Ara Falsafiyya ee Dhibaatada Casriga
آراء فلسفية في أزمة العصر
Noocyada
Kafka ، فأين إيماننا الذي نعيش به؟
1
ربما نكون قد اخترنا الطريق الخاطئ، وربما كان من الأفضل لنا أن نتشبث بإيمان نعيش له ونموت في سبيله، بدلا من أن نبحث عن إيمان نعيش به فحسب. إن الحكمة الوثنية القديمة عرفت أن أنبل وأسعد وأكثر النواحي البشرية إنسانية متعلقة بما يسمو على البشرية، كما عرفت أن الإنسان لا يستطيع العيش إلا بما يحيا من أجله وما هو مستعد لأن يموت من أجله، وبما هو أفضل منه. وإذا كانت إنسانيتنا قد فشلت فربما كان مرد ذلك إلى أنها كانت تدور حول الإنسان وحده، وأنها كانت نفعية لا بطولية، ولأنها حاولت أن تلقي بالموت والشر في هوة النسيان، بدلا من أن تواجههما وتتغلب عليهما بصعود الروح إلى الحياة الأبدية، ولأنها وضعت ثقتها في الحيل الفنية بدلا من أن تضعها في المحبة؛ أقصد المحبة التي بشر بها الإنجيل.
يقول القديس بولس: إن الإيمان هو مادة الأشياء التي نضع فيها آمالنا. ويمضي فيقول: إنه الثقة في أمور لا نراها. الإيمان هو التمسك بالحق الذي يسمو على البشر، وهو المدخل إلى مملكة الأشياء المقدسة التي لا ترى. الإيمان يجعل حياتنا متعلقة بالعيش الكامل، الذي يفضل حياتنا الخاصة كثيرا، وهو إلى نفوسنا أحب. الإيمان هو الالتقاء ب «شخص هو الحق ذاته وهو المحبة ذاتها». شخص إذا نحن أسلمنا إليه نفوسنا أدى بنا ذلك إلى الحرية القصوى، وإذا نحن متنا في سبيله أضحت حياتنا ثابتة لا يلحق بها الدمار.
ثم إنا نعيش من أجل الحق، وهذا الحق الذي نعيش من أجله أقوى من الدنيا بأسرها. ونحن نعيش من أجل الحب، وهذا الحب الذي نعيش من أجله قد صنع الدنيا، وسوف يجددها ويعيد تشكيلها في النهاية. ونحن أحرار، وليس بوسع أي شيء في الدنيا أن يحطم إيماننا.
وهذا الإله الذي هو الحق والحب قد خلق الإنسان على صورته، وقدر للإنسان أن يقاسمه حياته. وقد مات المسيح في سبيل خلاص الإنسان. وبالرغم من جميع الكوارث التي تنجم عن فشل الإنسان وانحرافه عن جادة الحق، فإن الله يسير تاريخ البشر نحو العمل وتشكيل الدنيا على الصورة التي يحب ويرضى. هذه هي عظمة الإنسان، وهذه هي نقطة الارتكاز في إيماننا به.
ومن ثم فإن الإيمان بالإنسان يعود إلى الحياة إذا امتدت جذوره إلى ما يسمو عن الإنسان، إن الإيمان بالإنسان يصعد عن طريق الإيمان بالله.
إن تاريخ البشر يسير في اتجاه معين، وهو يتوقف على الطاقات الطبيعية والروحية، وتاريخ البشر - من بين جميع ضروب الصراع - يميل نحو تحقيق الإنسانية بطريقة طبيعية؛ أقصد أنه يميل نحو إظهار جوهر الإنسان وإمكانياته تدريجا، وإلى التقدم التدريجي لأشكال معرفته، وضميره الخلقي، وحياته الاجتماعية، ويقصد إلى تحقيق الوحدة والحرية تدريجا. وهو يميل أيضا إلى تحقيق الروحانية، التي تسمو على الزمان وتتجاوز حدود التاريخ، والتي يعدها المسيحي مملكة السماء والإلهام لأبناء السماء. وهذان الاتجاهان للتاريخ - وإن كانا يمتزجان امتزاجا لا ينفصل - ينتسبان إلى عالمين يتميز كل منهما عن الآخر تميزا واضحا، وكثيرا ما يقف ضعف الإنسان في سبيل أحدهما، ويعمل على حث الآخر على التقدم. وفي مقابل هذين الاتجاهين ينمو عامل الشر كذلك في التاريخ، فترى حركة سفلية تسبب زيادة الخسائر في نفس الوقت الذي تسعى فيه الحركة العلوية إلى أن تتمخض عصارة الدنيا عن ثمار أفضل. إن الشر يعمل متخفيا إبان ازدهار بساتيننا التي لم يتم إيناعها، وذلك في أسعد فترات التاريخ. وفي أحلك العصور ظلمة يتأهب الخير متخفيا كذلك لانتصارات غير منظورة، والخير أقوى من الشر؛ ومن ثم يتحقق قول الكتاب المقدس: «قل لمن هم على طريق الحق إن الدنيا بخير.» وفي سفر الرؤيا اليهودي جاء أن عصر آلام المسيح سيكون هو عصر انتصاراته الكبرى.
وفي تقديم كتابه «على أعتاب سفر الرؤيا» لأحد القراء، كتب ليون بلوي منذ نحو ثلاثين عاما في الصفحة الأولى: «أرجو أن تتقدم بخطاك يا صديقي العزيز.» ويبدو في الواقع أننا تقدمنا فعلا بالخطا، ويبدو كأن عصرنا هو من عصور الإيحاء، فيه تصفية لقرون عدة من التاريخ. إننا ما زلنا نجني ثمار الغضب، ولم تنته آلامنا بعد، ولكن عالما جديدا سيخرج في نهاية الأمة التي نعانيها.
وبهذه الأفكار في أذهاننا تتخذ التجربة صورة جديدة، وهي التجربة عينها التي هزت من قبل إيماننا بالإنسان. إنها تكتسب معنى جديدا؛ فهي ليست الإبانة عن تفاهة الوجود، إنما هي الإبانة عن آلام التاريخ وجهوده، وهي ليست الإبانة عن وضاعة الإنسان وحقارته الوضيعة، وإنما هي الإبانة عن الكرب التي يتكشف عندما يهبط من كبريائه، وعن المحن والكوارث التي تبرز من خلالها عظمة مصيره الكامنة فيه.
Bog aan la aqoon