ماريان كانت في حفل التزلج هذا أيضا. أتعرف من أقصد بماريان؟ السيدة كيد. كانت بالحفل، وكانت ترتدي أجمل زي تزلج على الإطلاق. كان بلون السماء الزرقاء ومؤطر بفراء أبيض وله قلنسوة. وكانت تلف على يديها أيضا فراء أبيض اللون لتدفئتهما. لم أر شيئا وتمنيت اقتناءه كفراء اليدين هذا.» •••
السيدة كروس، وهي مستلقية في الظلام ليلا قبل أن تخلد إلى النوم، كانت تراجع كل الأحداث التي وقعت مع جاك في ذلك اليوم: كيف بدت هيئته، كيف بدا لون بشرته، هل بكى وإلى متى دام بكاؤه، وكم مرة بكى، وهل كان في حالة مزاجية عصبية في غرفة الطعام، منزعجا من الحشد الكبير الذي يحيط به أم ربما لا يروق له الطعام؛ ما إذا كان قال لها عمت مساء عابسا أم ممتنا. •••
في تلك الأثناء، كانت السيدة كيد قد وجدت لنفسها رفيقة جديدة. كان اسمها شارلوت وكانت نزيلة في غرفة على مقربة من غرفة الطعام ولكنها انتقلت مؤخرا إلى الجانب الآخر من الردهة. كانت شارلوت طويلة القامة، نحيفة القد، مهذبة وجديرة بالاحترام، في منتصف الأربعينيات من عمرها. كانت تعاني من مرض تصلب الأنسجة. وأحيانا كانت تقل عنها أعراض المرض، كحالها الآن؛ فيصبح بإمكانها العودة إلى بيتها إن شاءت وإن كان لها مأوى تذهب إليه، لكنها كانت سعيدة في هذه الدار. سنوات طويلة من الحياة في مؤسسات رعاية المرضى جعلتها طفولية الطابع عطوفة وبشوشة. كانت تساعد في محل تصفيف الشعر الموجود بالدار، وكانت تعشق عملها فيه، كانت تحب أن تمشط شعر السيدة كيد وترفعه بالمشابك مشيدة بكثرة الشعر الأسود الذي لم يطله الشيب بعد. كانت تضع صبغة مؤقتة على شعرها تجعله يميل إلى الأشقر الفاتح، وتصففه لأعلى على نحو يجعله يبدو كثيفا، وتثبته على هذا النحو بمثبت الشعر. وكان بإمكان السيدة كيد أن تشم رائحة مثبت الشعر من غرفتها، وكانت تنادي عليها قائلة: «شارلوت! هل نقلوك إلى هنا كي تصيبينا بالاختناق؟»
فتضحك شارلوت مقهقهة. أحضرت هدية للسيدة كيد؛ كانت محفظة حمراء مصنوعة من اللباد، ومثبتة فيها تصميمات من أوراق شجر، وأزهار زرقاء وصفراء؛ صنعتها لها خصوصا في غرفة الأشغال اليدوية. وحدثت السيدة كيد نفسها كم كانت تلك المحفظة تشبه حامل وصفات الطعام الذي اعتاد أبناؤها أن يجلبوه إلى البيت من المدرسة بعد صنعه؛ وكان عبارة عن طبق كبير من الورق المقوى مثبت به نصف طبق بخيط لامع بحيث يتيح تثبيت ورق وصفات الطعام بينهما. لكنه لم يكن يحوي ما يكفي من أوراق وصفات الطعام ليكون ذا نفع حقيقي. كان شيئا تافها بذل فيه جهد جهيد شأنه شأن الأقمشة المطرزة بالكروشيه للإمساك بأواني المطبخ الساخنة التي يمكن أن يتعرض المرء للحرق إن استخدمها؛ ومثله مثل رأس الحصان المنحوت من الخشب وبه خطاف ليس كبيرا بالقدر الكافي لتعليق قبعة عليه.
صنعت شارلوت محافظ لبناتها المتزوجات، ولحفيدتها الصغيرة، وللمرأة التي كانت تعيش مع زوجها وأخذت اسمه. وقد كان الاثنان - زوجها وتلك المرأة - يجيئان بانتظام لزيارة شارلوت؛ وكانوا جميعا نعم الأصدقاء. كان هذا الترتيب مرضيا بالنسبة للزوج، وبالنسبة للبنات، وربما لشارلوت نفسها. ولم تكن شارلوت مخدوعة بأي شكل، والأرجح أنها استسلمت لعلاقتهما دون تذمر. بل ربما سعدت بهذه الفرصة.
قالت السيدة كروس: «ماذا تتوقعين؟ إنها شارلوت هانئة البال.»
لم يقع بين السيدة كروس والسيدة كيد أي خلاف أو فتور في علاقتهما. فما زالتا تتبادلان أطراف الحديث وتلعبان الورق. لكن استمرار العلاقة بشكلها الأول كان صعبا عليهما وقتئذ؛ فقد كفا عن الجلوس على الطاولة نفسها في غرفة الطعام لأن السيدة كروس كان عليها الاعتناء بجاك والتأكد من أنه ليس بحاجة ليد المساعدة في قطع شريحة اللحم. لم يكن يسمح لأحد غيرها بقطعها، بل كان يتظاهر بإعراضه عن الطعام ويفوت على نفسه حصته من البروتين إن لم تكن موجودة. كما أن شارلوت احتلت مكان السيدة كروس على طاولة الطعام مع السيدة كيد. ولم يكن لدى شارلوت أي مشكلة في قطع شريحة اللحم خاصتها، والواقع أنها كانت تقطع شريحة اللحم والخبز المحمص والبيض والخضراوات والكعك وأي شيء تتناوله ويسهل قطعه إلى أجزاء صغيرة قبل أن تشرع في تناول الطعام. ولأن السيدة كيد قالت لها إن أسلوبها في تناول الطعام مخالف للآداب العامة، شعرت شارلوت بالاكتئاب، لكنها كانت عنيدة واستمرت في تناول الطعام بطريقتها المعتادة.
قالت السيدة كيد للسيدة كروس عن شارلوت: «ما كنا لنستسلم بسهولة، أنا ولا أنت. ما كان ليتاح أمامنا الاختيار.» «هذا صحيح. لم تكن هناك أماكن كهذه. لم تكن أماكن جيدة. وما كانت لتساعدنا على البقاء على قيد الحياة على النحو نفسه الذي يعتنون به بشارلوت. أعني باستخدام العقاقير وما شابه ذلك. وربما أن العقاقير هي التي تجعلها تتصرف بسذاجة.»
التزمت السيدة كيد الصمت، وعلا وجهها العبوس لما وصفت صديقتها شارلوت بالسذاجة، ولو أن هذه هي الطريقة الفظة لصياغة ما كانت تحاول هي نفسها التعبير عنه. بعد لحظة من الصمت، تكلمت بلا مبالاة. «أعتقد أنها أذكى مما تظهر للآخرين.»
قالت السيدة كروس بهدوء: «لا يمكنني الجزم.»
Bog aan la aqoon