Ara Falsafiyya ee Dhibaatada Casriga
آراء فلسفية في أزمة العصر
Noocyada
غير أن الإنسان لا يوجد وجودا «عاما»، فهو يشترك مع جميع أعضاء جنسه في لب الصفات الإنسانية، ولكنه - مع ذلك - دائما مفرد، أو وحدة فذة، يختلف عن كل فرد آخر. وهو يختلف فيما يتصف به من مزيج خاص من الشخصية والمزاج والمواهب والميول كما يختلف في أطراف أصابعه، ولا يستطيع أن يؤكد إمكانياته البشرية إلا بتحقيق فرديته. إن واجب المرء أن يحيا هو نفسه واجبه في أن يكون نفسه، وأن يتطور إلى الفرد الذي تكمن فيه بذرته.
وخلاصة القول «أن الخير في الأخلاق الإنسانية هو تأكيد الحياة، والكشف عن قوى الإنسان، والفضيلة هي المسئولية إزاء وجوده ذاته»؛ والشر يتألف من العوامل التي تفل من قوى الإنسان، والرذيلة هي استهتار المرء إزاء ذاته. وهذه هي القواعد الأولى للأخلاق الموضوعية للإنسانية. ⋆ (1-4) التوجيه المنتج
إن الفرض بأن الإنسان لديه دافع نحو النمو والتكامل لا يترتب عليه أن يكون لديه دافع إلى الكمال على اعتبار أن هذا الدافع هبة خاصة خص بها الإنسان، إنما يصدر هذا الدافع عن طبيعة الإنسان ذاتها، عن المبدأ الذي يقول ب «أن القدرة على العمل تخلق الحاجة إلى استخدام هذه القدرة، وأن الفشل في استخدامها ينتهي بشل العضو عن أداء وظيفته وبالبؤس والشقاء.» ويمكن أن نتبين صحة هذا المبدأ بسهولة بالنسبة إلى وظائف الإنسان الفسيولوجية. الإنسان لديه القدرة على المشي وعلى الحركة، فإذا ما حيل بينه وبين استخدام هذه القدرة نشأ عن ذلك المرض أو عدم الارتياح البدني. ولدى المرأة القدرة على حمل الأطفال وإرضاعهم، فإذا ما لبثت هذه القدرة بغير استخدام، وإذا لم تصبح المرأة أما، وإذا هي لم تستطع أن تنفق قدرتها على حمل الأطفال ومحبتهم، شعرت بخيبة الأمل الذي لا يمكن علاجه إلا بزيادة إدراكها لقدراتها في ميادين حياتها الأخرى. وقد نبه فرويد إلى نوع آخر من عدم الإنفاق كسبب من أسباب الألم وهو الطاقة الجنسية، وذلك حينما أدرك أن كبت هذه الطاقة قد يكون سببا في الاضطرابات النورستانية. وربما بالغ فرويد في تقدير أهمية الإشباع الجنسي، إلا أن نظريته تعبير «رمزي» عميق عن هذه الحقيقة، وهي أن فشل الإنسان في استخدام ما لديه وفي إنفاقه هو السبب في بعض الأمراض وأسباب البؤس والشقاء. إن صحة هذا المبدأ تظهر فيما يتعلق بقدرات المرء النفسية، كما تظهر فيما يتعلق بقدراته البدنية. إن عند الإنسان قدرة طبيعية على الكلام وعلى التفكير، فإذا ما كبتت هذه القدرات أصيب صاحبها بضرر بالغ. ولدى الإنسان قدرة على الحب، وإذا هو لم يستطع أن يستخدم هذه القوة، وإذا ما عجز عن الحب، عانى من هذه المأساة التي حلت به حتى إن هو حاول أن يتجاهل آلامه بكل أنواع التبرير أو بالتجائه إلى مخارج الهروب من الألم الذي ينجم عن فشله؛ تلك المخارج التي اتخذت لها صيغا ثقافية معروفة.
والسبب في أن ظاهرة عدم استخدام المرء لقدراته تنتهي ببؤسه يكمن في ظروف الوجود البشري نفسه. إن وجود الإنسان يتميز بانقسام وجودي؛ فهو لا يجد سبيلا إلى الاتحاد بالعالم وإلى أن يتحد مع نفسه في آن واحد، لا يجد سبيلا إلى الاتصال بغيره وإلى أن يحتفظ بكمال نفسه وباعتباره وحدة فذة، لا يجد سبيلا إلى ذلك إلا باستخدام قواه استخداما منتجا؛ فإذا هو فشل في ذلك فلن يستطيع أن يحقق الانسجام والتكامل الباطني، وانقسم وتمزق، واضطر إلى الفرار من نفسه، ومن الشعور بالتخاذل، والملل والعجز، وهي نتائج لفشله لا مناص منها. ولما كان الإنسان حيا، فلا يسعه إلا أن يرغب في الحياة، والوسيلة الوحيدة التي يستطيع بها أن يفلح في حياته هي استخدام قدرته والإنفاق مما لديه. ⋆
ونستطيع أن نفهم معنى «التفكير المنتج» فهما مبدئيا بالنظر إلى الفرق بين العقل والذكاء.
الذكاء هو أداة الإنسان لبلوغ الأهداف العملية، بقصد الكشف عن تلك الأوجه من الأشياء التي تعتبر معرفتها ضروريا لتناولها. أما الهدف نفسه - أو بعبارة أخرى - المقدمات التي يرتكز عليها التفكير «الذكي» فليست موضع الجدل، وإنما يسلم بها، وقد تكون وقد لا تكون معقولة في حد ذاتها. وهذه الصفة الخاصة التي يتصف بها الذكاء يمكن أن تشاهد بوضوح في حالة من حالات الشذوذ، وهي حالة المخبول؛ فقد يبدأ تفكيره مثلا بأن الناس جميعا يتآمرون ضده، وهي مقدمة للتفكير خاطئة غير معقولة. ولكن عملياته الفكرية المبنية على هذه المقدمة قد تنم في حد ذاتها عن قدر كبير من الذكاء، وهو في محاولته أن يبرهن على موضوع خبله يربط بين الملاحظات ويكون التراكيب المنطقية، التي كثيرا ما تبلغ من التماسك حدا يتعسر معه التدليل على ما في المقدمة من خطأ عقلي. وتطبيق مجرد الذكاء على مختلف المشكلات لا ينحصر بطبيعة الحال في أمثال هذه الظواهر المرضية. إن أكثر تفكير يتعلق حتما بتحقيق نتائج عملية، يتعلق بأوجه الظواهر الكمية و«السطحية» دون البحث في صحة الأهداف والمقدمات التي تنطوي عليها، ودون محاولة فهم طبيعة الظواهر ونوعها.
أما العقل فينطوي على بعد ثالث، هو العمق الذي يبلغ جواهر الأشياء والعمليات. وإذا كان العقل لا ينفصل عن أهداف الحياة العملية (وسوف أبين فيما بعد بأي معنى يصدق هذا القول) إلا أنه ليس مجرد آلة للعمل المباشر. إن وظيفته هي المعرفة، والفهم، والإدراك، وربط المرء بالأشياء عن طريق إدراكها، وهو ينفذ خلال ظواهر الأمور لكي يكشف عن جواهرها، وعلاقاتها الخفية ومعانيها العميقة و «منطقها». ويمكن أن يقال إن العقل لا يحد ببعدين اثنين، وإنما «يحيط بجميع النواحي» - على حد اصطلاح نيتشه - أي إنه يرى كل الأوجه التي يمكن تصورها ويرى جميع الأبعاد، ولا يقف عند حد ما له صلة عميقة. وليس معنى الاهتمام بجواهر الأمور الاهتمام بشيء «وراء» الأمور، وإنما معناه الاهتمام بالضروري والنوعي والعالمي، وبأعم صفات الظواهر وأشملها، متحررة من أوجهها السطحية والعارضة (التي ليست لها صلة منطقية). ⋆
العقل نعمة الإنسان، وهو أيضا نقمته. إنه يرغمه على أن يكافح إلى ما لا نهاية في سبيل حل مشكلة لا تحل، هي مشكلة الانقسام. والوجود البشري يختلف من هذه الناحية عن جميع الكائنات العضوية الأخرى، فهو في حالة دائمة من حالات عدم التوازن التي لا مفر له منها. إن حياة الإنسان لا يمكن أن «تعاش» بتكرار نمط نوعه، وإنما ينبغي له «هو» أن يعيش. الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يمكن أن «يمل» ويمكن أن «يسخط»، والذي يمكن أن يشعر بطرده من الجنة. الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يكون وجوده الشخصي مشكلة عليه حلها، وليس بوسعه أن يتحاشاها، إنه لا يستطيع العودة إلى حالة ما قبل البشرية التي سادها الانسجام مع الطبيعة، ولا بد له من مواصلة تطوير عقله حتى يصبح سيد الطبيعة وسيد نفسه.
لقد خلق ظهور العقل عند الإنسان انقساما في نفسه يرغمه على النضال إلى الأبد في سبيل إيجاد حلول جديدة. وإن الحركة الدائمة في تاريخه هي من ضرورات وجود العقل اللازمة التي تدفعه إلى أن ينشئ وأن يطور عالما خاصا به يشعر فيه بالطمأنينة مع نفسه ومع زملائه. وكل مرحلة يبلغها الإنسان تتركه ساخطا متحيرا، وهذه الحيرة عينها تحثه على السير نحو حلول جديدة. ليس عند الإنسان «دافع إلى التقدم» طبيعي، وإنما التناقض في وجوده هو الذي يجعله يسير على الطريق الذي رسمه. لما فقد الإنسان الفردوس، أو فقد وحدته مع الطبيعة، انقلب إلى متجول دائم التجول (أوديسيس، وأوديب، وإبراهيم، وفاوست). واضطر إلى السير قدما بجهد لا يني لكي يجعل المجهول معلوما، يملأ ما في معرفته من فراغ بالإجابات والحلول، لا بد أن يبرر لنفسه نفسه، ومعنى وجوده. وهو مدفوع إلى التغلب على هذا الانقسام الداخلي، يؤرق جنبيه التشوق إلى «التجرد» إلى نوع آخر من الانسجام يزيح عنه النقمة التي فصلته عن الطبيعة، وعن زملائه، وعن نفسه. ⋆ (1-5) الإيمان كصفة من صفات الشخصية
ليس الإيمان من الآراء التي تتلاءم مع الجو العقلي الذي يسود العالم في الوقت الحاضر. إن الإنسان يربط عادة بين الإيمان وبين الله والعقائد الدينية؛ على اعتبار أن هذا يتناقض مع التفكير العقلي والتفكير العلمي؛ إذ المفروض أن هذا التفكير يشير إلى مجال الوقائع، الذي يتميز عن المجال الذي يجاوز الوقائع، والذي لا يجد التفكير العلمي له محلا فيه، حيث يسود الإيمان وحده. ويرى كثير من الناس أن هذا التقسيم اعتباطي لا يمكن الدفاع عنه؛ فإذا كان الإيمان لا يتفق مع التفكير العقلي فلا بد من استبعاده باعتباره بقية بائدة متخلفة من المراحل الأولى للثقافة، ولا بد من أن يحل محله العلم الذي يعالج الوقائع والنظريات التي يمكن فهمها ويمكن التدليل على صحتها.
Bog aan la aqoon