Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
Daabacaha
دار النهار للنشر بيروت
Noocyada
جميع الناطقين بالضاد، بل إلى الشعور المشترك بين القاطنين أرض مصر. فمصر، في نظره، شيء مميز، لكنها شيء مستمر تاريخيًا أيضًا. فمصر الحديثة هي الحفيدة الشرعية لأرض الفراعنة. كانت مخيلته تزخر بأمجاد مصر القديمة التي رآها، للمرة الأولى، بضرب من المفارقة، خلال إقامته في فرنسا، حتى إنه كتب قصائد في مدح الفراعنة. ومن ميزات أسلوب تفكيره أنه، عندما يكتب مثلًا عن رذيلة الكسل، يبدأ بالاستشهاد بالحديث وبنصوص إسلامية أخرى، ثم ينصرف إلى التحدث عن كيفية تصوير الكسالى في الفن المصري القديم (٢٩). وكانت مصر القديمة له مدعاة للاعتزاز. فهي تجمع بين عنصري التمدن الأساسيين: الخلقية الاجتماعية والازدهار الاقتصادي (٣٠). وكما كانت عليه مصر القديمة في الماضي، يمكن لمصر الحديثة أن تستعيده اليوم. «لأن بنية أجسام أهل هذه الأزمان هي عين بنية أهل الزمان الذي مضى وفات والقرائح واحدة» (٣١).
لكن إذا صح ذلك، فكيف نفسر فقدان مصر للفضيلة وللازدهار اللذين كانت عليهما في الأزمان القديمة؟ في هذا يذهب الطهطاوي إلى أن علة ذلك إنما هو حدث تاريخي عرضي: الحكم الأجنبي، حكم المماليك في القرون الوسطى المتأخرة، ثم، بعد انتعاش قصير في عهد السلاطين العثمانيين الأول، حكم الشراكسة الفاسد الطويل الأمد. وكان، في قوله هذا، إنما يردد صدى بيانات بونابرت ويرسم نهجًا في التفكير تبناه في ما بعد كتاب مصر اللاحقون. وقد طبق هذا النهج، إجمالًا، في آخر الأمر، على الأسرة الحاكمة التي كان الطهطاوي من خدامها.
ذكرنا من مؤلفات سنواته الأخيرة مجلدين في تاريخ مصر نوى أن يكونا المجلدين الأولين من سلسلة كاملة أرادها أن تكون مساهمة في التربية الوطنية وملخصًا لما ينبغي للمصري الحديث أن يلم به من أمر وطنه. وقد أنجزها ابنه بعد وفاته. في هذين المجلدين
1 / 104