Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
Daabacaha
دار النهار للنشر بيروت
Noocyada
أن الحركات الفكرية لا تخمد من غير أن تترك وراءها أثرًا. وهكذا بقي العنصر الفلسفي عالقًا بالتفكير الإسلامي اللاحق. فقد قال الفلاسفة أن الحكام يجب أن يحاسبوا على أساس نواياهم لا على أساس شرعية ولايتهم، وأن الأمة تستمد وحدتها من خيرها المشترك. فقبل بهذا فقهاء العصر اللاحق، على رفضهم آراء الفلاسفة العامة. ويتجلى معظم ذلك في رسالة ابن تيمية في «السياسة الشرعية». فقد كان هذا المؤلف (١٢٦٣ - ١٣٢٨) من أتباع المذهب الحنبلي في الكلام والفقه، ذلك المذهب الذي كان، على الرغم من معارضته الشديدة لجميع المحاولات الرامية إلى إرجاع مبادئ الإسلام إلى نتاج العقل البشري، مرنًا جدًا في تطبيق تلك المبادئ على قضايا الحياة الاجتماعية. وقد واجهت ابن تيمية قضية نظامي الحكم: حكم الخلفاء المثالي الذي لم يكن قائمًا آنذاك، وحكم السلاطين من المماليك القائم في زمانه، والذي كان هو أحد موظفيه. كما واجهته قضية نظامي الشرائع: نظام الشريعة الإسلامية حيث باب الاجتهاد كان قد أقفل عمليًا، ونظام قواعد التصرف بمقتضى الحال والعدل الطبيعي، وهي قواعد كان الحكم يلتزمها ويطبقها. وقد حل ابن تيمية هذه القضية المزدوجة باستنباط نظرة جديدة في شرعية الحكم ووحدة الأمة وتنظيم الشريعة.
جعل ابن تيمية من قوة الإكراه جوهر الحكم. إذ لا غنى للبشر عنها للعيش معًا وللحؤول دون تفكك عرى التضامن بينهم بفعل الأنانية الطبيعية. ولما كانت قوة الإكراه هذه ضرورة من ضرورات المجتمع، فإنها تنشأ بفعل عملية استيلاء طبيعية يضفي عليها عقد التشارك طابع الشرعية. وللحاكم، كحاكم، أن يفرض واجب الطاعة على رعاياه. إذ أن الحاكم، ولو كان ظالمًا، لخير من الفتنة وانحلال المجتمع: «أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم» (١٥). بيد أن هناك فرقًا بين الحكم العادل والحكم الظالم، يعود أصلًا إلى الغاية الجوهرية من حياة الإنسان التي هي الخضوع لمشيئة
1 / 32