179

Ar-Raheeq Al-Makhtum

الرحيق المختوم

Daabacaha

دار الهلال

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Goobta Daabacaadda

بيروت (نفس طبعة وترقيم دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع)

Noocyada

إلا بعد ما ارتكبه المشركون في قيادة كرز بن جابر الفهري، فالبداية إنما هي من المشركين مع ما كانوا قد أوتوه قبل ذلك من الأفاعيل. وبعد وقوع ما وقع في سرية عبد الله بن جحش تحقق خوف المشركين، وتجسد أمامهم الخطر الحقيقي، ووقعوا فيما كانوا يخشون الوقوع فيه، وعلموا أن المدينة في غاية من التيقظ والتربص، تترقب كل حركة من حركاتهم التجارية، وأن المسلمين يستطيعون أن يزحفوا إلى ثلاثمائة ميل تقريبا، ثم يقتلوا ويأسروا رجالهم، ويأخذوا أموالهم، ويرجعوا سالمين غانمين، وشعر هؤلاء المشركون بأن تجارتهم إلى الشام أمام خطر دائم، لكنهم بدل أن يفيقوا عن غيهم ويأخذوا طريق الصلاح والموادعة- كما فعلت جهينة وبنو ضمرة- ازدادوا حقدا وغيظا، وصمم صناديدهم وكبراؤهم على ما كانوا يوعدون ويهددون به من قبل، من إبادة المسلمين في عقر دارهم، وهذا هو الطيش الذي جاء بهم إلى بدر. أما المسلمون فقد فرض الله عليهم القتال بعد وقعة سرية عبد الله بن جحش، في شهر شعبان سنة ٢ هـ، وأنزل في ذلك آيات بينات وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ. فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة: ١٩٠، ١٩١، ١٩٢، ١٩٣] . ثم لم يلبث أن أنزل الله تعالى عليهم آيات من نوع آخر، يعلم فيها طريقة القتال، ويحثهم عليه، ويبين لهم بعض أحكامه فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها. ذلِكَ، وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ. وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ [محمد: ٤، ٥، ٦، ٧] «١» . ثم ذم الله الذين طفقت أفئدتهم ترجف وتخفق حين سمعوا الأمر بالقتال: فَإِذا

(١) حقق الأستاذ السيد أبو الأعلى المودودي تحقيقا مدللا أن سورة محمد نزلت قبل بدر، راجع تفهيم القرآن ٥/ ١١، ١٢.

1 / 182