aan la aqoon