Aqwam Masalik
أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك
Noocyada
من المعلوم عند الجميع أن دولتنا العلية لم تزل من مبدأ ظهور أمرها معتنية بكمال الرعاية للأحكام القرآنية الشريفة والقوانين الشرعية المنيفة، وأن سلطتننا السنية قد وصلت بذلك إلى الدرجة القصوى من القوة والمكانة ورفاهية الرعايا وعمارة المدن والقرى. إلا أنها منذ مائة وخمسين سنة تناقصت قوتها ومعمورية ممالكها وأخذت في التأخر والضعف؛ وذلك لغوائل متعاقبة وأسباب متنوعة نشأ منها تجاوز الحدود الشرعية والقوانين المرعية. ولا يخفى أن الممالك التي لا تنسج إدارتها على منوال القوانين الشرعية لا تدوم استقامتها؛ فلذلك لم تزل أفكارنا منذ جلوسنا على سرير الملك مصروفة إلى تدبير وسائل عمارة الممالك ورفاهية الأهالي؛ مما يحصل به المطلوب في مدة يسيرة بعون الله تعالى، نظرا إلى حسن الموقع الجغرافي المحتوي على ممالك دولتنا العلية ذات الأراضي الخصبة والأهالي ذوي الاستعداد وتمام القابلية، إلى أن رأينا من المهم وضع قوانين جديدة مؤسسة على القواعد الشرعية المشيدة، واعتمادنا في وضع ذلك على العناية الربانية متوسلين بحرمة سيد البرية
صلى الله عليه وسلم .
ومدار القوانين المشار إليها على وجوب حفظ النفس والعرض والمال، وعلى بيان المرجع في تعيين الأداء وجلب العساكر اللازمة. أما وجوب حفظ النفس والعرض فلكونهما أعز الأمور الدنيوية، فإذا خشي الإنسان عليهما اضطر إلى التشبث بمن يرجو به وقايتهما كائنا من كان، وإن لم يكن في أصل فطرته مجبولا على الخيانة. ولا يخفى أن ذلك مما يضر بالدولة والمملكة، بخلاف ما إذا كان آمنا على نفسه وعرضه، فإنه لا يحيد عن طريق الصدق والاستقامة وصرف الهمة إلى حسن الخدمة لدولته وملته. وأما المال فإن من فقد الأمن عليه لا يتأتى له القيام بحقوق دولته؛ إذ لا يخلو دائما من شغل بال واضطراب حال، بخلاف ما إذا كان آمنا على ماله فإنه يشغل نفسه بما يعنيه في دينه ودنياه وينظر في توسيع دائرة معارفه وعيشه، وبذلك يتمكن من قلبه حب الوطن، وتشتد غيرته عليه وعلى دولته ويكون سعيه على حسب ذلك. وأما تعيين الأداء فالمرجع فيه أن كل دولة تحتاج في حفظ ممالكها إلى القوة العسكرية، كما تحتاج في ضبط تصرفاتها إلى مصاريف لازمة، فلا بد لها من مبلغ وافر من المال بحسب احتياجها، وإنما يتحصل ذلك بما يضرب على أتباع تلك الدولة، فلزم أن يوضع للأداء المشار إليه طريقة مستحسنة؛ وذلك أن الاستبداد وإن بقيت معه ممالكنا المحروسة سالمة والحمد لله على ذلك، لكن ظهرت آثاره من الاختلال والخراب، وذلك لأن جعل زمام مصالح المملكة السياسية وأمورها المالية بيد شخص واحد موكولة إلى اختياره، بل لا مانع أن يقال موكولة إلى قهره وجبره، يتسبب عنه ما ذكر، خصوصا إذا لم يكن ذلك الشخص من أهل الخير، فإنه يؤثر منفعته على منفعة الغير وتكون تصرفاته مبنية على الظلم والضير، فوجب لذلك أن نبادر بترتيب معيار مضبوط يعتبر في توزيع الأداء على الأهالي ، مراعى فيه قدر المكاسب واليسار، بحيث لا يؤخذ من أحد ما فوق مقدوره بعد أن يجعل لمصاريف الدولة اللازمة للعساكر وغيرها حد محدود بقوانين لا تتعداها، وأما جلب العساكر فهو من أهم ما يتوقف عليه حفظ الدين والوطن والذب عنهما، فيلزم الأهالي أن يقدموا أشخاصا منهم للخدمة العسكرية، لكن الطريقة الجارية في ذلك إلى الآن مع ما فيها من عدم الانتظام تؤدي إلى اختلال أصول الزراعة والتجارة وإلى قلة التناسل (فيقع النقص في الأموال والأنفس والثمرات).
ومنشأ ذلك عدم اعتبار عدد النفوس الموجودة ببلدان المملكة، فيؤخذ من بعضها أكثر من المقدور ومن بعضها أقل من الميسور، واستمرار الجندي في الخدمة العسكرية مدة حياته، وبذلك يقل النسل ويحصل الضجر المخل بفوائد الخدمة المذكورة، فبناء على ذلك نرى من اللازم إذا مست الحاجة لأخذ العسكر من الممالك أن يوضع لذلك أصول مناسبة جارية على منهج المساواة المطلوبة، ثم يسلك في الاستخدام العسكري طريقة المناوبة، بحيث لا يبقى الشخص في الخدمة المذكورة أكثر من خمسة أعوام مثلا، فبهذه الأصول التي عليها مدار القوانين والتنظيمات يحصل بمعونة الله نمو العمران والقوة والأمن والراحة. فلذلك نقول: يلزم من الآن فصاعدا أن لا يعامل أحد من أرباب الجرائم والجنايات بما يفضي إلى إتلاف نفسه من سم ونحوه بدون مبالاة، بل لا يحكم عليهم إلا بما تقتضيه القوانين الشرعية، وأن لا يسلط أحد على الوقوع في عرض آخر وهتك حرمته، وأن يتصرف كل إنسان في أمواله وأملاكه بغاية الحرية وعدم المعارضة، وإن من جنى جناية لا يحرم ورثته من حق وراثته بالاستيلاء على أمواله للجناية التي هم برآء منها. وهذه المساعدة منا جارية في حق المسلمين وغيرهم من أهل الملل التابعين لسلطتنا بدون استثناء أحد منهم، ولإتمام الأمان وتعميم الاطمئنان يزاد في أعضاء مجلس الأحكام العدلية قدر ما يلزم للنظر في سائر النوازل وفصلها بما يتفق عليه الأكثر، وعلى وكلاء دولتنا العلية أن يحضروا المجلس المذكور في بعض الأيام ويبدي كل واحد ما يستصوبه دون تحاش ولا مداراة.
وأما المفاوضة في شأن التنظيمات العسكرية فإنها تكون بدار الشورى الكائنة بمحل السر عسكر، وكل ما يستقر عليه الرأي من القوانين يعرض علينا لنوشحه بالخط الميمون ويكون دستور العمل إلى ما شاء الله، وحيث كان وضع القوانين الشرعية المشار إليها إنما هو لإحياء الدين والدولة والملك والملة، أكدنا ذلك بالعهد والميثاق من طرفنا الملكي، على أن لا يصدر منا شيء يخالفها، وأقسمنا على ذلك في بيت الخرقة الشريفة بمحضر جميع العلماء والوكلاء، وسيحلف كل منهم على ذلك، فإذا صدر بعد ذلك من أحد الوزراء أو العلماء ما يخالف تلك القوانين الشرعية فإنه يجازى بالتأديب المناسب لجريمته الثابتة بدون التفات لرتبته ولا مراعاة لذاته، وحيث إن مأموري الدولة لهم مرتبات كافية، ومن ليس له ذلك الآن سيرتب له ما يكفيه، وجب أن نشدد في قطع مواد الرشوة المستبشعة طبعا وشرعا بوضع قانون يخص عقوبتها، ولاستبقاء التنظيمات المشار إليها والأصول المبنية هي عليها المغيرة للعوائد الجورية القديمة وجب أن ننشر هذه الأوراق السلطانية إلى سفراء الدول المتحابة المقيمين بالأستانة العلية؛ ليكونوا شاهدين على إمضائها، كما ننشرها إلى أهالي الأستانة وسائر ممالكنا المحمية، فمن سعى في حل عرى هاته القوانين الموضوعة على أساس شرعي متين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا ينال فلاحا إلى يوم الدين. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لإجراء هذا الخير العميم، آمين.
ثم أصدر المنشور الثاني المؤرخ بجمادى الثانية سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف هجرية مخاطبا به الصدر الأعظم في بيان حقوق غير المسلمين من رعايا الدولة العلية، ملخصه: إن أصناف الرعية كلهم وديعة الله في يد الملك، فالواجب أن يكونوا كلهم حاصلين على الحالة الحسنة من العدل والإحسان، وإذا اتحدت وتآلفت قلوب بني الوطن قويت شوكة الدولة وعزة المملكة. ومن أسباب تأليف قلوب السكان من سائر أتباع الدولة أمن غير المسلم منهم على نفسه وماله كما أمن المسلمون؛ فلذلك نجعل لهم مجالس تحت نظر الباب العالي للنظر في أمورهم الدينية. ثم بين كيفية تصرف رؤساء ديانتهم في ذلك، ثم ذكر أن القانون مانع لسائر الناس من ارتكاب ما يزري بشرف الإنسان من أوصاف الشين والعار، وأن كل امرئ له الحرية التامة في دينه ومذهبه، فلا يمنع أحد من رعايا السلطنة عن عبادته، ولا يجبر على تبديل دينه أو مذهبه. ثم ذكر أن الدعاوي التي تحدث بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل تفصل في مجالس يكون أعضاؤها من المسلمين وغيرهم، وإذا تنازع اثنان من غير المسلمين في مثل الميراث وتراضيا على التحاكم لدى رؤساء ديانتهما أو مجلس ينعقد لخصوص النازلة، فلهما ذلك. ثم قال: ولتضبط قوانين الجزاء والتجارة ويصلح حال السجون ويعامل المساجين بمقتضى تنظيماتها، بحيث لا يرام أحد بما يؤلم بدنه أو نحو ذلك. ثم قال: ويستوي سائر الرعايا في ضرائب الأداء والمطالبة بالخدمة العسكرية، وقد يعافى غير المسلم من مباشرة الخدمة المذكورة إذا أقام عوضا عنه أو أعطى دراهم نقدا معروفة المقدار.
ثم أشار إلى تنظيم الإدارة وأحوال البلاد ... إلى أن قال: ولمراعاة النفع العام سيتعين من لدن دولتنا مبلغ من المال لتمهيد الطرقات. ثم تكلم على كيفية استخلاص المجابي، وبين أن المجلس الذي ينظر في مصالح السلطنة تتولى اختيار أعضائه الذات الشاهانية، ومدة بقائهم في العضوية عام واحد، ويستوثق منهم باليمين عند دخولهم، وعليهم أن يذكروا ما يظهر لهم من غير تخوف من شيء غير ربهم ... إلى أن قال: فلتفتح الطرق والجداول لنقل محاصيل المملكة، وليمنع كل ما يحول دون الزراعة والتجارة، وليكن تمام الاعتناء بتعليم المعارف والفنون، وبالتفتيش كلما أمكنت فرصة عن أسباب وضع الشيء بمحله في جميع الأمور. ثم ختمه بقوله: إليك يا صدر دولتنا الأعظم عنوان أمرنا الجليل الملكي، وأنت المشار عليه بتكميل ما نبا عنه البيان بالشرح الشافي، وإشاعته بدار خلافتنا وجميع بلدان سلطنتنا الجليلة ليعلمه الناس قاطبة من الآن، فعليك ببذل الجهد واستفراغ الهمة لإنفاذه والقيام بحقوقه، وعلى علامتنا الشريفة اعتمادك. هذا ما أمكن تلخيصه من ترجمة المنشورين المذكورين، ولا يعزب عمن كابد تهذيب المعاني المنقولة من لغة إلى لغة عذر محررها في قلق العبارة، وما يقتضيه ضيقها في بعض التراكيب من الإخلال ببعض مقاصد الأصل. (3) في أحوال وزراء الدولة العلية ومجالسها السياسية والعسكرية
فأولها الصدارة العظمى، وهو وزير التفويض المطلق النائب عن الحضرة السلطانية والحافظ لطابع السلطنة العلية، وله رئاسة سائر الإدارات الداخلية والخارجية وجميع الوزراء عيال عليه، لا سيما وزير الخارجية ووزير المال، ولا يعرض شيء لإمضاء السلطان على غير طريقه، ولا يمضى شيء بغير واسطته، يرأس المجلس الخاص ويجمع أعضاءه للمفاوضة متى شاء، وبواسطته تكون ولاية سائر المتوظفين وعزلهم. ومقره الباب العالي، وهو قصر ضخم بالتخت يقال له بلسان الترك باشا قبوسي، وبه يجتمع المجلس الخاص ومجلس الأحكام العدلية والوزارة الخارجية. وبالجملة فالباب العالي هو مركز سياسة الدولة، إليه تنتهي الأمور ومنه تصدر الأوامر الملكية، وقد تحل به الحضرة السلطانية أحيانا، إما لتكون مفاوضة المجلس بمحضره أو لتعرض عليه مهمات السياسة غير التي تعرض عليه بقصره الخاص، على أنه يحضر به مرة في السنة حضورا رسميا لتعرض على حضرته كليات الأمور التي وقعت في السنة الماضية، وهو يخاطبهم بما يقتضي استحسان ما وقع منهم أو بتحريضهم وتنبيه هممهم إلى ما يكون أحسن.
وللصدر الأعظم مستشار في الباب العالي معدود من ذوي المراتب الرفيعة، ومن وظيفته تلخيص جميع النوازل قبل عرضها على الصدر. ثم إن تصرفات الصدر على ثلاثة أقسام؛ قسم يأمر فيه الصدر بما يراه من غير عرض على أحد، وقسم يعرضه على إمضاء السلطان، وقسم يعرضه على المجلس الخاص أو مجلس الأحكام العدلية، وما يستقر عليه الرأي يعرضه على الإمضاء السلطاني إن كان مما يتوقف على الإمضاء، وإلا فيمضيه وحده بمقتضى قوانين الدولة، وبقية الوزارات كل منها مركب من وزير ومستشار وكتاب ووزعة بقدر الحاجة. وبكل وزارة ما عدا الخارجية مجلس مركب من رئيس وأعضاء وكتبة للتأمل وإعطاء الرأي في النوازل التي تعرض عليهم من الوزير، وما يستقر عليه الرأي يصحح عليه المجلس والوزير ثم يرسل إلى الصدارة العظمى، فإن كانت النازلة حسابية مثلا يرسلها الصدر إلى مجلس المحاسبات، فإن ثبتت عنده صحتها وموافقتها لقوانين الدولة يرسلها إلى وزارة المال لتبقى هناك، وإن وجدت فيها مخالفة عمدية فإن النازلة تنقل إلى مجلس الأحكام العدلية، ويحضر نواب من الوزارة التي وجد الخلل في حسابها للمدافعة عنها، ونواب من مجلس المحاسبات للمدافعة عن حقوق الدولة والقانون. (4) في بيان مجالس الدولة
فأولها:
Bog aan la aqoon