Aram Dimishiq Wa Israa'iil
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Noocyada
12
الفصل الرابع
إسرائيل في كنعان
عصر يشوع وعصر القضاة (1) الخلفية التاريخية العامة
مرة أخرى تشهد مناطق آسيا الغربية موجة جفاف طويلة ومتصاعدة، مشابهة لتلك الموجة التي أنهت ثقافة عصر البرونز المبكر. فقد ترافق حلول عصر البرونز الأخير (1600-1200ق.م.) مع ميل تدريجي للمناخ نحو الحرارة والجفاف. وقد وصل هذا الجفاف ذروته حوالي عام 1200ق.م. في اليونان وجزر المتوسط والأناضول وسوريا، وقامت العوامل الطبيعية بالإجهاز على ثقافة عصر البرونز الأخير. مع تزايد تأثير الجفاف أخذت المناطق الهامشية الحساسة للجفاف - في سوريا وفلسطين بشكل خاص - بخسارة سكانها الذين أخذوا بالجلاء عنها تدريجيا نحو المناطق الأبطأ تأثرا بالجفاف، أو نحو البراري متحولين إلى رعاة متنقلين، حتى إن مناطق بكاملها قد أخليت تماما من سكانها قبل نهاية البرونز الأخير، مثل منطقة الهضاب المركزية في فلسطين. وقد شهدت منطقة الهضاب المركزية هذه مع بداية عصر الحديد الأول (1200ق. م.) إعادة استيطان على نطاق واسع من قبل الجماعات التي اعتقد المؤرخون لفترة طويلة أنها الجماعات الإسرائيلية. أما في هضاب يهوذا، التي غزاها التصحر وحولها إلى بواد قاحلة، فقد هجرها السكان الزراعيون جميعهم تقريبا، ولكن عملية إعادة الاستيطان فيها قد تأخرت قرنين تقريبا عن منطقة الهضاب المركزية، أي حتى القرن العاشر قبل الميلاد.
1
وهذه المعلومات الجديدة سيكون لها دور كبير في كيفية فهمنا وتقييمنا للرواية التوراتية عن دخول الإسرائيليين وعن استقرارهم في كنعان؛ لأن منطقة الهضاب المركزية هي التي استوطن فيها، وفق الرواية التوراتية، الأسباط العشرة الموصوفة بإسرائيل، بينما استوطن في شمال يهوذا سبط بنيامين، تلاه سبط يهوذا، الذي شغل المناطق الهضبية ليهوذا حتى البوادي الجنوبية.
ولقد ساعد إقفار المنطقة الفلسطينية على وقوعها فريسة سهلة لفراعنة الأسرة الثامنة عشرة، الذين حولوا فلسطين إلى ممر تجاري لهم يصلهم بالعالم السوري والرافدي. ونستدل من رسائل تل العمارنة على أن الفراعنة لم يحكموا المدن الاستراتيجية الواقعة تحت نفوذهم حكما مباشرا، بل عن طريق الملوك المحليين الذين كانوا يتبعون مباشرة للبلاط المصري. وقد أدى التواجد المصري هنا إلى آثار إيجابية على اقتصاديات المدن الكبرى، وإلى استقرار النظم السياسية فيها. كما ساعد على تأجيل الكارثة الشاملة، التي حلت بمدن بلاد الشام الأخرى خلال هذه الفترة الانتقالية من عصر البرونز الأخير إلى عصر الحديد. إلا أن الانهيار الاقتصادي الشامل، الذي وقع مع نهاية البرونز الأخير، قد صرف نظر مصر مؤقتا عن فلسطين ، وتركت المدن الفلسطينية لمصيرها المفجع، حيث نرى آثار الدمار الكامل للعديد من هذه المدن خلال أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الثاني عشر.
2
تعتبر فترة تل العمارنة أكثر فترات عصر البرونز الأخير توثيقا، وتمتد من أواسط القرن الخامس عشر إلى أواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وقد سميت هذه الفترة بعصر العمارنة نسبة إلى موقع تل العمارنة في مصر العليا، حيث ابتنى الفرعون أمنحوتب الثالث عاصمة جديدة له هنا، عثر بين أنقاضها على أرشيف ملكي غني يضم عددا كبيرا من الرسائل المتبادلة بين أمنحوتب الثالث وابنه أمنحوتب الرابع (إخناتون) وبين ملوك سوريا وفلسطين والأناضول وبابل. وتعطينا هذه الرسائل صورة واضحة عن الأوضاع السياسية في منطقة الشرق القديم، وعن العلاقات بين القوى العظمى في ذلك الوقت. فخلال عصر البرونز الأخير تقاسمت ثلاث قوى كبرى مناطق النفوذ على المسرح الدولي، وهي ميتاني في الجزيرة والشمال السوري، وحاتي في الأناضول ومصر إلى الجنوب. وإلى جانب هذه القوى الكبرى الثلاث، فقد كان لسلالة الملوك الكاشيين الذين ورثوا مملكة حمورابي سلطة كاملة على مناطق سومر وأكاد لم ينازعهم فيها أحد، وقد مالوا إلى تعزيز صلاتهم الدبلوماسية مع القوى الكبرى، وخصوصا مصر، تفاديا لصدامات غير متكافئة مع أي منها. ونعرف من الوثائق المصرية أن أحد ملوك بابل الكاشيين قد أرسل أميرات من عائلته الملكية ليكن زوجات لأمراء مصريين، وطالب عبثا بأن يتزوج من أميرة مصرية. كما عملت ميتاني من جهتها على خطب ود ملوك الأسرة الثامنة عشرة الأقوياء، وزوجت اثنتين من أميراتها على التوالي إلى كل من الفرعون أمنحوتب الثالث وأمنحوتب الرابع. أما حاتي فقد مارست الضغط المتواصل على مناطق التواجد المصري في سوريا، واستفادت من فترة الضعف المصري خلال حكم إخناتون لتدفع مناطق نفوذها نحو أواسط سوريا، بعد أن كان تحوتمس الثالث قد عسكر عند مناطق الفرات الأوسط، وفرض نفوذه على معظم مناطق وسط وجنوب بلاد الشام. وفيما يتعلق بآشور فلم تكن قد دخلت مسرح الحياة الدولية لعصر البرونز الأخير، إلا أنها كانت تمارس ضغطا بطيئا ومتصلا على كل من ميتاني وبابل. ورغم أن الممالك السورية كانت واقعة تحت نفوذ هذه القوة الكبرى أو تلك، إلا أنها مارست تأثيرا ثقافيا واسع النطاق. ولا أدل على ازدهار الحياة الثقافية في هذه الممالك من أرشيف مدينة أوغاريت، والذي يعتبر أهم تركة ثقافية لعصر البرونز الأخير بكامله.
Bog aan la aqoon