Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
Daabacaha
دار النهار للنشر بيروت
Noocyada
في الجبال والوديان وعلى حافة الصحراء، كانت تؤمن لهم بعض التساهل. فكانوا يعيشون جماعة مقفلة، تلتف حول مدنها المقدسة، وتأتمر بأمر الأعيان من علمائها. وكان في سوريا ولبنان وشمالي العراق فرق تفرعت عن الشيعة واقتبست مزيجًا من العناصر الغريبة عن الإسلام، كالدروز والنصيرية والإسماعيلية وغيرهم. فكانت هذه الفرق، على عدم الاعتراف بها كجماعات مستقلة، تأمل في التساهل معها أيضًا، ما دامت تعيش بعيدة عن مراكز الحكم وتدفع الضرائب المفروضة عليها.
أما الطوائف المسيحية واليهودية، فقد تمتعت، منذ سقوط القسطنطينية، بالاعتراف بها اعترافًا رسميًا أبرز. فقد أقرت السلطنة العثمانية، في ذلك الحين، للبطاركة الأرثوذكس والأرمن ولحاخام العاصمة الأعظم بأنهم ليسوا رؤساء طوائفهم الروحيين فحسب، بل رؤساؤها السياسيون أيضًا. أما الطوائف الأخرى، كالأقباط في مصر، والموارنة والنساطرة والسريان والأرثوذكس في لبنان وسوريا والعراق، فكانت على اتصال أقل بالحكام لإقامتها بعيدًا عن العاصمة. ومع ذلك فقد كان بطاركتها ينالون اعتراف السلطات بهم من وقت إلى آخر. وكان السلطان يقوم بتنصيب البطاركة والحاخامين رسميًا. وكان هؤلاء يتعاملون مع حكومته في جميع الشؤون العائدة لأبناء طوائفهم. وكان للقرارات والأحكام الصادرة عنهم في نطاق الطائفة صفة القانون النافذ. وكانوا مسؤولين عن استيفاء الضرائب. وكانت الحكومة نادرًا ما تتدخل في شؤون المسيحيين واليهود ما داموا يؤدون الضرائب بانتظام، وما داموا أيضًا لا يشكلون خطرًا بتحالفهم مع دول أجنبية. وكانت تسري عليهم، في الأحوال الشخصية والدعاوى المدنية، أحكام قانونهم الديني وعرفهم. إلا أنهم كانوا خاضعين في تصرفاتهم العامة لأحكام الشريعة الأخلاقية، مع العلم أن درجة تطبيق هذه الأنظمة بحقهم كانت تختلف من بلد إلى آخر، حسب مشيئة الحاكم أو حالة الشعور الشعبي. فكانت تطبق مثلًا في
1 / 46