146

Aqzam Jababira

أقزام جبابرة

Noocyada

وكان في الجبل المناوح معاز يرعى قطعيه فصاح: راح طعام القرد، الله يسهل ... الله يسهل، استراحت المعازة والبقارة. ولكن حنا نهض وأخذ ينفض ذيل شرواله ويمسح يديه المقلوقتين، ثم طلع في الجبل يفتش عن عصاه وطربوشه المغربي. كان طربوشه عالقا في رأس شجرة زعرور فتسلقها وأخذه، أما عصا الرعاية فلم يجدها، فعاد إلى البيت على أمل أن يعود ويفتش عنها في غد.

وما بلغ الرامية، وهي ساحة عمومية تحت بيته، حتى خف كلبه غبار إلى استقباله، يبصبص بذنبه، ويرتمي على صاحبه كأنه فرح بنجاته.

ونام حنا تلك الليلة، ولكن أفكاره لم تنم، طفق يحاسب نفسه فقال: خطية من برقبتي؟ والله العظيم ما اتهمت أحدا زورا، ما حكمت على أحد بتخريب إلا بعدما رأيته بهذه العين التي يأكلها الدود، فما هو ذنبي إذن حتى وقعت هذه الوقعة؟

وبعد أخذ ورد طويلين استخلص من الحادث الجلل أن الله راض عنه، والبرهان نجاته، فلو سقط طير سقطته ما سلم. وكان آخر سهم رماه في فضاء التخمين قوله: لو كنت مت كانوا قالوا: مستاهل، رجل ظالم. أنا ما ظلمت، ولكني وقفت الناس عند حدهم، نشكر الله.

وأيقن البقارة أن لن يغدو حنا إلى النطارة كعادته، فسرحت أنعامهم في الأرض المحمية، فإذا به يفاجئهم ويدحرهم إلى الأرض البور.

وجاء أول السنة المارتية التي كانت تؤرخ بها الدولة العثمانية، فاتفقت كلمة الضيعة على تجديد ولاية حنا فظلت عصا النطارة في يده، وفتش الناس عن مشكلة أخرى تغذي حزبيتهم.

وفي صباح يوم من أيام الربيع، استيقظت الضيعة على دقات حزن فهلعوا، ولما علموا أن الميت هو حنا خف الجزع. وقع في حفرة قدام بابه لا يزيد علوها عن قامة فانتشل منها ميتا، وكان الحزن عليه خفيفا؛ لأنه خاتمة أسرته فكاد أن يكون مأتمه صامتا لولا بناته. أما زوجته فكانت تبكي على مهل، لم يمش أمام جثمانه غير كاهن واحد هو خوري الضيعة، وكان ترتيله نيئا؛ لأن لا مسعف له، فحنا كما عرفناه لا يملك مالا فينعى إلى قرى عديدة.

مشت القرية كلها في جنازته شاعرة أن رجلا من الطيبين مات، لم يتفجعوا عليه ولم يبكوه، ولكنهم قدروا أمانته بصمتهم.

وكان كلبه غبار في عداد المشيعين، يمشي من عن يمين التابوت كئيبا حزينا. أثر منظر هذا الكلب الوفي في المؤاجرين فكانوا ينظرون إليه باعتبار وتقدير حتى قال أحد ظرفائهم: هذا الكلب أحق بالتعزية من زوجة حنا ...

أما الصغار فكانوا يداعبونه، ولكنه يجد، فيتركونه وشأنه.

Bog aan la aqoon