Aram Dimishiq Wa Israa'iil
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Noocyada
تظهر أن الخزفيات القريبة من نمط بحر إيجة تنتشر لفترة قصيرة مع مطلع القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ثم تختفي تدريجيا لتحل محلها خزفيات تنتمي إلى أنماط محلية واضحة. كما تظهر نقوش كتابية مينوية (كريتية) متفرقة على الأختام، ثم تختفي لتحل محلها النقوش الكنعانية. وفيما عدا ذلك، فإن جميع الآثار المادية للمنطقة المدعوة بفلستيا تعكس طابعا محليا واضحا في كل مجال من مجالات الحياة، من الأنماط المعمارية إلى المعتقدات والممارسات الدينية التي تركزت حول آلهة كنعانية قديمة، مثل داجون وعشتاروت. وهذا يعني أن المدن الفلسطينية الخمسة الموصوفة في النصوص الآشورية خلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، وفي النصوص التوراتية من أواسط الألف الأول قبل الميلاد؛ لم تكن إلا مدنا كنعانية قلبا وقالبا. وإن عقد الصلة بين بيليست شعوب البحر ممن تسرب بعضهم إلى المنطقة مع مطلع القرن الثاني عشر، وفلسطينيي النصوص الآشورية والتوراتية، باعتبار هؤلاء استمرارا إثنيا وثقافيا لأولئك؛ لا يقوم على أساس تاريخي صلب.
هذه هي الصورة العامة للمسرح الذي اقتحم عليه يشوع بن نون بقبائله العبرانية، ووزع أرض كنعان على تلك القبائل وفق الرواية التوراتية. فإلى أي حد تنطبق أحداث سفر يشوع وسفر القضاة من بعده على هذه الصورة؟ (2) النظرية التوراتية الأولى
يشوع والاقتحام العسكري لكنعان
يقدم لنا محررو التوراة نظريتين متناقضتين لتفسير أصول القبائل الإسرائيلية في كنعان؛ نظرية الاقتحام العسكري الصاعق عبر نهر الأردن، والتي تقوم على أساس أحداث سفر يشوع، ونظرية التسلل السلمي التدريجي، التي تقوم على أساس أحداث سفر القضاة. وهذان السفران متناقضان في تفاصيلهما جميعها إلى درجة تدفع إلى القول بأن محرر سفر القضاة لم يقرأ أو يطلع على سفر يشوع، وأن القائمين على عملية الصياغة الأخيرة للنص التوراتي لم يكونوا في موقف يساعدهم على تفضيل إحدى النظريتين على الأخرى، فوضعوهما جنبا إلى جنب، ربما في انتظار صياغة نهائية للنص لم تر النور حتى الآن. وسنتفرغ فيما يلي لسفر يشوع.
بعد موت موسى أمر الرب يشوع بن نون - وكان الذراع العسكري الأيمن لموسى - أن يستلم زمام القيادة قائلا: «موسى عبدي قد مات. فالآن قم اعبر هذا الأردن أنت وكل الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لبني إسرائيل. كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى ... فأمر يشوع عرفاء الشعب قائلا: جوزوا في وسط المحلة ومروا الشعب قائلين: هيئوا لأنفسكم زادا؛ لأنكم بعد ثلاثة أيام تعبرون الأردن هذا، لكي تدخلوا فتمتلكوا الأرض التي يعطيكم الرب» (يشوع، 1: 1-11). وعندما حل الموعد المضروب، وتقدم يشوع بقواته لعبور الأردن، وأمامهم تابوت العهد، انفلقت مياه النهر أمامهم في معجزة إلهية ثانية كمعجزة بحر سوف، وعبروا على اليابسة، ثم عاد الماء سيرته الأولى.
فلسطين في عصر الحديد.
خيم يشوع في موقع الجلجال في تخم مدينة أريحا الشرقي، وخاطب الشعب قائلا: «غدا تعلمون بنيكم قائلين: على اليابسة عبر إسرائيل هذا الأردن، لأن الرب إلهكم قد يبس مياه الأردن أمامكم حتى عبرتم، كما فعل الرب إلهكم ببحر سوف الذي يبسه من أمامنا حتى عبرنا. لكي تعلم جميع شعوب الأرض يد الرب أنها قوية» ... «فحل بنو إسرائيل في الجلجال، وعملوا الفصح في اليوم الرابع عشر من الشهر مساء في عربات أريحا، وأكلوا من غلة الأرض في الغد بعد الفصح فطيرا وفريكا. وانقطع المن في الغد عند أكلهم من غلة الأرض، ولم يكن بعد لبني إسرائيل من» (يشوع، 3-5).
لم يدم حصار مدينة أريحا المنيعة أكثر من سبعة أيام؛ لأن الرب أظهر في أريحا معجزة أخرى. لقد أمر الرب يشوع أن يدور بجنوده حول أسوار المدينة في كل يوم مرة، وفي اليوم السابع لدى إتمامهم سبع دورات، يقوم حملة الأبواق بالنفخ فيها بصوت عظيم، يتبعهم الشعب جميعه بهتافات مدوية، فيسقط سور المدينة من تلقاء ذاته، وتكون المدينة وكل ما فيها محرما للرب. والتحريم بالمصطلح التوراتي هو تقديم سكان المدينة المغلوبة قربانا للرب مع مواشيهم وكل نفس حية من ممتلكاتهم. أما الممتلكات المادية الثمينة، كأواني الفضة والنحاس والذهب، فتكون قدسا للرب، وتدخل في خزانة الرب. فعل يشوع ما أمره الرب، وسقطت أسوار أريحا من تلقاء ذاتها، فدخل يشوع وجنوده وأبادوا أهل المدينة عن بكرة أبيهم مع حيواناتهم ومواشيهم، ثم نهبت المدينة وأحرقت بالنار (يشوع، 6). ومن أريحا يتجه يشوع نحو مدينة عاي القريبة منها، ولكنه يهزم هزيمة منكرة: «فضرب منهم أهل عاي نحو ستة وثلاثين رجلا، ولحقوا بهم وضربوهم في المنحدر. فذاب قلب الشعب وصار مثل الماء. فمزق يشوع ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض أمام تابوت الرب إلى المساء، هو وشيوخ إسرائيل، ووضعوا ترابا على رءوسهم.» عند ذلك يخبر الرب يشوع عن سبب هزيمتهم، ونعرف أن واحدا من رجال إسرائيل قد احتفظ لنفسه بثوب وبعض الأمتعة النفيسة في أريحا، مخالفا بذلك أمر التحريم. فيؤخذ المذنب مع بنيه وبناته وبقره وحميره وغنمه وخيمته فيرجمون جميعا ثم يحرقون بالنار، حتى يرجع غضب الرب عن إسرائيل. وعندما شن يشوع حملته الثانية على مدينة عاي أخذها وقتل سكانها جميعا، وجعلها «تلا خرابا أبديا إلى هذا اليوم.» ولكن البهائم نهبها إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي أمر به يشوع (يشوع، 7-8).
ولما سمع سكان جبعون القريبة من أريحا نحو الشرق، خافوا من مواجهة إسرائيل، وصعد وفد منهم بخدعة إلى يشوع وقد ارتدوا أسمالا بالية ونعالا ممزقة، وفي أكياس زادهم خبز يابس قد صار فتاتا، وطلبوا الأمان لمدينتهم منه قائلين إن مدينتهم بعيدة جدا وفقيرة ، وها هي ثيابهم قد بليت، ونعالهم قد تشققت من طول المسافة، وزادهم من الخبز قد تفتت ويبس في الطريق. فقطع لهم يشوع ورؤساء جماعته عهدا بعدم الاعتداء عليهم. وبعد سفرهم عرف يشوع أن المدينة قريبة وميسورة الحال، ولكنه بقي على العهد الذي قطعه لهم، وأمر بتسخيرهم لخدمة إسرائيل، وجعل منهم محتطبي حطب ومستقي ماء للجماعة ولمذبح الرب (يشوع، 9). «فاجتمع ملوك الآموريين الخمسة؛ ملك أورشليم، وملك حبرون، وملك يرموت، وملك لخيش، وملك عجلون، وصعدوا هم وكل جيوشهم، ونزلوا على جبعون وحاربوها. فأرسل أهل جبعون إلى يشوع إلى المحلة في الجلجال يقولون: لا ترخ يديك عن عبيدك. اصعد إلينا عاجلا وخلصنا ... فصعد يشوع من الجلجال ورجال الحرب جميعهم معه وكل جبابرة البأس. فقال الرب ليشوع: لا تخفهم، لأني بيدك قد أسلمتهم، لا يقف رجل واحد منهم بوجهك. فأتى إليهم يشوع بغتة، صعد الليل كله من الجلجال، فأزعجهم الرب أمام إسرائيل، وضربهم ضربة عظيمة في جبعون. وبينما هم هاربون من أمام إسرائيل وهم في منحدر بيت حورون رماهم الرب بحجارة عظيمة من السماء ... حينئذ كلم يشوع الرب وقال أمام عيون إسرائيل: يا شمس دومي على جبعون، ويا قمر على وادي أيلون، فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه» ... أما الملوك الخمسة، فقد قبض عليهم يشوع وقتلهم وعلقهم على أعمدة من خشب. بعد ذلك يتابع يشوع مسيرته جنوبا ويستولي على المدن التالية: مقيدة، لبنة، لخيش، جازر، عجلون، حبرون، دبير، وصولا إلى غزة على الساحل، ثم ينعطف نحو الصحراء ليصل إلى قادش برنيع، دون أي ذكر لمدينة أورشليم، التي كانت رأس تحالف الملوك الخمسة. بعد ذلك يقفل عائدا إلى مخيمه في الجلجال قرب أريحا (يشوع، 10).
وكانت حاصور درة مدن الشمال وأقواها. فجمع ملكها المدعو يابين إليه ملوك الشمال «فخرجوا هم وكل جيوشهم معهم، شعبا غفيرا كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة، بخيل ومركبات كثيرة جدا. فاجتمع هؤلاء الملوك بميعاد، وجاءوا ونزلوا معا على مياه ميروم لكي يحاربوا إسرائيل ... فدفعهم الرب بيد إسرائيل فضربوهم وطاردوهم ... ثم رجع يشوع في ذلك الوقت وأخذ حاصور وضرب ملكها بالسيف، وضربوا كل نفس بها بحد السيف، حرموهم، لم تبق نسمة، وأحرق حاصور بالنار. فأخذ يشوع كل مدن أولئك الملوك وجميع ملوكها وضربهم بحد السيف، حرمهم كما أمر موسى عبد الرب. وكل غنيمة تلك المدن والبهائم نهبها بنو إسرائيل لأنفسهم ... فأخذ يشوع كل الأرض حسب ما كلم به الرب موسى، وأعطاها يشوع ملكا لإسرائيل حسب فرقهم وأسباطهم، واستراحت الأرض من الحرب» (يشوع، 11).
Bog aan la aqoon