Aqwam Masalik
أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك
Noocyada
ومن تصفح رسالة أستاذ المشايخ الحنفية ومحط رحال الاستفتاء بالديار التونسية، من لم يزل على نقوله وأفهامه، المعول الشيخ سيدي محمد بيوم الأول وجد بها من الأدلة ما يشهد لما ذكرناه، فإنه عرف السياسة الشرعية بأنها: ما يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به الوحي. ثم أشار إلى ذم ما كان من التصرفات السياسية في أحد طرفي التفريط والإفراط بقوله: «إن من قطع النظر عنها إلا فيما قل فقد ضيع الحقوق وعطل الحدود وأعان أهل الفساد، ومن توسع فيها فقد خرج عن قانون الشرع إلى أنواع من الظلم.» ثم قال: «ونقل ابن قيم الجوزية عن ابن عقيل مخاطبا لمن قال لا سياسة إلا ما وافق الشرع: إن أردت بقولك إلا ما وافق الشرع؛ أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة رضي الله عنهم.» وسرد أمثلة من سياساتهم. ولابن قيم الجوزية هنا كلام حاصله أن أمارات العدل إذا ظهرت بأي طريق كان فهناك شرع الله ودينه، والله تعالى أحكم من أن يخص طرق العدل بشيء ثم ينفي ما هو أظهر منه وأبين. وسئل القرافي عن الأحكام المرتبة على العوائد إذا تغيرت تلك العوائد هل تتغير الأحكام لتغيرها، أو يقال نحن مقلدون وليس لنا إحداث شرع جديد لعدم أهليتنا للاجتهاد؟ فأجاب بأن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل الحكم التابع للعادة يتغير بتغيرها، وليس هذا بتجديد اجتهاد من المقلدين، بل هي قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها. انتهى. وعد ابن القيم من الجهل والغلط الفاحش توهم أن الشريعة المطهرة قاصرة عن سياسة الأمة ومصالحها، قال: ولأجل هذا الغلط تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، فخرجوا عن حدود الله إلى أنواع من الظلم والبدع في السياسة، يعني وسبب ذلك تمسكهم أو تمسك العلماء الذين يفتونهم بظواهر النصوص فيضيقون ما وسعه الله عليهم، فيضطرون إلى خلع القيود وهتك الحرمات والحدود.
وبناء على ما تقرر يظهر أن اللائق بأولئك الهداة أن يتوسطوا بين التفريط والإفراط، بحيث لا يبعدون من رجال السياسة بعدا يتسبب عنه تبعيد تصرف الولاة عن الشريعة، وما لا يدرك كله لا يترك قله، ولا يقربون منهم قربا ينشأ عنه تقريب شهواتهم بتسهيل طرقها لهم.
وحيث تقدم بيان الأدلة الكافية لوجوب التنظيمات السياسية التي لو لم يكن إلا تنفير الأجنبي والمتوظفين منها لكان كافيا في الدلالة على حسنها ولياقتها بمصالح المملكة، كان من أهم الواجبات على أمراء الإسلام ووزرائهم وعلماء الشريعة الاتحاد في ترتيب تنظيمات مؤسسة على دعائم العدل والمشورة، كافلة بتهذيب الرعايا وتحسين أحوالهم على وجه يزرع حب الوطن في صدورهم ، ويعرفهم مقدار المصالح العائدة على مفردهم وجمهورهم، غير معتبرين مقال بعض المجازفين أن تلك التنظيمات لا تناسب حال الأمة الإسلامية، مستندا في ذلك إلى أربع شبه؛ الأولى: أن الشريعة منافية لها. الثانية: أنها من وضع الشيء في غير محله لعدم قابلية الأمة لتمدناتها. الثالثة: أنها تقضي غالبا إلى إضاعة الحقوق بما تقتضيه من التطويل في فصل النوازل، كما يشاهد ذلك في سائر الخطط القانونية. الرابعة: أنها تستدعي مزيد الضرائب على المملكة بما تستلزمه من كثرة الوظائف لإداراتها المتنوعة.
ولا يخفى على المتبصر أن جميع ما استند إليه مردود؛ أما الشبهة الأولى: فيكفي في ردها ما أسلفناه مما يدل على أن الشريعة تقتضي التنظيمات، لا سيما بعد اعتبار أحوال ولاة الوقت، وعلى فرض أن يوجد في التنظيمات بعد تأسيسها وتهذيبها من رجال العلم والسياسة شيء لا مسوغ له، فلا مانع من تبديله ولا يكون توقعه سببا في ترك تأسيس التنظيمات من أصله. وأما بقية الشبه فلو أردنا الاكتفاء في ردها بما تقدم لكفى أيضا، لكن رأينا أن نزيده إيضاحا وبيانا، فنقول: أما الشبهة الثانية فجوابها أن عامة غيرنا الذين بلغوا بالتنظيمات غاية التمدن كانوا في مبدأ الأمر أسوأ حالا من عامتنا، وإن كنا نسلم أن معارفنا الدنيوية الآن أقل مما أنتجته التنظيمات لبعض الأمم الأوروباوية، لكن عند التأمل يثبت عندنا أن الأمة الإسلامية بمقتضى ما شهد به المنصفون من رجحان عقول أواسط عامتها على عقول غيرها من الأمم تقتدر أن تكتسب بما بقي لها من تمدنها الأصلي، وبعاداتها التي لم تزل مأثورة لها عن أسلافها، ما يستقيم به حالها ويتسع به في التمدن بحالها، ويكون سيرها في ذلك المجال أسرع من غيرها كائنا من كان إذا أذكيت حريتها الكامنة بتنظيمات مضبوطة تسهل لها التداخل في أمور السياسة. وذلك أن الحرية والهمة الإنسانية اللتين هما منشأ كل صنع غريب غريزتان في أهل الإسلام مستندتان مما تكسبه شريعتهم من فنون التهذيب، بخلاف غيرهم ممن لم تحصل لهم الغريزتان المذكورتان إلا بإجراء التنظيمات في بلدانهم. نعم، من الواجب على مؤسس أصول الحرية السياسية اعتبار حال السكان ومقدار تقدمهم في المعارف؛ ليعلم بذلك متى يسوغ إعطاء الحرية التامة ومتى لا يسوغ، ومتى يعمم المقدار المعطى في سائر السكان ومتى يخص بمن قامت به شروط معتبرة، ثم توسيع دائرتها بحسب نمو أسباب التمدن شيئا فشيئا، ثم لو سلم عدم القابلية للتنظيمات وأن الأمة كما يزعمه أولئك القادحون بمثابة الصبي غير الرشيد الذي يلزم التقديم عليه، فهل ينهض لهم دليل على جواز أن تكون تصرفات المقدم خالية عن مراعاة مصلحة المقدم عليه، وهل تتيسر تلك المراعاة بدون توقع احتساب مؤسس على الشرع؟ وأما الشبهة الثالثة فجوابها أن التطويل الذي يمكن عروضه في فصل النوازل يرجع إلى قسمين؛ لأنه إما أن يكون ناشئا عن صعوبة تصور النازلة وتعيين ما ينطبق عليها من النصوص المتجاذبة لها، أو يكون ناشئا عن قصور المتوظفين أو تقصيرهم. أما القسم الأول فلا يتشكى منه إلا الجاهل أو المتجاهل، وذلك أن إعطاء النوازل حقها من التأمل حتى يتضح عند الحاكم وجه الحكم يستدعي فسحة ضرورية لفهمها على الوجه المطلوب، وتلك الفسحة المتفاوتة بتفاوت النوازل في التشعب من لوازم البشرية في حق كل من الحاكم والمحكوم عليه، إذ الحكم - سواء كان مبنيا على القواعد الشرعية أو القوانين العقلية - لا يكون حكما معتدا به إلا إذا كان مسبوقا بأخذ المحكوم عليه مهلة لتحرير حججه التي يدافع بها عن نفسه، وأخذ الحاكم مثلها لإمعان النظر فيها وتعيين ما ينطبق من الأصول عليها، فالحاكم إذا نقص من إحدى المهلتين شيئا فقد ظلم المحكوم عليه ونفسه.
وحيث كان التطويل المشار إليه طبيعيا للنوازل، ومما تعاضد على لزومه الشرع والعقل؛ يسوغ لنا أن نقول إنه لا منشأ للقدح به في التنظيمات إلا إرادة تنفير الأهالي منها، بتحسين ما تعودوه من حكامهم السياسية الذين كثيرا ما ينشر لديهم من النوازل ما لو نشر لدى أحذق القضاة لاحتاج في تصوره إلى عدة أيام، فيبادرون إلى فصلها في عدة دقائق بحكم لا يتعقب ، بل لو فرض الترخيص منهم في تعقبه لما أمكن ذلك، حيث لم يكن الحكم مسجلا بظهير؛ لأن التعقب يستدعي استناد الحكم المتعقب إلى شيء من الأدلة يمكن اطلاع المتعقب عليه، بحيث يجد محلا للتخطئة في تنزيل الحكم أو نحو ذلك إذا كان الحكم مسجلا. وما يصدر من هؤلاء حكم شفاهي غير معلل باستناده إلى شيء في الخارج، فهو لا يخلو إما أن يكون أمرا اتفاقيا بحسب ما يسنح لأحدهم في ذلك الوقت؛ ولذلك ترى كثيرا من النوازل متفقة في المعنى وأحكامها مختلفة، أو مستندا إلى دليل لا يتجاوز صدر ذلك الحاكم، فلا يمكن الاطلاع عليه، وفي الحالتين لا يمكن التعقب.
ثم إنا لا ننكر أن يقع في ابتداء العمل بالتنظيمات شيء من التطويل زائد على المقدار الطبيعي ناشئ عن عدم التعود بها والتمرن عليها، لكن نرى الخطب في ذلك سهلا؛ لأنه مما يزول بإعانة الله في أقرب وقت عند حصول ملكة التجريب، وتخفيف أعمال الحكام في الأحكام الخفيفة ارتكابا لأخف الضررين، وتحريض الدولة سائر متوظفي السياسة على المبادرة بإتمام مأموريتهم بجلب المدعى عليه، ونحو ذلك مما تتوقف عليه الأحكام، حتى لا يبقى من أسباب التطويل إلا ما يستدعيه حال النازلة. على أنا نقول تنازلا مع هؤلاء المنفرين أن الغرض من التنظيمات ليس محصورا في فصل النوازل الشخصية على وجه الإنصاف المأمول منها، بل هناك مصالح أخرى، من أهمها ضبط كليات السياسة القابض لأيدي الولاة عن الجور، فأين مضرة التطويل في النوازل الجزئية من مضرة إطلاق أيدي أولئك الولاة في التصرف في الأبدان والأعراض والأموال؟! فهذه الشبهة على فرض نهوضها لا تنتج إلا تعطيل مجالس النوازل الشخصية. أما ضبط أصول السياسة الذي هو أساس خير المملكة فلا نظن دليلا ينهض على تعطيله بوجه من الوجوه. وأما القسم الثاني: فظاهر أنه لا يقدح به في حسن التنظيمات في نفسها، وإنما يتوجه التشكي من مضرته على الدول، حيث لم تمعن النظر في أحوال المتوظفين وتمتحنهم بمزيد المراقبة والتجربة.
وبيان ذلك أنا نرى المتوظفين في الممالك الإسلامية على ثلاث فرق؛ الفرقة الأولى: يستحسنون ترتيب التنظيمات استحسانا صادقا، ويؤثرون ما تنتجه من الهمة والحرية، وتوفير مصالح الرعية على ما عسى أن يكتسبوه بالاستبداد من المنح الخصوصية، الفرقة الثانية: يجهلون مصالح التنظيمات، بحيث لا يرون كبير فرق بينها وبين السيرة الاستبدادية، بل يعدونها من بدع آخر الزمان ويؤثرون عليها البقاء على ما كان، ولا منشأ لذلك إلا القصور وعدم الاطلاع على نتائج التنظيمات في غالب المعمور، الفرقة الثالثة: لا يجهلون مصالح التنظيمات وتوفيرها لخير البلاد والدولة، ولكنهم يؤثرون على ذلك فوائدهم الشخصية التي تتوفر لهم بالاستبداد، ولا منشأ لذلك إلا نقص الديانة والهمة الإنسانية وعدم ملاحظة العواقب الدنيوية والأخروية. إذا تمهد هذا فنقول: إن التنظيمات وإن بلغت بحسن الترتيب والتهذيب غاية المطابقة لمقتضى الحال لا تظهر فائدتها المقصودة من تأسيسها إلا إذا كان المكلفون بإجرائها من الفرقة الأولى، فهم الذين توكل مصالح العباد إلى أمانتهم، ويعتمد في تأسيسها وتمشيتها على إعانتهم، وأما الفرقتان الأخيرتان فلا يحصل من تكليفهما إلا خلاف المقصود، لا سيما الفرقة الثالثة لمزيد انبعاث همتها إلى تعطيل التنظيمات. فعلى الدولة التي عزمت على تأسيسها إذا علمت ما ذكر من أحوال الفرقتين المذكورتين أن لا تنيط بأمانتهما حفظها ولا إدارتها حتى يثبت عندها بالتجارب صدق رجوع الأولى إلى استحسانها بالقلب والقالب، وإيثار الأخيرة المصالح العمومية على الحظوظ الشخصية واكتسابها المروءة الإنسانية المانعة من قبول الإنسان خطة لا يباشرها بصدق نية. بالجملة فإسناد الشيء إلى عهدة متمني زواله من أقوى موجبات اختلاله واضمحلاله. وأما الشبهة الرابعة: وهي اقتضاء التنظيمات لمزيد الضرائب على المملكة فجوابها أن هذا القائل المسكين لو علم ما ينشأ عن حالة الاستبداد وحالة التقيد بالتنظيمات لما صدرت منه هذه القولة الوهمية المبنية على عكس القضية، فإن حالة الاستبداد هي التي تقتضي كثرة الضرائب؛ إذ يؤخذ فيها اللازم وغير اللازم ليصرف فيما هو في الغالب غير لازم، بخلاف حالة التقيد، فإنها بضبط الدخل وصرفه في خصوص الأمور اللازمة لا تكلف فيها أهل المملكة إلا بضرائب تسمح بها نفوسهم، حيث يرون لزومها وصرفها في مصالح وطنهم. فإذا قابلنا ما يلزم صرفه على إجراء التنظيمات بما ينقص بها من المصاريف والخطط غير اللازمة التي لم تكن محدودة قبل التنظيمات بعدد ولا ضابط، مع ما يرتفع بها من المظالم التي لا تقف بدونها عند حد، لم يبق للمنصف شك في أن التنظيمات على فرض كثرة خططها من أقوى أسباب الاقتصاد والتوفير، لا سيما والمباشرون لاستخلاص المجابي متقيدون بالقوانين أيضا، فشتان بين حالة المستبد الذي يأخذ ويعطي بمقتضى الشهوة والاختيار وحالة المتقيد بالقوانين الذي يفعل ما ذكر بمقتضاها، متوقعا تعقب آراء كثيرة يخجل من تنزيلها إياه منزلة القاصر في تصرفه، فضلا عن الخائن فيه، فبان بهذا أن المصاريف البالغة التي تكلف المملكة ما لا طاقة لها به إنما تكون حالة الاستبداد، وأن الاقتصاد الذي هو منشأ خيرها إنما يحصل بضبط سائر التصرفات بقيود التنظيمات.
وفي هذا المقدار كفاية لمن تبصر في الفرق بين الحالتين، ولو أطلقنا عنان القلم في بيان حال بعض الدول في مصاريفها وفي سيرة المباشرين لها قبل تأسيس التنظيمات ومعها وبعدها، حين تيسر تعطيلها لأهل الأغراض والشهوات من أرباب الخطط، ورجعوا للتصرف بلا قيد ولا احتساب بإعانة أمثال هذا القادح؛ لتبين له أن قلة معرفته بنتائج التنظيمات هي التي غرته وأغرته على القدح فيها بمثل ما أسلفناه، وعلى إعانة الساعين في تعطيلها لفوائدهم الخصوصية المضرة بالدولة والمملكة، لكن سعة مجال الكلام في ذلك تخرجنا عن المقصود.
هذا وإذا كانت الدولة العثمانية التي هي مركز الخلافة الإسلامية مع ما أشرنا إليه سابقا من العوائق الخاصة بها لم تزل مجتهدة في رفع تلك العوائق اجتهادا يرجى منه تمام نجاحها بتأسيس ما يتم به خير ممالكها وحفظ حقوق رعاياها، فغيرها أحرى وأولى لانتفاء تلك العوائق عنها، فلا يظهر لملوكها سبب قوي في الامتناع إلا حب الاستبداد الموصل للشهوات، ثم نقول: كما كان ترتيب التنظيمات واجبا على من تقدم بمراعاة حال الوقت، فمن اللائق أيضا بمن يدعي من الدول الأوروباوية المتمدنة حب الخير للنوع الإنساني أن يعينوا في هذا الشأن ولو بالكف عن التعطيل، خصوصا من له فائدة في دوام استقلال الأمة الإسلامية.
هذا ما دعت الحاجة إلى تحريره من أسباب التقدم والتأخر للأمة الإسلامية ملخصا جله من الكتب الإسلامية والإفرنجية، وبه يعلم من لا خبرة له بأحوال الإسلام من الأوروباويين وغيرهم ما كان للأمة من التقدم في المعارف وغيرها وقت نفوذ الشريعة في أحوالها ودخول الولاة تحت قيودها، وأن الشريعة لا تنافي تأسيس التنظيمات السياسية المقوية لأسباب التمدن ونمو العمران كما يعتقده الكثير ممن ذكرنا، حتى صاروا يدرجون ذلك في صحف أخبارهم ومستحدثات تآليفهم، ولا سبب لذلك يمكن اعتذارهم به عن سريان ذلك لاعتقادهم إلا ما يشاهدونه في ممالك الإسلام من اختلال التصرفات والأحكام وما نشأ عنه من سوء حال الرعايا. وهذا ونحوه من مضار تقصير الأمراء في حماية الشريعة واستبدادهم بالتصرف بمقتضى شهواتهم مع إغفال العلماء القيام بما أهلهم الله له بإعراضهم عن مقتضيات أحوال الوقت كما أشير إليه سابقا، ولا يخفى أن البقاء على هذه الحالة مما يعظم خطره وتخشى عواقبه. سمعت من بعض أعيان أوروبا ما معناه أن التمدن الأوروباوي تدفق سيله في الأرض، فلا يعارضه شيء إلا استأصلته قوة تياره المتتابع، فيخشى على الممالك المجاورة لأوروبا من ذلك التيار إلا إذا حذوه وجروا مجراه في التنظيمات الدنيوية، فيمكن نجاتهم من الغرق. وهذا التمثيل المحزن لمحب الوطن مما يصدقه العيان والتجربة، فإن المجاورة لها من التأثير بالطبع ما يشتد بكثرة المخالطة الناشئة عن كثرة نتائج الصناعات، بحيث تلجئ لإخراجها والانتفاع بأثمانها، وهو سبب ثروتهم كما تقدم.
Bog aan la aqoon