Ara Falsafiyya ee Dhibaatada Casriga
آراء فلسفية في أزمة العصر
Noocyada
إن الأزمة الإنسانية المعاصرة قد أدت إلى التراجع عن الآمال والآراء التي سادت في «عهد النور» الذي بدأ تقدمنا السياسي والاقتصادي تحت رعايته، وأمست فكرة التقدم ذاتها وهما صبيانيا، وأصبحنا نبشر عوضا عنها ب «الواقعية»، وهي كلمة جديدة تعبر عن انعدام الثقة المطلق في الإنسان. وبتنا نعترض على فكرة الكرامة والقوة الإنسانية، وهي التي أمدت الإنسان بالقدرة والشجاعة للقيام بالأعمال الجسيمة التي أنجزها في القرون القليلة الماضية، ونستعيض عنها بالعودة إلى فكرة العجز المطلق والتفاهة التي يتصف بها الإنسان، وتهدد هذه الفكرة باقتلاع الجذور ذاتها التي نمت منها ثقافتنا.
إن الآراء التي سادت في «عهد النور» علمت الإنسان أنه يستطيع أن يثق في عقله كمرشد له في إقامة معيار خلقي ثابت، وأنه يستطيع أن يعتمد على نفسه دون الحاجة إلى هداية الكنيسة أو سلطتها لكي يفرق بين الحق والباطل. إن شعار «عصر النور»، وهو «شجاعة المعرفة»، ينطوي على «الثقة في المعرفة»، هذا الشعار أصبح الحافز عند الإنسان الحديث لكي يعمل ويبذل الجهود. أما الشك النامي في قدرة الإنسان الذاتية وفي عقله، فقد أوجد حالة من حالات الفوضى المعنوية التي تركت الإنسان دون إرشاد من الوحي أو من العقل.
وترتب على ذلك قبول الرأي الذي يقول بالأوضاع النسبية، والذي يرى أن تقدير القيم والمعايير الخلقية أمور تتعلق كلية بالذوق أو بالمفاضلة التي تقوم على أساس، وأنه لا يمكن في هذا الميدان أن يصدر حكم واحد موضوعي ثابت، ولكن ما دام الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون قيم أو معايير، فإن هذه النسبية تجعله فريسة سهلة لطرق التقويم التي لا تستند إلى عقل. وعندئذ يرتد الإنسان إلى مكانة تغلبت عليها من قبل الثقافة الإغريقية، والمسيحية، والنهضة الأوروبية، وعصر النور في القرن الثامن عشر. عندئذ يستمد الإنسان معاييره وقيمه من مطالب الدولة، ومن الحماسة لما عند الزعماء الأقوياء من صفات سحرية، ومن الآلات القوية، والنجاح المادي.
فهل نترك الأمر عند هذا؟ هل نرضى بالخيار بين أمرين؛ إما الدين وإما نسبية الأمور؟ هل نقبل تنازل العقل فيما يمس الأخلاق؟ هل نعتقد أن الخيار بين الحرية والعبودية، بين الحب والكراهية، بين الحق والباطل، بين النزاهة والانتهازية، بين الحياة والموت، ليس إلا نتيجة للمفاضلة الذاتية في كثير من الأمور؟
هناك في الواقع وجه آخر للموضوع؛ فإن المعايير الخلقية الثابتة الصالحة يمكن أن تكون من وضع العقل البشري، وبه وحده؛ فالإنسان قادر على رؤية القيم وعلى أن يجعل لها من الصلاحية ما لكل القيم الأخرى التي يبنيها على أساس من العقل. وقد وضعت التقاليد العظيمة، تقاليد الفكر الإنساني الأخلاقي، أسس طرق التقويم المبنية على قدرة الإنسان الذاتية وعلى عقله وتفكيره. وأقيمت هذه الطرق على فرض أساسي، وهو أنك إن أردت أن تعرف ما هو خير للإنسان وما هو شر له، فلا بد لك أولا من أن تعرف طبيعة الإنسان؛ ومن ثم كانت هذه الطرق كذلك مباحث نفسية في أساسها. ⋆ (1-2) فضل فرويد وحدوده
ربما كان أكبر فضل لفرويد هو أن نظرية التحليل النفساني هي أول طريقة نفسية حديثة لا تجعل موضوعها نواحي الإنسان المختلفة التي تنفصل إحداها عن الأخرى، وإنما شخصيته بكليتها؛ فقد اكتشف فرويد طريقة جديدة مكنته من دراسة شخصية الإنسان بجملتها كما مكنته من إدراك ما يدفع الإنسان إلى أي عمل يقوم به، وأحل هذه الطريقة محل طريقة علم النفس التقليدي، التي كانت تحصر نفسها في دراسة الظواهر التي يمكن عزلها عزلا يكفي لملاحظتها في تجربة من التجارب.
وطريقة فرويد، طريقة تحليل المعاني المتداعية تداعيا حرا، وتحليل الأحلام والأخطاء، وانتقال الأفكار ، إنما هي وسيلة يمكن أن تصبح بها الوقائع «الخاصة» التي لا يعرفها ولا يتأملها إلا صاحبها، «علنية» ظاهرة في الصلة التي تقوم بين الفرد الذي يخضع للتحليل والمختص الذي يقوم بهذا التحليل؛ ومن ثم فقد أمكن لطريقة التحليل النفساني أن تفرد الظواهر التي لم تكن بدونها لتخضع للملاحظة. كما أزاحت الغطاء في الوقت عينه عن كثير من التجارب العاطفية التي لم يمكن إدراكها حتى بالتأمل الباطني لأنها مكبوتة ومنفصلة عن العقل الواعي.
كان فرويد في بداية دراساته يهتم أساسا بالأعراض النورستانية. ولكن كلما تقدم التحليل النفساني، اتضح أن الأعراض النورستانية لا يمكن فهمها إلا بفهم بناء الشخصية التي تظهر فيها، فأصبح الموضوع الأساسي لنظرية التحليل النفساني وللعلاج النفساني هو الشخصية النورستانية، لا مجرد الأعراض وحدها. وفي أثناء دراسة فرويد للشخصية النورستانية نجده يضع أسسا جديدة ل «علم الشخصية»، الذي أهمله علم النفس في القرون الحديثة وتركه لكتاب الرواية والمسرحية.
إن «علم الشخصية» الذي يقوم على أساس التحليل النفساني، برغم حداثته، لا غنى عنه لتطور النظريات الأخلاقية. ولا مناص من أن تبقى جميع الفضائل والرذائل التي يعالجها علم الأخلاق التقليدي غامضة؛ لأنها كثيرا ما تدل بلفظة واحدة على مواقف إنسانية مختلفة وعلى شيء من التناقض. وهي لا تفقد غموضها إلا إذا فهمت من حيث علاقتها ببناء شخصية الفرد الذي تعزى إليه الفضيلة أو الرذيلة. إن الفضيلة منفصلة عن محيط الشخصية قد يتبين أنها عديمة القيمة (كالتواضع الذي ينشأ عن الخوف، أو الذي يعوض به صاحبه عن كبرياء مكبوتة). كما أن الرذيلة قد تدل على شيء آخر إذا فهمت في محيط الشخصية كلها (كالكبرياء التي تعبر عن عدم الطمأنينة وشعور المرء بانحطاط قدره). وهذا الاعتبار له بالأخلاق علاقة وثيقة. ومعالجة الفضائل والرذائل منعزلة باعتبارها صفات مستقلة تضلل ولا تكفي. إن موضوع الأخلاق هو «الشخصية»، ولا يمكن أن تقوم صفات منعزلة أو أعمال منفصلة دون الإشارة إلى بناء الشخصية بكليتها (إن الموضوع الحقيقي للبحث الأخلاقي هو الشخصية الفاضلة أو الشخصية الشريرة، وليس هو الفضائل والرذائل المجردة).
ولا يقل عن ذلك أهمية - بالنسبة للأخلاق - فكرة التحليل النفساني عن الدوافع التي تصدر عن اللاوعي. وبالرغم من أن هذه الفكرة - في صورتها العامة - ترجع إلى ليبنتز واسبينوزا، إلا أن فرويد قد كان أول من درس الدوافع التي تصدر عن اللاوعي دراسة تطبيقية عملية وفي تفصيل دقيق؛ ومن ثم كان هو الذي وضح أسس نظرية الدوافع البشرية. إن تطور التفكير الأخلاقي يتميز بأن تقدير القيم فيما يتعلق بالسلوك الإنساني قد صيغ بالإشارة إلى الدوافع التي تختفي وراء الفعل دون الإشارة إلى الفعل ذاته؛ ومن ثم فإن فهم الدوافع التي تصدر عن اللاوعي يفتح لنا مجالا جديدا للبحث الأخلاقي. وقد ذكر فرويد «أنه لا يرسب في اللاوعي ما هو دنيء في الذات فقط، وإنما يرسب فيه أيضا ما هو سام»، ويمسي أقوى دافع للعمل، ولا يستطيع البحث الأخلاقي أن يتجاهله.
Bog aan la aqoon