Qaybaha Masar ee Juqraafiga ee Xilligii Fircooniga
أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني
Noocyada
تأليف
سليم حسن
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد، فقد طلب إلي المجمع المصري للثقافة العلمية أن ألقي محاضرة في ربيع عام 1942 في موضوع من الموضوعات المصرية القديمة البحتة، فلم يسعني إلا تلبية هذا الطلب، واخترت لذلك موضوعا لم يطرق بعد - بصفة شاملة - في اللغة العربية، وهو «أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني». وقد جاء اختياري لهذا الموضوع عقب كشف النقاب أثناء الحفر عن وثيقة تكاد تكون كاملة في هذا الموضوع، هذا فضلا عن أنها تعتبر أقدم نقش مصري قديم كامل وقع في أيدينا حتى الآن في هذا الباب؛ إذ يرجع عهده لأوائل الأسرة الثانية عشرة؛ أي منذ ما يقرب من 4000 سنة خلت، غير أني لم أتمكن من إلقاء كل بحثي أثناء الوقت القصير الذي خصص للمحاضرة؛ ولذلك أعددت البحث لمجلة المجمع؛ فطبعت منه عددا محدودا. وقد طلب إلي الكثير إعادة طباعته؛ فأدخلت على هذه الطبعة بعض الإصلاحات. وقد اعتمدت في شروحي على خرائط أعدت خصيصا لهذا الغرض حسب الوثيقة الجديدة. على أني لم أعالج في هذا البحث كل النواحي الجغرافية المصرية، بل وجهت معظم عنايتي أولا لبحث تدرج التكوين الاجتماعي للأسرة فالقبيلة فالقرية فالمدينة فالمقاطعة، ثم اتحاد كل المقاطعات التي تكون منها القطران البحري والقبلي، ثم اتحاد البلاد نهائيا تحت سلطان ملك واحد. بعد ذلك عالجت أقسام البلاد السياسية وتقلباتها في كل العصور القديمة، ثم تناولت موضوع ديانة كل مقاطعة ومعبوداتها، ثم بحثت موضوع أسماء البلاد المصرية القديمة التي انحدرت إلينا بنطقها المصري القديم على وجه التقريب في كل مقاطعة، وحددت موقع كل بلدة من هذه البلاد بقدر المستطاع. أما النواحي الأخرى من جغرافية مصر من حيث طبيعة البلاد وتكوينها الجولوجي، وزراعتها وتجارتها ومواردها الاقتصادية من معادن وأحجار وغير ذلك، فقد تكلمت عنها ببعض التفصيل في كتابي «مصر القديمة» الذي ظهر حديثا.
هذا، ولست مدعيا هنا أن هذا البحث قد جاء مستفيضا وافيا بالغرض، بل هو في الحقيقة نواة لمن أراد درس هذا الموضوع الغامض، والذي يحتاج إلى دراسات عميقة طويلة لمن أراد الإلمام به من علماء الآثار المصريين؛ لأنهم هم وحدهم الذين يمكنهم أن يقوموا بمثل هذا العمل الخطير باللغة العربية، كما قام به علماء الفرنج في مختلف لغاتهم خدمة للعلم، والله الموفق لما فيه خير البلاد.
سليم حسن
مقدمة
موقع وادي النيل
مثل وادي النيل الخصيب كمثل نبات أخضر نضر، انبثق في صحراء قاحلة، تضرب جذوره بأعراقها في مجاهل أفريقيا، ويمتد ساقه اليانع في أديم ذلك الوادي المجدب، ثم يتفتح عن زهرة ذات جمال وبهجة، فتسبغ على ما حواليها من الأرض خصبا ونماء، وتلك الأرض هي إقليم الدلتا، وكذلك يخرج من هذا الساق فرع ذو طلع نضيد؛ فيحول من تلك الصحراء الجدبة واحة خصبة هي إقليم الفيوم.
Bog aan la aqoon